الجمعة , أبريل 19 2024

نادية خلوف تكتب : لايك!

وسائل التّواصل الاجتماعي جعلتنا عبيداً لها. تلك الثورة الرّقمية المدهشّة والتي سهّلت حياتنا، وطريقة بحثنا، وربما ألغت الحدود بين العالم افتراضياً تكاد تسيطر على عقولنا وتجعلنا في عبودية شاملة. إذا كان الفيس بوك هو موقع عادي أخذ شهرته من التّواصل، وعمل حساب، وحقق ملايين الدّولارات من الأرباح، فإنّه قد بدأ فكرة بسيطة سوّقها صاحبها فنجحت، لا أحد يستطيع تسويق منتجه دون مال.
اليوم يوجد وسائل تواصل كثيرة، وحتى الآن فإنّ أشهرها الفيس بوك، المشرفون عليه يعملون دائماً على ابتكار أشياء للرّبح.
أغلب السّوريين لديهم حساب على الفيس بوك، بعضهم يستعمله قليلاً، ويراقبه كثيراً، ومن أنشط السّوريين على الفيس هم السياسيون. هم سياسيون من كلّ أطياف الشّعب السّوري، والعربي، ويأتي في الدّرجة الثّانية متصيدي الجنس على الفيس، وبغض النّظر عن أهميّة الفيس، فقد أصبح يشّكل إدماناً للبعض، شكّل لهم البهجة في البدء، ثمّ أصبحوا قلقين لا ينامون الليل في انتظار التعليقات والإعجاب، وانصرفوا عن العالم الحقيقي إلى عالم افتراضي أكثره مزيّف.
أردت أن أختبر مدى عمق الصّداقة الفيسبوكية، أرسلت لعشرة أشخاص افتراضيين يعيشون في السويد ، فرنسا ، النروج، والدانمارك. أبلغتهم أنّني سوف أكون في باريس، ستوكهولم، وأوسلو ، أعطيت نفس التّوقيت أي أنّني سوف أكون هذا اليوم في تلك الأمكنة، ولم أكن أنوي الخروج من البيت يومها، أبلغتهم أيضاً أنّني أرغب أن نلتقي لمدة قصيرة من أجل أن نتعارف. كنت أتوقع الرّد، لكن مالم أتوقعه أن يكون ردّ الأصدقاء العشرة هو تقريباً طبق الأصل، وهو أنّهم مشغولون بأمر هام لعدّة أيّام، وأنّهم خجلون من الاعتذار.
كنت أشارك مقالاتي على الفيس بوك، ويأتيني أحياناً عشرات الإعجابات ، وربما مئات، وعندما أفتح على المقال في الصّحيفة التي أكتب فيها أرى أنّ العدد هو أقل بكثير. أي أنّ الإعجاب وضع درزاً على الماشي.
لم أعد أستعمل الفيس بوك إلا من أجل مشاركة أمور أرغب في الاحتفاظ بها على صفحتي كأرشيف. نقص عدّد النّاس المعجبين إلى حدّ أن يأتي إعجاب واحد على مقال أدبي جميل، وكما العادة، أفتح على عدّاد الزّوار فيكون بالمئات، أي أنّ نفس الأشخاص بدأوا عمليّة المراقبة دون وضع الإعجاب فهم لن يقبلوا إلا مبدأ السّن بالسّن، والعين بالعين، ومن بين أصدقائي الخمسة آلاف يبدو أنّ صديقتان أو ثلاثة يقرأن، وإحداهما تشارك مقالي دون السّؤال عن ما إذا أعجبت بمنشوراتها، أو لم أعجب. نحن في حرب افتراضية أو حقيقية . لم نعد نتمتّع بالأدب، والفن إلا من خلال موقف ما معلن على الفيس، وبنفس الوقت لنا مجموعة ننضمّ لها، وإلا الحذف.
الإعلام يحرّض على الكراهيّة بدءاً من المحطات الفضائية، وانتهاء بالفيسبوك.
أكتب عن هذا كي نحاول أن نكوّن مجموعات غير سياسيّة تهتمّ بالأدب، والعلم، والفن .هي موجودة، لكنّ أغلبها منحاز. لو تغيّر ذوقنا من الحرب إلى الحبّ لحاربنا الفضائيات قبل الاستبداد، الفضائيات هي رديف الاستبداد. انفتاح الذهن على المعرفة يمكن أن يساهم في رفع مستوى الإنسان العربي الذي تعتبر فضائية الجزيرة مصدره الأوّل. والسّؤال: هل يمكن لنا نحن الكتّاب المختلفين فكرياً على تحويل الشعب العربي، ولو بنسبة ضئيلة إلى التّمتّع بالنّص الأدبي بدلاً من الجلوس والاستماع إلى حروب الفضائيات الوهميّة التي تجلب لها المال؟
هي دعوة ليس إلا.

شاهد أيضاً

ع أمل

دكتورة ماريان جرجس ينتهي شهر رمضان الكريم وتنتهي معه مارثون الدراما العربية ، وفى ظل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.