السبت , أبريل 20 2024
ماجدة الجندى

علينا أن نخجل نحن المسلمين .

كان موقفًا عصيبًا، درجة من الألم الذي يفقد الإنسان معه الوعى.. فجأة لم أشعر الآن، وقد انطرحت أرضًا، ساقى اليمنى راحت في اتجاه معاكس وشكلت زاوية قائمة في غير الوضع الطبيعى، ويبدو أنى بعدها، قد وصلت إلى ما يسمونه « سقف الألم».. بنصف وعى تابعت ما تلى.. كنت في زيارة إلى ابنتى التي تدرس في أمريكا، وحدنا، هي وأنا مع حفيدى الذي لم يكن وقتها قد أكمل السنوات الخمس.. في ديسمبر، الحادى عشر من ديسمبر، نيويورك في كامل أبهتها استعدادا للأعياد.. والوقت صباحًا وابنتى تستنجد بالرقم «٩١١» الذي يغيثك عند الطوارئ

لم أكن بالضبط على بينة من طبيعة ماحدث بعد سقوطى وشبه فاقدة الوعى من «الوجع»، لكن الأمر الأكيد، أن بقايا وعيى كانت مستغرقة فيما سوف يجرى.. كتلة من الوجع، في بلد غريب.. في سيارة الإسعاف التي أتت بعد دقائق قصيرة، كان هناك اثنان أو ثلاثة من المسعفين الذين يرتدون زى الشرطة، أحدهم سيدة أربعينية سمراء، يوما ما سوف أخصها بالكتابة عن الإنسانية لما تتجسد..في بشر. حتى وصلنا إلى مستشفى، لم يكن أحد يعرف من أنا ؟ لا من أي بلد ولا اسمى إيه حتى.. على الفور كنت أخضع لعشرات من أنواع الأشعة، وصراخى بلا مبالغة، للسقف كما يقولون، وكل من يتعامل معى، في غاية التأسى والتأثر والمشاركة، ولكن لا أحد يعلم من أنا، ولا كيف سوف أسدد الفواتير ؟ وهل أنا مقيمة أو في زيارة، حتى انتهت كل الفحوصات والأشعات التي كشفت عن كارثة صحية، استلزمت أكثر من عملية وأربعة أشهر دون حركة وهذه الكارثة، ليست هي موضوعنا على الإطلاق، موضوعنا الذي أود التوقف عنده أن من ساعدونى وترفقوا بى، لم يعرفوا بياناتى، وبالتالى أمر «هويتي» الشخصية، لا «دينى» ولا بلد المنشأ، كل ذلك لم تكن له علاقة بما يجرى، بالنسبة إليهم أنا إنسانة تتوجع وتحتاج تدخلًا طبيًا.. من سوف يعالجها، يهودى، مسيحى، مسلم، بوذى، أمر لا علاقة لهم به. لكن في داخل المستشفى مساحات لإقامة الصلوات، للمسلمين والمسيحيين واليهود.. لا أحد يمكنه أن يسأل أي مريض: ما هي ديانتك، إلا في حالة المرضى الذين تطول إقامتهم، أو الذين يمرون بحالات صعبة، فهؤلاء يأتى حتى سرائرهم، رجال الأديان الثلاثة، كنوع من الدعم، وقد كنت من هؤلاء يومًا، وجاءنى شيخ مسلم في المستشفى الأمريكي.

كل هذه المقدمة الطويلة لاتقف عند عبارة قيلت في الترويج وحث الناس على التبرع، لمستشفى ٥٧٣٥٧، «أن المستشفى يخدم الأمة الإسلامية كلها» عند هنا لا بد من وقفة معارضة وبوضوح.. المستشفيات لا تخدم الناس حسب « هوياتهم الدينية» المستشفيات إنسانية التوجه، ومصيبة المصائب التي وصلنا إليها، وأولنا رجال الدين، أن صرنا نربط ما بين العلاج والدين، أو بين العلاج والهوية الدينية

تراجع مابعده تراجع، تراجع دينى وتراجع إنسانى مثير للخجل، لخجل الأمة الإسلامية، التي تتناقض وكل ما يتردد عن إنسانية الإسلام، والخجل الأكبر لما تعرف أن السيدة المصرية الكريمة التي دشنت تأسيس المستشفى الذي كان رجال الدين الإسلامى يروجون لدفع الزكاة إليه «لأنه يخدم الأمة الإسلامية»، مصرية مسيحية، ولم نعرف عن دينها إلا بصدفة تلت الإعلان الترويجى الذي لا أجد ما أصفه به، هي الفاضلة التي رحلت دون أن تخفت ذكرى عملها الطيب «علا غبور».. علينا نحن المسلمين أن نحس الذنب والخجل إزاء ما نفعله، ليس في مصر وحدها بل في العالم كله! علينا أن نستعيد مفهوم الإنسانية، لا أن نؤسس لأفظع أنواع الفاشية المتسربلة في الدين، كيف نتكلم عن رأب الصدع الطائفى في ظل خطاب يؤمه من يؤسس لعلاج وفق الهوية الدينية ؟
اقتباس: في إعلان لمستشفى ٥٧٣٥٧ قيل: «إن المستشفى يخدم الأمة الإسلامية كلها» عند هنا لا بد من وقفة معارضة وبوضوح.. المستشفيات لا تخدم الناس حسب « هوياتهم الدينية « المستشفيات إنسانية التوجه».

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

لوبي باراباس الجدد ..!

لماذا لم يفكر هؤلاء الاشاوسه في نشر فيديوهات للأسقف مار ماري عمانوئيل ضد المثلية والبابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.