الثلاثاء , أبريل 23 2024
محمد مغربى

هذا ما جناه فتحُ إسلامى ُ على أقباط مصر … !!(3)

بقلم محمد المغربى الكاتب الصحفى
تحدثت فى مقالى الثانى من السلسلة التاريخية عن العهدة العمرية , وعرضت نصوصها وعلقت عليها بموضوعية , أما فى الجزء الثالث سأتحدث عن الجزية , والرد على من قال أنها ظالمة ومتجبرة على الضعيف , وهذا محل بحثى الذى سأفنده بشئ من التفصيل لإيضاح الأمر لاخوتنا من الأقباط الذين يرونها إتاوة تملى عليهم بوصفهم لا يدينون بالإسلام وإلا فالقتل , بل زاد بعضهم فى وصفها بالبلطجة , وسوف نرد بموضوعية كما اتفقنا مدعومة بمعلومات مسيحية عن الجزية بصفة عامة , والجزية فى الاسلام بصفة خاصة .
فى البداية الجزية مشتقة من المجازاة بمعنى أنهم أعطوها جزاء ما منحوا من الأمن , وفى دائرة المعارف المسيحية الجزية هى مال أو بضاعة أو خدمة تقدم من أمة أو من فرد لأمة أو الملك علامة الخضوع وقياما بالنفقة , وهذا يدل على أنها تعادل كلمة الضريبة حاليا لأن لفظ ضريبة لم يكن موجودا فى هذا الوقت فهو مستحدث جاء بعد عدة قرون من الإسلام .
وقد يتساءل البعض لماذ استحدث الاسلام هذا الأمر ؟

والرد لم يكن الإسلام مبتدعا للجزية دون سائر الأديان , فأخذ الجزية متعارف عليه منذ قديم الأزل , فكانت الأمم الغالبة تجبيها من الأمم المغلوبة نظير إقامتهم معهم وعدم تهجيرهم , والمسيحية لم تنقص شيئا من الشريعة اليهودية بل جاء السيد المسيح متمما للناموس لا ناقصا له , بل وأمر المسيح أتباعه بدفع الجزية للرومان , فعندما سألوه ( أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا ؟ فعلم يسوع خبثهم وقال لماذا تجربوننى يا مراوون ؟ أرونى معاملة الجزية فقدموا له دينار فقال لهم لمن هذه الصورة والكتابة ؟ قالوا لقيصر ,” فقال لهم اعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله ” (متى 22/16ـ21)
ومن هنا يتضح أن الجزية ليست بدعة أبتدعها الإسلام بل كانت موجودة من قبله , وأقرها السيد المسيح نفسه بنص الكتاب .
إذن الغرض من الجزية هو إبرام عقد بين المسلمين والشعوب التى دخلت فى رعويتها مقابل أن نقاتل من يقاتلهم و مقابل أمانهم الذى توفره لهم الدولة الإسلامية كما يقول” القرطبى ” .
ويقول الشيخ ” الشعراوى ” رحمه الله فى تفسيره “يتكفل المسلمون بحمايتهم وضمان سلامتهم فى أنفسهم وأهلهم وفى أموالهم وفى كل شئ فإذا كان المسلم يدفع لبيت المال زكاة تقوم بمصالح الفقراء والمسلمين , فأهل الكتاب الموجودن فى المجتمع الإسلامى ينتفعون أيضا بالخدمات التى يؤديها الإسلام لهم , ويجب أن يؤدوا شيئا من ما لهم نظير تلك الخدمات , والإسلام لا يكلف أهل الكتاب أن يدخلوا جندا فى حرب ضد أى عدو للمسلمين إلا إذا تطوعوا هم بذلك .
أما الفرق بين الجزية والزكاة والضرائب الحديثة : يقول د/ راغب السرجانى فى كتابه الجزية فى الإسلام : أن قيمة الجزية أقل بكثير من قيمة ما يدفعه المسلمون فى الزكاة يقول أن من يطعن فى أمر الجزية ويقول أنها صورة من صور الظلم و الإذلال للشعوب , خاصة حين يعلم أنها تدفع فى مقابل الزكاة التى يدفعها المسلمون , بل أن قيمة الجزية هذه أقل بكثير من قيمة ما يدفعه المسلمون فى الزكاة .
فإذا كان يدفع الفرد للمسلمين دينارا واحدا فى السنة , كان المسلم يدفع 2.5% وهذا يثبت أن الجزية أقل بكثير من الزكاة فى المقدار , بل تعد أقل ضريبة فى العالم .
ولا ننسى فى هذا السياق أن نذكر ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم بأمره ألا يكلف أهل الكتاب فوق طاقتهم , بل توعد من يظلمهم أو يؤذيهم فقال صلى الله عليه وسلم ” من أذى ذميا فأنا حجيجه يوم القيامة ” أى أنا خصمه يوم القيامة .
وهذا دليل أن الجزية ليست مجرد اتاوة أو بلطجة لأن هدف البلطجى هو حصوله على المال ولا يعنيه حماية هذا الذى حصل منه على المال , أما الجزية فهى اتفاق و عقد بين غير المسلمين والمسلمين , بناء عليه يحمى المسلمين غير المسلمين مقابل الجزية .
وكانت الجزية لا تحصل من النساء والصبيان والشيوخ بل تحصل من الانسان البالغ القادر على القتال والشاهد على صدق هذا الكلام ما شهدت به الكنيسة عن طريق موقع الأنبا ” تكلا ” وهو الموقع الرسمى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن الجزية فى الاسلام حيث قال :
– فرض العرب على أهل مصر الجزية، وهاك نص ما ذكره المؤرخون “فاجتمعوا على عهد بينهم واصطلحوا على أن يفرض على جميع من بمصر أعلاها وأسفلها من القبط دينارين عن كل نفس شريفهم ووضيعهم ومن بلغ الحلم منهم، ليس على الشيخ الفاني ولا على الصغير الذي لم يبلغ الحلم ولا على النساء شيء.. وأحصوا عدد القبط يومئذ خاصة من بلغ منهم الجزية وفرض عليهم الديناران رفع ذلك بعد فتح العرب لمصر -وأعني هنا بعد معاهدة بابليون عرفاؤهم بالإيمان المؤكدة، فكان جميع من أحصى يومئذ بمصر الأولى أعلاها وأسفلها من جميع القبط فيما أحصوا وكتبوا ورفعوا أكثر من ستة آلاف نفس وكانت فريضتهم يومئذ اثني عشر آلف دينار في السنة”.
وهذه الشهاده من الكنيسة القبطية تحتوى على عدة نقاط :
1:ان الجزية فى الحكم الاسلامى هى ضريبة الدوله وليست اتاوه او بلطجه2 :ان مقدار الجزية كان دينارين فى السنه على كل شخص يحق عليه دفع الجزيه
3: ان الجزيه لم تؤخذ من الشيخ الفانى ولا الصغير ولا النساء.
وقد يقول بعض الأقباط أن الجزية عمل مشين يهدر كرامة القبطى وجبايتها لا ترضى الله , لكن سنثبت بالدليل أن الجزية مأمورون بدفعها بنص الكتاب المقدس فقد جاء فى رسالة ” رومية 13 ” فأعطوا الجميع حقوقهم الجزية لمن له الجزية , الجباية لمن له الجباية , والخوف لمن له الخوف , والإكرام لمن له الإكرام ” ويقول القمص تادرس يعقوب ملطى فى تفسيره لهذا النص “كتب الرسول بولس ” لتخضع كل نفس للسلاطين , لأنه ليس سلطان إلا من الله , والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله ” , ذلك فى الوقت الذى كان فيه نيرون يضطهد الكنيسة بكل عنف وبالرغم من شره كان يؤمن بولس الرسول أنه أقيم بسماح إلهى لخير الكنيسة وليس من عمل الكنيسة أن تقاومه لا فى الظاهر ولا بالقلب إنما ترد مقاومته بالحب والخضوع لأن التدبير هو من الله , والخضوع هنا ليس ضعفا وإنما هى طاعة فى الرب , فيرى القديس “يوحنا الذهبى “أن دفع الشخص الجزية إنما هى فى صالحه لأن الحكام هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه , يسهرون مجتهدين من أجل سلام البلد من الأعداء ومن أجل مقاومة الأشرار كاللصوص والقتلة , بينما تدفع أنت الجزية لتعيش فى سلام , يحرم منه الحكام أنفسهم .
ومن هنا نتفهم من تفسير النصوص أن المسيحى يدفع الجزية للملك لأن الملك أقيم بسماح وإرادة الله , ولا يقاوم المسيحى الملك وخاصة فى آداء الجزية , حتى لو كان شريرا لأن مقاومته من مقاومة الله , لأن الله وضع السيف فى يده , بل المثير فى هذا الموضوع أن تعلم أن المسيح عليه السلام دفع الجزية عن نفسه فقد قال لسمعان ” اذهب إلى البحر وألق صنارة والسمكة التى تطلع أولا خذها , ومتى فتحت فاها تجد أستارا , فخذه واعطهم عنى وعنك “(متى 17ـ27) .
كما أن المسلمين ضربوا مثلا فى أخلاقيات وآداب تحصيل الجزية من الأقباط , يقول آدم ميتر : “إن الشريعة الإسلامية قد أمرت بعدم القسوة فى تحصيلها ( يقصد الجزية ) فقد نهى فى الاسلام عن إتباع الأساليب القديمة القاسية من تعذيب , أو تكليف أصحابها ما لا يطيقون , أو إقامتهم فى الشمس و غير ذلك …) “الحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى :ص 76 “
ومما يرد شبهة القسوة فى تحصيل هذه الأموال وإثقال كاهل المصريين بها من خلال القسوة فى تحصيلها كما روج الكثيرون , أن المسلمين جعلوا جباة الأموال من النصارى وليس من المسلمين , وهذا ما ذكره قدامى المؤرخين النصارى من المسلمين وغيرهم ومن هؤلاء ” يوحنا النقيوسى ” الذى أكد أن لنا أن المسلمين عينوا فى منصب جباية الجزية رجلا يسمى “سينودا ” فى بلاد الريف وأخر اسمه ” فيليكسانوس ” فى مدينة أرجاديا .
ومن الجدير بالذكر أن ما يحصل من جزية وخراج كان ينفق على مصر بالاضافة إلى ما يحصل من المسلمين من صدقات أو ضرائب أخرى كان يذهب إلى خزانة الدولة ليستفيد منه كل المصريين الذين يدفعون هذه الأموال , فى صور مختلفة منها المنافع , أما ما كان يرسل إلى مقر الخلافة فهو الزائد عن إحتياجات مصر , وهو يرسل لها بوصفها السلطة الأعلى لمصر .
يقول المؤرخ المسيحى “سيديو ” إن أموال الجزية والخراج التى يتم تحصيلها يصرف معظمها فى مصالح الديار المصرية كتجديد بحر القلزم العتيق (خلاصة تاريخ العرب : ص80ـ81)
ومن هنا يتضح أن الجزية لم تكن مغنما هرع إليه المسلمون , أو وسيلة إذلال لأهل الذمة تميزهم عن المسلمين , كلها إفتراءات تدحضه أقوال المؤرخين المنصفين من غير المسلمين التى أثبتت كذب وإفتراء من صوروا الجزية بهذه الصور .
فقد ذكر المؤرخ العالمى ” رينسمان ” أن الجزية كانت تؤدى مقابل الخدمة العسكرية (تاريخ الحروب الصليبية ( ج1 ص40) أى الحماية دون إشراكهم فى الجيش .
للحديث بقية ففى الجزء الرابع سأعرض وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم فى القتال مع تدعيم ذلك بشهادات من غير المسلمين لكى أكون موضوعيا .
كما سأقوم بالرد على من قال أن ولاة مصر كانوا ظالمين على الأقباط , وكيف كان الخليفة يقوم بمحاسبة ولاته وردهم عن الظلم إذا ظلموا .

شاهد أيضاً

الحرحور والجحش وحمار الحكيم…

الذكريات كتاب مفتوح ووقائع مازالت تحيا فى القلوب وبقاياها يعشش فى العقول ، وعندما نسافر …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.