السبت , أبريل 27 2024

الأقباط والعلمانية المفقودة (10) .

الكاتب : مايكل عزيز البشموري

* الأنبا كيرلس ومشروعه الاصلاحى :
عندما تقلد الانبا كيرلس منصب المطران العام للكنيسة القبطية ، كان لديه مشروع إصلاحى خاص يتكون من ثلاث محاور رئيسية :
-المحور الاول : التعليم والمرأة .
-المحور الثانى : الاهتمام بالتعليم الكنسي ورعاية رجال الدين وأسرهم .
-المحور الثالث : إعادة هيكلة المنظومة الكنسية وإشراك العلمانيين الاقباط بإدارة تلك المنظومة .
أولا ً: يتضح لنا معالم هذا المشروع من خلال قراءة المنشورين الاصلاحين ؛ الذى أصدرهما الانبا كيرلس أثناء توليه منصب المطران العام للكنيسة القبطية ؛ وهم كالأتى :
– المنشور الاول : حث فيه الاراخنة ووجهاء الشعب القبطى من أعيان ، أرباب عمل ، حرفيين ، بالمساهمة فى جمع المال ، والتبرعات لإجل إنشاء المدارس القبطية النظامية ، لتعليم النشء القبطى ، وتهذيب البنين والبنات ونشر المعرفة الصحيحة فى طول البلاد وعرضها .
– المنشور الثاني : وأصدره بتاريخ 23 أغسطس 1853 ليوصى فيه :
1- منع الكهنة من عمل عقد أملاك عند إجراء الخطوبة حتى تترك فترة للتعارف.
2- تحذير الكهنة من تزويج البنات القاصرات.
3- تحذير تزويج النساء المترملات المتقدمات في السن من الشباب.
4- تحتيم أخذ رضاء وموافقة الزوجين قبل الإكليل المقدس.
ثانياً : تأسيس المدرسة الإكليريكية لتدريس اللاهوت والعلوم الكنسية ؛ لتخريج رجال دين مثقفين وملمين بأمور دينهم ، والاهتمام بالاحوال المعيشية للكهنة المتزوجين وأسرهم .
ثالثاً : إنشاء ديوان بطريركي لتنظيم أمور الكنيسة .
قام الانبا كيرلس بإنشاء ديوان لإدارة البطريركية من ناحية تنظيم أمور الكنيسة ، فلأول مرة نسمع عن أمر إنشاء سجلات لحصر أوقاف الكنيسة والعمل على تنظيمها وضبطها . فقد أنشأ ديوانًا لإدارة البطريركية، ووضع له قواعد دقيقة حتى لا يتصرف نظار الأوقاف بغير نظام ؛ وقد قسّم الإدارة إلى قسمين:-
القسم الأول : يختص بالإشراف على الأوقاف ومحاسبة النظار وتقديم حسابات الإيرادات والمصروفات وعين لرئاستها إبراهيم أفندى خليل .
والقسم الثانى : يختص بالأعمال الدينية والشرعية ويقوم بمباشرته أحد القسوس برئاسة مطران مصر ( الانبا كيرلس ) . كما أمر قداسته بإنشاء سجلات لحصر جميع الأوقاف يكون مسجل بها بيانات من واقع الحجج الموجودة وكان هو المشرف على العمل هذه الدواوين .
رابعاً : تجديد وتعمير الكنائس والاديرة القبطية :
– أعاد هدم وبناء الكاتدرائية المرقصية القديمة بكلوت بك ، وكانت تعتبر المقر البابوي بذلك الحين ، فوضع حجر الأساس لبناء الكنيسة الجديدة بعد هدم مبناها القديم الملحق ودعا رؤساء الكنائس وكبار رجال الدولة للحفل .
– تجديد وتعمير دير الانبا أنطونيوس بالبحر الاحمر وكنائسه ، فقام بشراء قطعة أرض بمساحة 18 فدان ، وأنشأ بها مزرعة للدير، وتم بناء قلالي جديدة للرهبان ، كما حفر أبار للمياة ، وقام قداسته بكتابة معاهدة للصداقة وحسن الجوار مع البدو الرحل المحيطين بالدير .
– كما قام بتوسيع دير السريان، وأرسل من قبله عمالا قاموا بقطع الأحجار من هضبة مجاورة، وزودهم بعربة لنقلها ونقل مواد البناء ومستلزماتها أثناء العمل .
– تجديد أغلب كنائس مصر القديمة .
– بناء كنيسة قبطية جديدة بحارة السقايين .
خامساً : من الأعمال النافعة التي حققها البابا كيرلس الرابع ، إقناعه للحكومة المصرية بإعادة إستعمال التقويم القبطي بالدوائر والمصالح الحكومية ، بعد أن تم إلغاء العمل به ، وكان يستعمل هذا التقويم لسنوات عديدة بالماضى ، إلى أن أستبدله سعيد باشا بالتقويم الغربى مجاملة لأصدقائه الإنجليز والفرنسيين ، وبقى التقويم القبطي مستعملا فى الدوائر الرسمية الحكومية إلى أن أبدل بالتوقيت الغربى مرة أخرى من أول ديسمبر 1875 م.
***********************************
* إلغاء الجزية عن الاقباط ودخولهم السلك العسكرى :
وفى عهد البابا كيرلس الرابع ألغيت الجزية عن الاقباط ، بعد إن كانت مفروضة عليهم منذ الفتح العربى لمصر ، بمنتصف القرن السادس الميلادي ، فمنذ أن تولى سعيد باشا ولاية مصر ، كان لديه موقف معتدل تجاه أقباطها ، فأتخذ قراره بإلغاء الجزية عنهم ، ليكرس بذلك الاعتماد على العنصر المصرى ، وهو الامر الذى زاد من فرص توليهم المناصب فى الحكومة والترقى فى الجيش ، وكانت الجزية المفروضة عن الاقباط هى العقبة الوحيدة وراء توحيد المجتمع المصرى وتحقيق تكامله ، فأمر الباشا بإسقاط الجزية عن المسيحيون المصريون ، وسمح لهم بالخدمة العسكرية فى الجيش المصرى ؛ وكان ذلك فى سنة 1855 م ، وتشير بعض المصادر التاريخية بأن الاقباط قابلوا فى بداية الامر قرار تجنيد أبنائهم بروح المعارضة ، ويقال كما جاء بكتاب مدام أديث بوتشر : ” أن البابا كيرلس وسّط الإنجليز ليضغطوا على الوالى ليعفيهم من ذلك “ ، ومن ناحية أخرى فإن مؤرخى التاريخ القبطى ينكرون صحة معارضة البطريرك كيرلس الرابع لتجنيد الاقباط ، إذ كان بطريركاً وطنياً متحمساً لمصريته ، وانه لما أشيع عنه طلب إعفاء الاقباط من الخدمة العسكرية صرح علانية ليقول : ” أن البعض أشاعوا أنى طلبت إلى الباشا أن يعفى أولادنا القبط من الخدمة العسكرية فحاشا لله أن أكون جباناً بهذا المقدار ، لا أعرف للوطن قيمة أو أفترى على أعز أبناء الوطن بتجريدهم من محبة أوطانهم وعدم الميل لخدمته حق الخدمة والمدافعة عنه ، فليس هذا ما طلبت ولا ما أطلبه “.
***********************************
* غيرته على الكنيسة والأيمان الارثوذكسى :
نود لفت الانتباه حول بعض العادات الفرعونية القديمة ، التى ما يزال بعض الاقباط يمارسونها حتى اليوم ، ومن أشهر تلك العادات : زيارة مقابر الموتى ؛ أو ما يُعرف بزيارة مزارات القديسين ، والتبرك من أجسادهم ، والتبخير للأيقونات القبطية ، وغيرها من العادات الوثنية التى لا تمت بصلة للإيمان الارثوذكسي القويم
، وتتصادم تلك العادات فى بعض الأحيان مع الايمان المسيحى المسلم به ، الامر الذى ينعكس بالسلب على الكنيسة الارثوذكسية ومؤمنيها ، ومن الضروري هنا التفريق بين العقيدة الارثوذكسية من ناحية ، وبين العادات الشعبية والفلكلورية من ناحية أخرى ، فالايمانيات والفلكلوريات لا يجمعهما الدين أو العقيدة – هنا – يجب على رجال الدين المسيحي تحمل مسئوليتهم الروحية والرعوية والعمل على تثقيف أبناء شعبهم ، ونهيهم بالتوقف من ممارسة تلك العادات الوثنية ، ولعل ما قام به البابا كيرلس الرابع بالقصة التالية كان خير مثال على ذلك .. فما هى تلك القصة إذن ؟
تقول مدام بوتشر : ” لقد كان كيرلس أبو الاصلاح عالماً بأصول دينه ، وغيوراً على كنيسته القبطية ، فلما إن أرتقى العرش البابوى رأى شعبه واقعاً فى خطية عبادة الأصنام ، وذلك لسجودهم للأيقونات والتبخير أمامها ، والتى يعتبرونها مقدسة ، وكانت تلك الأيقونات مرصوصة على جدران الكاتدرائية المرقصية القديمة بكلوت بك قبل تجديدها ، وعندما شيد البابا كيرلس الكاتدرائية الجديدة محل القديمة لم يسمح بنقل تلك الأيقونات إليها بل جمعها كلها ووضعها على بعضها ، وحرقها بإحتفال كبير أمام جمع عظيم من الناس ، ووقف فى وسط الجمع المحتشدين من رعيته وخطب فيهم مبيناً سبب هذا الحريق ، ولما أنتهى من وعظه أشار بيده إلى كوم الحريق وقال : ( أنظروا لهذه الصور الخشبية التى تعودتم على إحترامها وتبجيلها لدرجة العبادة ، ها هى صارت رماداً لا تنفعكم ولا تضركم ، فالله وحده هو الذى يستحق العبادة والسجود ) “ .
وقد أعربت مدام بوتشر عن أسفها وحسرتها إزاء هذا الموقف فتقول : ” ولا يسعنا سوى إظهار الأسف الشديد على عمل كيرلس هذا ، لانه بحرقه تلك الأيقونات التى يعود تاريخها للقرون المسيحية الاولى ، فقد أندثر شيئاً عظيماً من الاثار الفنية الجميلة العظيمة الصنع ، فى سبيل درسه العظيم الذى ألقاه على شعبه ، لا سيما وأن فن الأيقونة أصبح تقريباً معدوما بالكلية فى مصر منذ عهد الفتح العثمانى ، مظهره بأن جمال تلك الأيقونات كانت السبب الحقيقي وراء احترام وتبجيل الاقباط لها ، عكس الأيقونات سيئة الرسم التى رُسمت فى كنائس مصر القديمة بعد الفتح العثمانى “ .
للحديث بقية
…………………………….
المراجع :
كتاب تاريخ الامة القبطية – أديث بوتشر
كتاب قصة الكنيسة القبطية – إيريس حبيب المصرى .
كتاب سيرة وحياة البابا كيرلس الرابع – الراهب زخارى الانبا أنطونيوس

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.