الخميس , مارس 28 2024
عبد الرازق مختار محمود
عبد الرازق مختار محمود

وطنك فقط من يروي عطشك .

حب الأوطان عبادة، هكذا علمنا خير البشر عندما ذرفت عيناه عند فراق مكة، وهكذا ذكر القرآن، وحكايات الأوطان زاخرة بها كل الكتابات، من فجر المحبة الخالدة، لتلك الذرات من التراب، وهذا الهواء الضارب في جذور الأبدان، وتلك الوجوه المفعمة بنظرات الحنين، وهذه الصخور الصامدة والراسخة في وجوه الملمات، فحب الأوطان والشوق إليه فريضة وطنية، والذود عن سمعته فرض عين، والاجتهاد لنصرته دين ، فمن عاش خارج وطنه يعرف وقع تلك الكلمات، ويعرف كم تهفو النفس إلى كل ما يمس الوطن من قريب أو بعيد.
والأمم الراقية هي التي تبذل الغالي والنفيس في سبيل ربط الأبناء بوطنهم الأم، حتي تعود تلك الطيور المهاجرة إلي أعشاشها الأمنة، وهى محملة بجرعات الشوق، وساعية بكل ما تملك؛ لرد الجميل إلي أوطانها.
ومن أجمل ما قرأت في هذا السياق أن الحكومة الكندية عندما لاحظت أنه يوجد شباب كندييون كثر قد سافروا إلى أوروبا للسياحة، ولكي تشعرهم بالفخر أنهم كنديون، ومتميزون عن غيرهم من الشباب، أرادت الحكومة الكندية مشاركتهم أجازتهم فعملت ماكينات مشروبات منعشة بجانب كل معالم أوروبا المهمة، برج إيفيل، ساعة بج بن، برج بيزا و غيرهم .. هذه الماكينة لا تعمل بالنقود .. و إنما بجواز السفر الكندي فقط .. بأن تمسح بجواز السفر، فتفتح الثلاجة، و تأخذ ما تحتاجه منها على حساب الحكومة الكندية !! كما كتبت الحكومة الكندية داخل الثلاجة جملة جميلة :
” قد تعبر المحيط، ولكن وطنك فقط هو من يروي عطشك، بلادك تحبك “
نعم الوطن قصة حب مفعمة بالمشاعر الفياضة، ممزوجة بالعطاء المتبادل، وما أجمل أن تشعر أن وطنك يبادلك الحب والعطاء، ومع كل الألم يظل حب الوطن غريزة الشرفاء.
نعم هكذا ينبغي أن تلاحق الحكومات مواطنيها محبة، وتعلقا، وشعورا بأن وطنك يفتقدك، فالنعيم هو العودة إلي الوطن، والعذاب كل العذاب هو البعد عن رحم الأوطان.
شجعوا مواطنيكم علي المحبة شجعوهم بسفارات تستقبل مواطنيها كما ينبغي أن يكون، شجعوهم بتيسير الخدمات في القنصليات، شجعوهم بإعفاءات، شجعوهم بامتيازات، شجعوهم بسند عندما تسلب منهم الحقوق، شجعوهم بالدفاع عندما يقهر بعيدا عن الأوطان، شجعوهم بفتح الآفاق، شجعوهم كما ينبغي أن يكون التشجيع.
فلا أكاد أعلم شعبا صبر علي محبته لوطنه كما صبرنا، ولا نعلم شعبا يذوب عشقا عندما تلامس مشاعره بعض الكلمات مثلنا، ولا أكاد أري شعبا يسكب الدمع حرقة علي بعده عن وطنه، وهو لم يكد يغادره كما فعلنا، فسجدات الشكر، والارتماء في أحضان الأوطان تكاد تكون فريدة، هكذا سجل لنا التاريخ في صفحاته، وهكذا تتابعت فينا الجنيات، وهكذا عزف الشعب أنشودة عشق لا تنتهي، خالدة خلود الأوطان، ضاربة في جذور الزمن الممتدة إلى الأبدية، والمحلقة في سماء المستقبل الذي نتمنى أن يكون زاخرا بكل ما يجعل محبة الأوطان منهج حياة.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.