الجمعة , مارس 29 2024

الفنانة THE ARTIST الجزء السادس .

تأليف: أنطوني ولسن/استراليا
وصلنا في الجزء السابق الى تلميحات سامية لوالدتها لزيارة الدكتور عزت ووالدته ربما تكون لطلب يد سلوى.
لم تصدق سلوى ما سمعت من اختها.. ولكنها اخذت تدير الأمر في رأسها واعترفت بينها وبين نفسها بان خبرتها في الحياة قليلة. واخذها تفكيرها الى عادل لو فكر بالفعل بالزواج منها. فهذا أمر طبيعي لمعرفة كل منهما للآخر. على الرغم ان الحب غير موجود بينهما أو على الأقل من ناحيتها لانها مقتنعة انه قد يولد الحب وينمو مع المعرفة، والوقت والرؤية المستمرة، يجعلان امكانية الحب والزواج موجودة.أما ان يأتي الانسان من آخر بلاد الله، يراها لأول مرة، ثم يسافر الى اسرته في اسيوط، وبعد ذلك يتصل في نفس الاسبوع ويقول انه سيأتي والست والدته لزيارتنا، وتفسر ماما وسامية هذا على انه قادم لخطبتي؟ فهذا غير معقول بالمرة، ولا اظن انه سيحدث. لقد مضى عهد الخاطبة، أو الام التي تخطب لابنها وايضا عهد ارغام البنت على قبول من يتقدم اليها بهذه الطريقة وموافقة اهلها عليه. لقد حضر هذا الخاطر فعلا في تفكيرها بعد ان اتصل بها، ولكنها لم تقطع هذا الطريق الطويل من العلم والثقافة ليكون مصيرها مثل مصير اي فتاة لم تنل حظاً وافياً من العلم، وظلت في المنزل في انتظار «عريس الغفلة» كما يقولون.. لا.. هذا لن يحدث لي.. قد يكون هذا هو الطريق السليم في عرف الناس، ولكنه أكيد في عرف قلّة من الناس ولا اظن أن ابي، وكيل الوزارة وعميد كلية الطب سابقاً، يوافق على مثل هذه الطريقة في الزواج والحياة. الاسرة يجب ان تبنى على اساس متين قوامه معرفة كل من الرجل والمرأة للآخر معرفة وطيدة وقوية قبل الزواج.
وعندما وصلت الى هذه النقطة، سألت نفسها.. ما هذا يا سلوى.. ماذا تعنين بالمعرفة الوطيدة قبل الزواج..؟ حار عقلها في الاجابة، ان هذه الحرية محاطة بسياج متين من الحماية الاخلاقية والسلوك القويم اللذين احاط بهما الاب والأم، بل الاسرة كلها، تلك الحرية البناءة، وليست الحرية التي تهدم وتدمر صاحبها والمحيطين به.
اذاً ما هي فلسفة معرفة الرجل للمرأة ومعرفة المرأة للرجل قبل الزواج؟ كيف يتم هذا؟ ماتقرأ وتعرف عن العالم الآخر، العالم الغربي، فان هذه الفرصة تهيئها الاسرة والمجتمع، ليعرف كل من الفتى والفتاة بعضهما البعض خير المعرفة دون قيود او حدود. وان تمادى كل منهما في علاقته بالآخر ووصل الامر الى مشكلة قد يتم الزوج. وكم رأت من افلام فيها العروس حامل ليلة زفافها. قد يترك كل منهما الآخر ولا عيب ولا حرج، لا للفتاة ولا للفتى.. ولا للطفل الذي ينشأ مع الأم.. وقد تتركه لمؤسسات خاصة لتربية مثل هؤلاء الاطفال، يحترم المجتمع هذه العلاقة وما قد ينجم منها.
وما رأيك انت يا سلوى في هذا؟ أيهما أفضل الزواج الذي يتم عن طريق موافقة الاسرتين.. اسرة العريس وأسرة العروس.. أم الزواج الذي يتم عن طريق معرفة كل من الفتى والفتاة للآخر معرفة تامة حتى اذا تزوجا بنيا حياتهما الزوجية على صخرة متينة قوامها حب كل منهما للآخر كما هو؟
أخذ فكرها يتأرجح بين هذا وذاك.. الحرية الفردية شيء مقدس دون شك.. واخذ الرأي المخلص، لا شك انه من أفضل الأمور البناءة في الحياة.. أسرتها واسرته وان كانا صادقين، لا أهداف بينهما. في المقام الأول، قبول كل من الفتى والفتاة للآخر ليكون شريكا له في الحياة.. والحب ما هو الحب؟ أهو هذا الذي يجعلكل فتاة لا تنام الليل اذا اختلفت مع حبيبها.. يجعل الحبيب يُقدم على الانتحار لان من احب غدرت به وتزوجت غيره؟ ام؟.. ام؟.. الحب يا سلوى، هو بداية الارتياح لانسان ما، وبخاصة الانسان الذي سيكون زوجا وابا لاولادي؟ هذا ما اؤمن به ايمانا مطلقا. حب المراهقة لا يمكن من بناء اسرة قوية عليه.. اما الحب الذي يبدأ ويتدرج الى التفاهم ومعرفة كل من الطرفين لآراء الآخر، ووجود هذا الخيط الرفيع الذي يصل كل زوجين بعضهما البعض، الا وهو الاحترام المتبادل، فكثير ممن كان لهم قصص حب تحدث عنهاالناس، انتهت بالفشل والطلاق.. اين اذا هذاالحب الذي جمعهما؟ انا لا انكر وجود الحب ولكنه حب الرجل للمرأة والمرأة للرجل المبني على التفاهم وبناء اسرة سعيدة يفرح بها المجتمع وتسعد بها الحياة.
ومضت في تفكيرها في الحب والزواج.. الدكتور عزت واستراليا.. فرض هذا الفكر نفسه فرضا وطرد أي فكر آخر بعيدا.. اذا فعلاً تقدّم الدكتور عزت للزواج منها، لا شك ستسافر معه الى استراليا.. وهنا شعرت بغصة في حلقها وشيئاً يعصر قلبها ووجدانها.. انها لا تعرف شيئا عن تلك البلاد.. او القارة. لقد سافرت الى اوروبا كثيراً. حضرت عرس اخيها حسام في لندن، انها على الأقل تعرف شيئاً عن المجتمع الغربي.
فهل المجتمع الاسترالي شبيه بالمجتمع الأوروبي؟ وما مدى اندماج المجتمعات الاخرى غير العربية في هذا المجتمع؟ لا بدّ أن هناك شيئا ما، يجمع كل هذه المجتمعات في هذا البلد استراليا.
الجالية المصرية والعربية..أتقرب الغربة بينهما؟ أم تزيد من الهوة التي صنعها الحكام لمجد شخصي، وفرضوها على الشعب العربي بأكمله؟
لم تسترسل في تفكيرها كثيرا.. لان سامية دخلت حجرتها وقطعت حبل تفكيرها مما جعلها تهبط من عالم الخيال الى عالم الواقع وتنظر الى شقيقتها الكبرى وهي تلهث لتقول لها:
– سلوى.. سلوى حبيبتي.. الدكتور عزت ومامته بره.
* طيب وفيها ايه يعني..
– ابدا.. بس.. بس انا شفته وشكله يجنن.. آه لوماكنتش اتجوزت.
* حيلك.. حيلك.. انت ناسيه انك زوجة ومعاكي ولدين زي القمر وراجل ملو هدومه..
– خديه ياختي وخدي ولادو الي زي القمر بس سبيلي عزت..
* لا.. دا انت اتجننتي خلاص.
– اتجننت ايه يا هبله.. انا بس عايزه اعرف حقيقة شعورك..
*يا سلام.. بالطريقة دي..
– طبعا.. انت نسيتي اني مُدرسة وانك لغاية الاسبوع اللي فات طالبة.. حتى ولو في الجامعة.
* سيبك من التهريج ده..
اقتربت سامية ناحية سلوى وأمسكت بها وضمتها الى صدرها ومسحت يدها فوق شعرها فى حنان أخوي وقالت لها:
– تعرفي يا سلوى.. انا دايما باعتبرك بنتي اكتر من اختي.. دايما بحس بالفخر لما اجيب سيرتك.. وأشعر وكأني باتكلم عن واحدة مش من العالم ده.. بحب ارائك.. بموت في تصرفاتك على الرغم من اني الاكبر.. الا اني دايما اناقش معاكي اي مشكلة في حياتي.. واللا انت نسيتي.
* مش بالشكل ده.. احنا اتعودنا دايما نصارح بعض ونناقش اي مشكلة تعترضنا مع بعض.
– طيب ودلوقتي فيه مشكلة.. واللا ما فيش!..
* في الحقيقة يا سامية يا اختي .. الدكتور عزت مجرد شخص عادي قريب بابا.. جه من استراليا على عندنا.. سافر أسيوط بلده.. ولما اتصل وقال انه جاي، كان برضه هو.. هو نفس الشخص العادي.. لغاية ما جيتي انت وولعتي النار.
– نار..نار ايه كفى الله الشر..
* نار افكارك واراءك.. قال ايه جاي والست والدته علشان يخطبني.
– فهمت.. علشان كده حبستي نفسك وقعدتي وحدك..
* يمكن يكون كلامك صح.. فليه اسيب نفسي للمفاجئة. لازم افكر وادرس واستعد للمواجهة علشان اذا اخذت قرار اكون مسؤولة عنه.
– طبعا بتاعة حقوق.. طيب وايه اللي وصلتي له بعد الفحص والبحث والتمحيص والذي منه..
* المفروض يكون كلامنا مع بعض يكون كلام صدق. لا فيه لف ولا دوران.. كلام دوغري..
– ايوه من عيلة الدوغري.. كملي .. كملي..
* انا شعرت بارتياح من ناحية الدكتور عزت.. شعرت انه راجل مخلص.. راجل غير متكلف.. راجل بسيط على الرغم من تعليمه وسفره الى انجلترا.. واقامته في استراليا.. اللي عطاني الفكرة دي شيء واحد.
– ايه هو.. قوليلي يا خبيرة.. يا استاذة.
* جرى ايه.. احنا حنتريق..
– لا صدقيني.. انا مش بقولك بحب اراءك وافكارك.. ايه هو بقى الشيء الواحد ده.
* طريقته وهو بيسلم.. مسكة ايده لايدي انت عارفه نظريتي في العيون..
– عارفه العيون اصبحت عيون ممثلة.. لا صدق فيها.. الكل يحاول وضع الصورة اللي عايز يظهر بيها في عينه ويخدع الناس.
* برافو سامية.. برافو حافظة..
– امال مش مدّرسه.. لازم اكون تلميذة شاطرة.
* لأ.. بجديا سامية انا مش بهزر.. لغة العيون اصبحت غير مشجعة وغير مطمئنة. اما لغة الايدي.. فهي بدون شك اصدق لغة لمعرفة الناس.. والحكم عليهم بسرعة وخاصة في اول لقاء.. لان الشخص يكون غير مستعد للقيام باي دور تمثيلي.
– نفترض ان الدكتور عزت جاي فعلاً علشان يخطبك.. ايه اللي وصلتي له من آراء..
*حاجة واحدة بس واقفة بيني وبينه..
– ايه هي يا سلوى؟
* استراليا.
– ايه.. استراليا..
*ايوه.. استراليا.
– وتطلع مين استراليا دي..
* «تضحك سلوى» ها.. ها..
– يا بت وطي حسك.. بلاش فضايح..
* يا حضرة المدّرسة.. يا استاذة الكيمياء، والطبيعة والاحياء.. اللا تعرفين استراليا..
– آه منك.. بلاش تريقة..
* استراليا.. قارة استراليا.
– الله يسامحك يا سلوى.. اصلك لما قلتي استراليا هي الحاجة اللي واقفة بينك وبينه، ما خطرش على بالي ابدا قارة استراليا.. افتكرتها واحدة ست له علاقة بيها وعرفتي عنها.. علشان كده مضيقاكي..
* لا.. استراليا البلد.. مش استراليا المحطة.
– حلوه دي.. بتعرفي تنكتي كمان..
* هو فيه مصري ما يعرفش ينكت..
– ينكت.. ولا ينكد..
ضحكنا طويلا.. ثم سمعتا صوت والدتهما خارج الباب..
– سامية انت وسلوى..
«تفتح سامية الباب»
مش تيجو تسلمو على الدكتور عزت والست والدته.
ما ان رأت والدة الدكتور عزت سلوى.. حتى انفتح قلبها. ضمّتها الى صدرها في حنان وربّتت على ظهرها واجلستها الى جوارها.
أخذ الحديث يتفرع دون ما هدف معين. بل كان المقصود، قضاء الوقت وترك المجال لكل الجالسين للتحدث في اي شيء، الى ان جاء عماد وامسك بدفّة الحديث، مُوجهاً اسئلته الى الدكتور عزت عن استراليا.
اصغى الجميع الى اسئلة عماد واجابات عزت. كُلما همَّ احدهم أو فكر في سؤال يطرحه عن استراليا، وجد ان عماد وكأنما قرأ فكره وسأل الدكتور عزت هذا السؤال.
الغريب في هذه الجلسة، وجود رأفت، لم يذهب الى الاتيليه، بل ظلَّ بالمنزل لمقابلة الدكتور عزت ووالدته. لم يتدخل في المناقشة لكنه أُعجب كثيرا بطريقة الدكتور عزت في الاجابة على عماد بالاقناع والمنطق.. كذلك اقتنع هو نفسه بان استراليا، هي البلد الذي يمكن ان يكون بديلا عن مصر في المعيشة وفي التخفيف عن مصر في ما تواجه من مشاكل اقتصادية وكثافة سكانية.
لم يحاول عزت ان يُقلل من شأن مصر، بل كان دائما مدافعا عنها. لقد فسرَّ أسباب هجرته تفسيرا مقنعا، يرى مشكلة مصر في تعداد سكانها، لا في السياسيين ولا في الانتهازيين، ولا ايضا في اصحاب الافكار الرجعية الهدَّامة التي تحاول تفرقة الامة، بل في الضغط على كلمة الاعداد الهائلة والافواه الجائعة التي تولد كل دقيقة. لو استطاع اي انسان قادر على الهجرة او العمل في الخارج، لأسدى جميلاً عظيماً لمصر، لأن العمل في الخارج، او الهجرة ليس مسألة ركوب طائرة او مركب والسفر الى بلد غريب عنه، ولكن الهجرة تتطلب اشخاصا معينين لديهم الاستعداد للمواجهة والصبر والتحمّل والعمل الشاق المضني، والعزم والاصرار على النجاح، هذا النجاح، هو شرف يضفيه كل مصري خارج مصر على مصر. اذا نجح مصري، ففخر لمصر ولكل مصري،واذا فشل، لا نقول، عار.. بل دمعة حزينة على خد مصر.
وعن سؤال وجهه عماد عن وضع الجالية المصرية في استراليا، كان رد الدكتورعزت، أنها جالية والحمدلله حسنة السمعة، ومقبولة من الجاليات الاخرى. البعض في السلك الوظيفي الحكومي. والبعض قد اختار المجال التجاري. اماالمجال العلمي، فقد نالوا فيه قسطاً لا بأس به.
لم يذكر الدكتور عزت شيئا عن الفن، عن الرسم او النحت أو التمثيل اوحتى التأليف الادبي، مما جعل رأفت يخرج عن صمته ويُوجه له سؤالا في هذا الشأن. وقد أجاب الدكتورعزت على رأفت موضحاً بان المصري في استراليا او في مجا ل الهجرة عامة حديث عهد، لم يستقر بعد. وهذه الفنون، تظهر مع الاستقرار والاطمئنان على لقمة العيش والتي تأتي في المقام الاول.. لهذا، قبل المصري العمل في المصانع اولا كعامل، ثم دخل المجال الوظيفي الحكومي ثانيا. لانه مازال يؤمن بان هذا المجال، هو الامان والاستقرار كما يقول المثل.. ان فاتك الميري، اتمرغ في ترابه.
كل هذا يدور، والأب يراقب والأم صامتة وسامية قلقة تريد ان تطمئن انه جاء ليخطب اختها حتى يصدق تخمينها. ولا تظهر امام سلوى بمظهر من لا يعرف شيئا. اما والدته، اقصد والدة الدكتور عزت، فكانت معجبة جدا وفخورة بابنها الذي يجيب على الاسئلة بمهارة ولباقة ومعرفة. لاشىء ينقص هذا الحديث، سوى كاميرات التلفزيون لتسجيل الأحاديث التي تدور في هذه الجلسة حتى يستفيد منها كل من يفكر في الهجرة.. الى جانب انها رأت في ابنها، احد ابطال الروايات، اذي جاء ليقص على الناس كفاحه ونجاحه ومثاليته التي يجب ان يحتزى بها كل انسان يريد الهجرة.
بعد ان تناول الجميع طعام الغداء، خرجوا الى الفرندة لتناول الشاي. نادت والدة عزت على رأفت وعماد وطلبت منهما ان يأخذا عزت للفسحة في القاهرة، وسألت ان كانت سلوى ترغب في الذهاب معهم. ثم مالت على اذن الدكتور رفعت وقالت له:
– انا نفسي الاولاد يروحوا يفسحوا عزت علشان انا عايزة اتكلم معاك انت والست ام حسام في موضوع مهم.
لم يرد الدكتور رفعت، بل اكتفى بهز رأسه موافقا على خروجهم بما فيهم سلوى، اما سامية فقالت انها منتظرة زوجها لأنهم بعد ذلك سوف يذهبون الى زيارة عائلة زوجها.
خرج الاولاد، وظلت سامية معهم، وبدأت مع أول رشفة شاي تتحدث السيدة والدة الدكتور عزت عن مدى احتياج ابنها لمن يؤنس وحدته ويقف الى جواره في بلاد الغربة، وكيف انه مرتبط بمصر، والدليل على ذلك هو تكبده من مشاق مجيئه الى مصر للبحث عن ابنة الحلال المصرية التي تشرفه في استراليا، وأنه عندما رأى سلوى وتحدث معها، أعجب بها وبشجاعتها وطلب منها «اي امه» ان تطلبها من الاسرة.
(يتبع)

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.