الجمعة , مارس 29 2024

إيليا عدلي يكتب : الدولار قتل عم بعضيشي !

بقلم : إيليا عدلي

خرج “عم هشام” على المعاش يوم تنحي مبارك عن الحكم .. كان موظفاً كادحاً .. اسماه زملاءه وأصدقاءه “بعضيشي” بسبب جملته البسيطة الشهيرة: “نستغنى عن بعض شيء ؛ لنعيش مستورين” .. حصل يومها على معاش لا يتجاوز سبعمائة جنيه ، يتدبر بها أمور بيته مع زوجته التي لا تعمل .. استلم مبلغ عشرين ألف جنيه ، مكافأة نهاية الخدمة ، أنهى بها عزوبية ابنته الوحيدة ، التي انتظرت مع خطيبها خمس سنوات ؛ ليجهزها والدها بهذا المبلغ .. لم يمتلك من حطام الدنيا غير المعاش الشهري ، وشقته التمليك الفقيرة التي وضع فيها تحويشة عمره .. بدأ يشعر بالحر فيها صيفاً لكبر سنه وما ابتلاه به الشقاء من مرض الضغط والسكر .. فكر في شراء تكييف ، فخرج من زوجته .. لا ليشتري تكييفاً ، بل ليتعرف على أسعاره وأنواعه ليبدأ في معاناة التحويش له .. بالطبع وقع اختياره على التكييف “الصحراوي” الرخيص الثمن نسبياً .. بدأ في اقتطاع بضع عشرات قليلة من الجنيهات شهرياً ليوفر ثمن التكييف خلال سنتين .. وأخيراً بعد سنتين ، خرج بعضيشي وزوجته مزقططين لشراء التكييف ، يوم أن كان محمد مرسي بيحلف يمين تلاتة على احترام الدستور والقانون .. رجع بعضيشي خائب الرجاء حينما أخبره التاجر أن التكييف زاد ثمنه أربعمائة جنيه .. قرر أن يربط الحزام بشدة أربعة شهور ليدبر الأمر ، بعد مرور الأربعة شهور انتهى فصل الصيف ؛ فأقنعته زوجته بتأجيل الشراء لحين يتوقف انقطاع الكهرباء المتواصل خلال تلك الفترة المظلمة الظلامية .. كانت زوجته ملهمة بتلك الفعلة ، لأنها احتاجت جراحة عاجلة لاستئصال الزائدة الدودية يوم خروج الثلاثين مليون مصري لخلع محمد مرسي .. بدأوا مشوار الألف ميل من جديد .. ربطوا الحزام واقتصدوا من طعامهم وأدويتهم سنتين أخرتين .. أخيراً وفي صيف عام 2016 .. وضع بعضيشي مبلغ الألف وستمائة جنيه في جيبه واصطحب زوجته إلى التاجر للاحتفال بشراء التكييف .. أخرج بعضيشي النقود للتاجر ، الذي ضحك بدوره قائلاً: فلوس إيه دي يا عم الحاج .. دا التكييف نص حصان تمنه أربع ألاف جنيه. هام بعضيشي في الشوارع مغموماً ، يظتلي بلفحات صيفية من جهنم ، لا يرطب عليه غير دموع زوجته وطبطباتها على كتفه ، تعزيه بحنان: معلش يا هشام .. أحسن ياخويا اللي ماقدرناش نشتريه .. يعني هو بعد زيادة تسعيرة الكهربا اللي ولعت دي كنا هنقدر ندفع الفاتورة؟! لم يستطع جسد بعضيشي الهَرِم تحمل المزيد من إرتفاع درجة الحرارة والدولار .. أصيب بهبوط حاد في الدورة الدموية وتوفي ، يوم أصيب الجنيه بهبوط حاد أمام الدولار الذي وصل لثلاثة عشر ضعفاً !

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.