الجمعة , أبريل 19 2024

هذا ما جناه فتحُ إسلامىُ على أقباط مصر … !!(1)

بقلم محمد المغربى
الكاتب الصحفى
تعددت الافتراءات والمغالطات التى تردد دوما على أن الفتح الإسلامى لمصر كان غزوا وليس فتحا , وأن الاسلام انتشر بحد السيف , وأن أقباط مصر كان يتعامل العرب والمسلمين معهم كمواطنين من الدرجة الثانية , بل وتم استبعادهم من المشهد الوطنى طيلة ألف ومائة عام تقريبا منذ إبتداء الفتح العربى والذى يسمونه بالغزو العربى ووصولا بعصر المماليك حتى مجيئ محمد على باشا .
لم يكتف هؤلاء بالكذب والافتراء بل عمدوا إلى تزوير التاريخ والتشكيك فى الوثائق بل و وتزويرها , مثل التحريف الذى نال من العهدة العمرية وتوجيه اللوم لها بأنها كانت وثيقة مجحفة و ظالمة نالت من حقوق الأقباط بل وأتهموها بأن شروطها المتشددة كانت مخزية ومذلة لأصحاب الأرض من المسيحيين “على حد زعمهم”
لم يكن هؤلاء منصفين أو موضوعيين فى البحث فى التاريخ , ولم يقدموا دليلا واحدا على صدق كلامهم , ولم يستند كلامهم إلى المراجع التاريخية التى تدعم الزاعم فى زعمه , بل معظم أحاديثهم كلاما مرسلا يفتقد المصداقية ولا يستند إلى حجج وأدلة تقوى زعمهم .
من هنا وجدت أنه من الضرورى إثبات أن دخول الاسلام مصر كان فتحا وليس غزوا … كان عزا للأقباط وليس ذلا … نشر السلام وليس الظلام … استعمل السمح وليس السيف .
بداية يثار حاليا فى القنوات الصحفية والاعلامية أن دخول الاسلام مصر كان غزوا وليس فتحا , يقول الدكتور” قاسم عبده قاسم ” رئيس قسم التاريخ فى كلية الآداب “فى بحث له حول هذا الموضوع , لقدغيرت مصر دينها مرتين من العبادات الفرعونية القديمة إلى المسيحية مرة , ومرة أخرى من المسيحية إلى الاسلام , لكنها لم تغير لغتها وإطارها الثقافى سوى مرة واحدة من اللغة المصرية إلى اللغة العربية دون جبر وكان فى حد ذاته نوعا من التحول فى مسيرة مصر الحضارية عبر تاريخها الطويل .
مرت مصر الفرعونية بمدارس كثيرة وعصور متباينة , ونقل عنها الإغريق القدماء وتعلم منها الرومان , ثم جاء العصر البطلمى فالرومانى ولم تتأثر مصر باللغة الإغريقية وبقيت الكتلة الكبرى من المصريين خارج نطاق هذه الحياة , وبعيدة عن الأخذ بثقافة الحكام وأساليبهم , أما بعد الفتح الإسلامى لمصر تحولت مصر من دور المفعول به إلى دور الفاعل الحضارى المؤثر فى المنظقة مثلما كانت الحال زمن الفراعنة ورغم أن دخول المسلمين بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر كان عملا عسكريا تمت ممارسته بالقوة المسلحة وهو أمر طبيعى عند مستوى الممارسة السياسية والعسكرية , فلا يمكن بداهة أن تقوم دولة بفرض سيطرتها على دولة أخرى من دون عمل عسكرى , تلك هى طبيعة العلاقات , وكانت دولة الخلافة الاسلامية دولة صاعدة تواجه دولتين آفلتين هما الفرس والروم , وكان الصدام محتما بين هذه الدول الثلاث بحكم حقائق الجغرافيا السياسية , وحقائق التراث التاريخى , وأسفر الصدام المحتوم عن إختفاء دولة الفرس وذوبانها فى الكيان الإسلامى الأوسع , وتقلص مساحة دولة الروم إلى بقاع صغيرة , وكان هذا أمرا مدهشا , ولا يزال , فقد تعربت المنطقة وصار الإسلام دين الغالبية من أبنائها فى حين انتشر الإسلام فى مناطق أخرى ولكنها لم تتعرب بشكل نهائى
تحولت مصر بفضل الحضارة العربية الإسلامية إلى قوة حضارية فاعلة على المستوى السياسى والعسكرى بعد سبات طويل تحت حكم البيزنطيين والرومان والبطالمة , وتحولت من ولاية تتبع دولة الخلافة الراشدة ثم الأمويين فالعباسيين إلى دولة شبه مستقلة ثم إلى دولة خلافة مستقلة , ثم صارت المعقل الأخير للدفاع عن الحضارة العربية الاسلامية على مدى ما يزيد على ثلاثة قرون ونصف القرن عصر الأيوبيين والمماليك .
وهنا ينبغى أن نلاحظ أن الآلية التى سمحت لمصر بهذا التحول الدرامى المثير فى دورها السياسى والعسكرى ترتبط بطبيعة الحضارة العربية الإسلامية التى تقوم على أسس انسانية عالمية تعترف بالآخر وتفسح له مكانا وهو الأمر الذى لم يحدث ولم يكن ممكنا أن يحدث فى ظل الإمبراطورية الرومانية التى لم تسمح لمصر بأن تخرج عن دور سلة الخبز الرومانية .
لم يكن الفتح الإسلامى لمصر مجرد استبدال حاكم أجنبى بحاكم أجنبى آخر , وإنما انتقال من حال إلى حال … !! من حال التبعيةالسياسية والخنوع العسكرى إلى حال المشاركة فى صنع حضارة قوامها الدين الجديد وإطارها اللغة العربية إلى حال القيادة والريادة عندما داهم العالم الإسلامى خطر الصليبيين والتتار
أسهب ” قاسم “حديثه قائلا ” أن أى مشروع نهضوى تقدمى فى مصر أو العالم العربى يتجاهل البعد العربى والإسلامى لابد وأن ينتهى بالإخفاق والفشل .
يجيب د . قاسم فى النهاية على التساؤل هل دخول الإسلام فتحا أم غزوا ؟ قائلا :
فى تقديرى أن مسألة غزو أم فتح ليست خلافا حول تفسير التاريخ , وإنما هى تعبير عن موقفين إيديولوجيين متناقضين : أحدهما يرى أن ما حدث منذ أربعة عشر قرنا من الزمان كان غزوا أجنبيا ينبغى أن نزيل آثاره , والآخر يرى أن ما حدث كان تحولا تاريخيا إيجابيا مثيرا فى خط التاريخ المصرى بعث مصر من رقدتها , وحولها إلى جزء عضوى من الكل الإسلامى .
ولأن التاريخ يحدث مرة واحدة , فإن محاولة اختراع تاريخ بديل هى أمر يبعث على الرثاء والضحك ولكنه ضحك كالبكاء , والأمر المقبول هو إعادة قراءة التاريخ مرات ومرات .
وعلى الذين يتحدثون عن الغزو العربى يتساءل ” قاسم ” هل يريدون طرد المستعمر العربى من مصر ؟؟
لا بأس بشرط أن يحددوا لنا هذا المستعمر العربى ومواصفاته , أم تراهم يريدون تنقية تاريخنا من شوائب الحضارة العربية الإسلامية !!
حسنا فليفعلوا ذلك إن استطاعوا .
إذن أثبت التاريخ أن دخول الإسلام مصر أسفر عن حضارة عريقة … حضارة جعلت دول عظيمة مثل الفرس والروم تذوب فى الكيان الإسلامى بل أسفر أيضا عن تغيير اللغة المصرية إلى العربية بدون إجبار أو إخضاع … حضارة تسعى للمشاركة مع الآخر ليصنع معها مجدا مشتركا فكيف يحرص الغازى على مشاركة من يغزوه فى صنع حضارة … !!
أرى كذلك أن الفتح الإسلامى لو كان غزوا ما ساعد الأقباط عمرو بن العاص فى حربه على البيزنطيين , وهذا أمر موثق ومشهور فى التاريخ , فكيف يحرص المغزو على مساعدة الغازى…!! هذا أمر يجافى المنطق والعقل
كما أن الغزو فى اللغة عبارة عن قتال بين طرفين يعود الطرفان إلى موطنهما عقب القتال أما الفتح فهو يعنى الدخول فى بلد والاستقرار فيه , وهذا ما فعله عمرو بن العاص وجيشه بأن أقام فى مصرواستقر فيها .
للحديث بقية ففى مقالى القادم أتحدث عن العهدة العمرية وشروطها والرد على من يراها متشددة ومخزية ومذلة لأصحابها من المسيحيين .

شاهد أيضاً

ليلة أخرى مع الضفادع

في ضوء احداث فيلم الوصايا العشر بشأن خروج بني اسرائيل من مصر التى تتعلق بالضربات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.