الجمعة , مارس 29 2024
محمد شلبى

الفجر الأول .

محمد شلبى أمين
سمع صوتا يشق ظلام الليل .قاطعا الطريق إلى أذنيه رغم اندثاره فى غطاء نومه وأحلامه العجيبة فى الليلة الباردة،فتح عينيه ،انتفض قلبه على غير عادته،قشعريرة تهرول فى جسده ،أزاح الغطاء ببطء ..ثم مسرعا،هم واقفا ،محاولا التماسك ،ينزع عنه قيود الظلام ،أضاء المصباح ،ارتدى ملابسه ،لم ينظر فى الساعة، وجدها كعادتها فى هذا الوقت وجههابين كفيها على سجادتها تتمتم بصوت لايكاد يسمعه،لم يكلمها،خرج مسرعا بغير افتعال، ثم منطلقا كالسهم النافذ،يشهد الخيطان الأبيض والأسود يتصارعان ،ينشرح لانتصار الخيط الأبيض،الظلام يلملم أشلاءه،يعطى ظهره للدنيا منزويا ،وضع يده على حلقة الباب، قبل أن يطرق ،تذكر سنى عمره الطويلة التى لم تمس يده هذه الحلقة ،أو يقرب فيها هذا الباب ،حتى فى موت أمه أوأبيه ،
أدار الحلقة ببطء،لم تستجب له،اشتد عليها قليلا ،لم تستجب ،هم بكل قوته ،لم تستجب ،طرق الباب ،لاأحد يجيب،ازداد طرقه ،أحس ببرودة الدنيا ،رأى الظلام يتعلق بآخر آماله؛هامسا : أغلقت بابك دونى سيدى؟ تعلق بالحلقةصارخا..سيدى أنا بالباب،نعم تأخرت ،لكننى أتيت،سمعت النداء ،لبيت،أرجوك لا تدعنى أعود منكسرا،جبرت كسر من هم أسوأ منى وسامحتهم،أمطرت عينيه،من ضباب جفنيه رآه يقترب بوجهه منه فى عجب،أنت من أيقظتنى الساعة؟،أدار الحلقة ،فتح له الباب،دلف مسرعا يتخبط فى الفضاء ،أضاء له المصباح،أغلق الباب خلفه مال إلى ركنه،تركه وحيدا يواجه مصيره ،دون أن يشير عليه أو يرشده إلى أى شىء،دار حول نفسه دورة كاملة ،ثم دورات ،ثم سأله ،ألم يؤذن الفجر؟،أجابه بصوت لا يكاد يسمعه ،الأول فقط،لم يفهم،نظر إلى الباب المفتوح فى مواجهته،جرى إليه ،دخل ،تجرد من ملابسه ،أجرى الماء البارد على جسده،ارتدى ملابسه مسرعا خوفا من أن يراه أحد،عاد والماء يقطر من رأسه وجبينه إلى حيث كان،تقدم فى وقار حتى أصبح الفضاء خلفه ،وقف شاخصا بصره، مشدوها،الماء يقطر من جسده المنتفض،وقلبه يعمل كما لم يعمل من قبل،لا يعرف ماذا يقول ،وبأى طريقة سيعتذر،رفع يديه بمحاذاة أذنيه، الله أكبر..،صعدت روحه وهبطت ،كادت أن تفارقه،الأحمال الثقيلة،الرابضة على صدره،وكل أعضائه، تتضاءل وتتساقط مع قطرات الماء،قرأ وركع وسجد،أطال..آمنت بك وبكتابك ،وبحبيبك،وبهم جميعا ،لا أفرق بين أحد منهم؛أشهدك أن قد سامحتهم جميعا،أرجوك أن تتحمل عنى خطئى فيهم.. ظل حتى سمع المؤذن،اعتدل فى سكينة منتظرا الصلاة .

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.