الجمعة , أبريل 26 2024

برضوووووووووووخ

بقلم: إيليا عدلي

المصري مواطن طاعن السن ، عميق الخبرة ، جرب صعود النجاح لأول وأكبر إمبراطورية بدولة الأسرة الثامنة عشر .. اختبر معاناة الإخفاق والاذلال بداية من حكم الهكسوس ، وصولاً لسحقه وتمزيقه بين همبازي المماليك والعثمانيين .. كل هذه الخبرة التاريخية كفيلة بأن تصنع شعباً لا مثيل له ، عاش كل أنواع الحكام .. الإله منهم ، والزعيم ، والقائد ، والضعيف ، والعادل ، والظالم .. الديمقراطي والدكتاتور. لسوء الحظ ، وفي الأربعين سنة الأخيرة .. قبع المصري تحت تجهيل وتغييب هوية ممنهجة ، مسحت اهتمامه ومراجعته لتاريخه ، جعلته لا يرى الأمور بوضوح ، يراها من زاوية مشوشة ، من نافذة تم إعدادها له ، وبناء سور عالٍ يسد مجال الرؤية عن باقي الحقيقة .. إعلاماً وتعليماً لا يُستخدم فيه إلا أسلوب الحفظ الإجباري ، دون تحليل أو مناقشة أو طرح الرأي الآخر. لم يجد الشاب المصري ، الذي رفض هذه النافذة الضيقة ، فائدة من الانتظار أكثر .. ثار على الأوضاع التي انتظر أجداده وآباءه طويلاً لتنصلح منذ ثورة 23 يوليو ، التي اختطفت ، وجاءت بحال أسوأ بكثير من أحوال ملكية فاروق وآباءه .. فقدوا ابصارهم وأطرافهم وصحتهم ثمناً ، بل دفع البعض حياته ثمناً لثورة يناير ، التي لم يمنحها الحظ لأن ترى النور حتى تختطف أيضاً .. لتبدأ سنوات أسوأ من أيام مبارك ، حتى يأتي الوقت ليتحرك فيه كل المصريين دفاعاً عن هوية مصر ، لم يكن للشعب المصري قدرة للتصدي لميليشيات الإخوان دون مساعدة الجيش المصري الوطني ، حتى بدأ تخوين بعض الثوار بعضهم البعض بسبب هذه النظرية .. ولكنها الحقيقة ، الرئيس عبدالفتاح السيسي كان ضرورة لهذه المرحلة .. مخاطرته منذ البداية بالتصدي لمرسي وجماعته تستحق التقدير والمساندة. لذا سانده المصريون بحسهم الوطني واحساسهم بخطورة المواجهة بدون جيشهم. ولسوء الحظ مرة أخرى ، تبقى النافذة الضيقة لرؤية السواد الأعظم من المصريين ، أحبوا رئيسهم الذي اختاروه بإرادة حرة ، وتقدير لصدقه وعمله الحثيث الصادق من أجلهم ، حتى وصلوا لمرحلة المغالاة في هذا الحب ، وتبرير أي تصرف أو قرار يأخذه دون تفكير أو نقد ، دون أن يضعوا في الاعتبار أن الرجل في النهاية إنسان ، يحتاج من ينتقده أحياناً ، ومن يحبه ويحب مصلحة الوطن يجب عليه أن ينصحه ، ويشير عليه ، ويفكر معه ، والأخطر أننا يجب الوضع في الاعتبار أن مؤسسة الرئاسة وقراراتها لا تخرج من الرئيس وحده ، فهناك مستشارين ورجال دولة ووزراء ، قد يصيبوا أو يخفقوا .. لن يكونوا أكثر حرصاً على مصلحة الوطن من المواطن ذاته ، تحكمهم مصلحة موقعهم ومنصبهم ، أما المواطن تحكمه المصلحة العامة وحب الوطن ، يجب أن نشير لإنجازات الرئيس الذي اخترناه ونفرح بها معه ، ونحاول التفكير فيما قد يكون سلبياً ، ونشير له بأن يحترس أو يطمأننا بأنه الصواب ، دون أن نصل لهذه المرحلة المتردية من تسليم الإرادة لموظفين تحت الرئيس قد يدفعون به وبالوطن بما هو مهلك ، أو معوق لطريق الصعود بسفينة الوطن.

حينما تأملت كلمات الأديب “توفيق الحكيم” في ذكرياته عن جمال عبدالناصر وثورة يوليو أصابني الخوف من تكرار سيناريوهات لا تتحملها مصر في ظل هذه الظروف ، وعلى الإعلام الوطني الحر والصحافة توعية المصريين بأن يدركوا تاريخهم وتجارب وطنهم عبر السنين حتى لا يعيشوا إلا على حقائق لا على مسكنات. بعد عشرين سنة من ثورة يوليو بدأت الصورة تتبلور لتوفيق الحكيم ويرى الصورة أوضح مما كان يراها في بدايتها ، بالرغم من كونه كاتباً كبيراً مختبراً للواقع ولامساً للسياسة بكل تفاصيلها ، فإنه اندفع بعواطفه نحو شلل عقله مقابل حبه واعجابه .. أوضح في كتابه “عودة الوعي” كم كان عبدالناصر سريعاً في اتخاذ قرارات قوية .. فرح بها الشباب ، بعد أن كانت الحكومات تأخذ قرارات بطيئة ، بطلوع الروح ، بعد سنوات من التردد ، وقال عنه: “هذا الاندفاع العاطفي كنا نحبه منه ..” ، وكم كان عبدالناصر منصفاً له شخصياً حيث رفض اقالته في حركات التطهير قائلاً لوزير الثقافة: “أتريد أن نطرد كاتباً عائداً إلينا بتحية من بلد أوروبي؟ أتريد أن يقولوا علينا جهلاء؟! وانتهى الأمر بخروج هذا الوزير من الوزارة.” وفي نفس الوقت يقول أيضاً: “الجماهير عندما تحب لا تناقش. وخفتت شيئاً فشيئاً أصوات من اعتادوا المناقشة ، وأخذ الحاكم المحبوب نفسه يعتاد الحكم الذي لا مناقشة فيه .. كنا نحبه ولا نعرف دخيلة فكره ولا الدوافع الحقيقة لتصرفاته ..” كل يوم يبهرنا الرئيس السيسي بكل منجز اقتصادي تنموي ، بسرعة انجاز غير مسبوقة ، بالرغم من التحدي الخارجي والضغوط السياسية الرهيبة ، وبالرغم من الإرهاب في الداخل والطابور الخامس الذي يدعمه ، وفي نفس الوقت يجبرنا على وضع علامات استفهام كبيرة حين يُحبس الكُتاب والمفكرين والأطفال ، وحين نستيقظ على خبر بيع تيران وصنافير فجأة بغض النظر عن تبعيتهم ، وحين تُحاصر نقابة الصحفيين بهذا الشكل .. عودة الوعي للشعب هي الحل الأمثل لتجويد أداء المؤسسات التي تساعد الرئيس وترفع من جماهيريته.

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.