الخميس , مارس 28 2024
منير بشاى

هل الهروب من الاضطهاد خطية؟

أثار موضوع هروب اطفال المنيا الاقباط من مصر الى تركيا ومنها الى سويسرا ردود افعال متباينة. البعض اتهمهم بخيانة الوطن، والبعض الآخر اعترض على مبدأ الهروب من الاضطهاد من منطلق مسيحى.

بالنسبة للوطن من الغريب ان يلام اطفال على الهروب من مصير من شانه ان يحطم مستقبلهم. وكان قد صدر ضدهم حكم بالحبس لمدة خمس سنوات فى قضية فسرت على انها ازدراء بالاسلام بالسخرية من صلاة المسلمين بناء على فيديو مدته 28 ثانية.

بينما هم كانوا يمزحون بتقليد داعش التى كانت تصلى ثم تقوم بعد ذلك بذبح ضحاياها من الابرياء.
وفى اعتقادى ان الاطفال لم يهربوا ولكن تم تهريبهم بعلم الدولة حتى تتخلص من الاحراج العالمى اذا تم حبسهم. ولا اتصور ان الدولة تطلق سراحهم ولا تحظر سفرهم وهى تعلم ان عليهم احكاما. وهى طريقة الدولة التى تبنتها مع العديد من الحالات المماثلة للتخلص من الحرج.
ولكن حتى مع افتراض انهم هربوا من الاضطهاد، فهل هناك ما يمنع المسيحى من ذلك؟ هل المسيحية تطالبنا دائما ان نسلم انفسنا للاضطهاد ولا نحاول ان نحمى انفسنا منه؟

نصوص كتابية تدعونا إلى تفادى الاضطهاد
هناك الكثير من النصوص الكتابية التى تطالبنا برفض الظلم وتفادى الاضطهاد إذا كان فى إمكاننا ان نفعل ذلك دون أن ننكر إيماننا بالمسيح. وهذه أمثلة على ذلك:
• الرب يسوع عندما كان طفلاً هرب من محاولة هيرودس قتله. وكان هذا بأمر إلهى إذ ظهر ملاك الرب إلى يوسف ليأخذ الطفل يسوع وأمه القديسة العذراء مريم ويهرب إلى أرض مصر ويظل هناك إلى أن تنتهى فترة حكم هيرودس (متى 13:2- 20).
• المؤمنون فى الكنيسة الأولى تشتتوا من جراء الاضطهاد عندما وقع عليهم فى أورشليم وتركوها إلى البلاد المحيطة. يقول الكتاب المقدس “وحدث فى ذلك اليوم إضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى أورشليم، فتشتت الجميع فى كور اليهودية والسامرة، ماعدا الرسل” (أعمال 1:8).

• الرسول بولس هرب من المكيدة التى دُبرت لقتله “ولما تمت أيام كثيرة تشاور اليهود ليقتلوه، فعلم شاول بمكيدتهم. وكانوا يراقبون الأبواب أيضاً نهاراً وليلاً ليقتلوه. فأخذه التلاميذ ليلاً وأنزلوه من السور مدلّين إياه فى سل” (أعمال 23:9 – 25)
• الرسول بطرس قام بعملية تمويه حتى لا يتمكنوا من القبض عليه. فبعد خروجه من السجن بمعجزة لم يستمر فى المكان الذى تعود أن يوجد فيه بل غيّر موضع إقامته حتى لا يجدوه ويرجعوه إلى السجن مرة أخرى (أعمال 17:12).

• الرسول بولس طالب بالاعتراف العلنى ببراءته عندما ظُلم، ولم يرضخ للظلم ويقبله. فعندما وضعوه ظلماً فى السجن، وبعدها أرادوا أن يطلقوا سراحه سراً، رفض ذلك قائلاً: “ضربونا جهراً غير مقضى علينا، ونحن رجلان رومانيان، والقونا فى السجن – آفالآن يطردوننا سراً؟ كلا! بل ليأتوا هم أنفسهم ويخرجونا” (أعمال 37:16).

• الرسول بولس اعترض على ضربه بالسياط وطالب بحقه كمواطن رومانى أن لا يُضرب، فلما مدّوه للسياط قال بولس لقائد المائة الواقف: “أيجوز لكم أن تجلدوا إنساناً رومانياً غير مقضى عليه؟” (أعمال 25:22).

• الرسول بولس استغل ما يكفله له القانون من حقوق ليحصل على محاكمة عادلة. وقد مارس حقه كمواطن رومانى أن يحاكم أمام قيصر. فقال: “لأنى إن كنت آثماً، أو صنعت شيئاً يستحق الموت، فلست استعفى من الموت. ولكن إن لم يكن شئ مما يشتكى علىّ به هؤلاء، فليس أحد يستطيع أن يسلمنى لهم. إلى قيصر أنا رافع دعواى” (أعمال 11:25).

حالات خاصة آثر المسيحيون فيها أن يظلوا تحت الاضطهاد
هناك حالات خاصة فى الكتاب المقدس نجد المسيحيين فيها يرفضون الهروب من الاضطهاد ويفضلون الاستمرار فيه. وليس هذا حباً فى الاضطهاد ولكن لأن هناك واجباً مقدساً يلزمهم

أن يبقوا تحت الاضطهاد. وهذه بعض الأمثلة:
• الرب يسوع كان مثالنا الأعلى فى هذا. فيذكر الكتاب عنه أنه رغم المحاولات الكثيرة للقبض عليه لتسليمه للمحاكمة، إلا أنه كان فى كل مرة يفلت منهم “لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد” (يوحنا 30:7 و20:8). ولكن عندما جاء التوقيت الإلهى ليقوم المسيح بعملية الفداء على الصليب فإنه لم يتردد ولم يتراجع. يقول عنه الكتاب: “وحين تمت الأيام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق إلى أورشليم” (لوقا 51:9).

• عندما تشتت المسيحيون فى عصر الكنيسة الأولى بسبب الاضطهاد نجد ان الرسل قد بقوا فى أورشليم ولم يغادروها (أعمال 1:8). كان الرسل فى موقفهم هذا يتصرفون كالقادة المخلصين فى ميدان المعركة. كانوا يريدون أولا أن يضمنوا سلامة المؤمنين قبل أن يسعوا فى الحصول على سلامتهم هم. كما أنهم آثروا أن يبقوا فى مركز الخدمة فى أورشليم لمباشرة قيادة العمل، وليضمنوا استمرارية الخدمة، ولو كان هذا على حساب أمنهم وسلامتهم الشخصية.

• عندما طلب الروح القدس من بولس الرسول أن يذهب إلى أورشليم أطاع رغم أن كل الدلائل كانت تشير إلى أن إضطهاداً قاسياً كان ينتظره هناك. وعندما حاول التلاميذ أن يثنوا عزمه عن الذهاب، رفض قائلاً: “.. ماذا تفعلون؟ تبكون وتكسرون قلبى. لأنى مستعد ليس أن أربط فقط، بل أموت أيضاً فى أورشليم لأجل اسم الرب يسوع” (أعمال 13:21).

خلاصة القول إن مسئوليتنا كمسيحيين هى أن نخفف من حدة ألم الاضطهاد فى حياتنا وحياة الآخرين قدر ما نستطيع. فإذا كنا نستطيع أن نتفادى الاضطهاد دون أن نضحى بالأمانة لرسالتنا وإيماننا فلنفعل. أما إذا كانت إرادة الله ومسئولية الخدمة تستدعى أن نستمر فى ميدان الاضطهاد من أجل المسيح فعلينا ان نقبل هذا بصبر وفرح وشجاعة.
Mounir.bishay@sbcglobal.net

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.