الجمعة , مارس 29 2024
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود

الزواري الإرهابي الشهيد .

قد تنحرف البوصلة يوما، وقد تضللنا الأفواه العفنة لبعض الإعلاميين، وقد تحول ظروفنا وقسوة الأيام عن أن نكون في المقدمة في الدفاع عن قضيتنا الأم في العصر الحديث، قضية كل المسلمين، وكل العرب، القضية التي خضنا من أجلها الحروب، واستشهد فيها خيرة الرجال علي رمال الوطن، تبقي قضية القدس وكل فلسطين هي القضية الكامنة في نفوس كل المخلصين، ممن سبقت فطرتهم السليمة وانتصرت علي ألاعيب السحرة المارقين.
بين الحين والآخر تمطر السماء بعطايا اليقين؛ لتخبرنا بأن تلك الفطرة هي فطرة الله التي فطر الناس عليها، هي الفطرة التي تأبي العدوان، وتمقت الاحتلال، وتتخاصم مع تلك القيم الفاسدة الضاربة في جذور الخنوع والخضوع والاستسلام. بين الحين والآخر ترسل السماء عطاياها؛ لتدلل علي أن قضية الأمة حاضرة في وجدان كل الصامتين.
الزواري ذلك المهندس التونسي المتميز المتمكن الذي لا تبدو عليها أية علامات سوي أنه إنسان، لم يكن يتخيل يوما كل من يحاوره أنه في هكذا مكان، هذا الرجل عبر كل حواجز الاحتلال حلق متخطيا كل دروعهم الحديدية، وقبابهم الصاروخية، حلق بفكره يمد يد العون إلي أولئك المرابطين حوال القبة المقدسة، الممسكين بزناد الكرامة، المتمسكين بباقي الفطرة السليمة التي تأبي العار، وترفض الانهزام، حلق معهم بعقله أمدهم بعطايا الله من فكره، فحلقت أفكاره تموج في سماء العدو، وتمخر مياههم الملوثة، ضاربة وصارخة بأننا رغم كل الانقسام، ورغم كل مؤامرات الكون، مازلنا نمتلك القدرة، بأمثال الزواري نخترق السماء، وننقل معاركنا من دورنا إلي دوركم.
إسرائيل خشيتها من العقل تفوق كل خشية، إسرائيل رعبها من الأفكار يفوق كل رعب، إسرائيل عندما عبرت الحدود لتلاحق الزواري في تونس دللت على أن الأفكار عندها أهم من الأجساد، وتلك حربها الحقيقة، هي حرب العلم، وحرب التعليم، وحرب القدرة والتمكن، استشهاد الزواري ليس قتلا للجسد، ولكنه قتل للأفكار، وملاحقة للمعرفة، وتدمير للعقول.
قتلوه لأنه إرهابي يساعد في قتل المحتلين، وعندنا هو الشهيد لأنه شاهد علي قدرتنا رغم ضعفنا، شاهد على فطرتنا السليمة رغم كل الملوثات، شاهد علي وحدتنا رغم كل أساليب وأدوات الفرقة، شاهد علي أن الحدود والحواجز هي صناعة المستعمر؛ لينال منا فرادي، شاهد على أن تكاملنا سر قوتنا وعزتنا. هو الشاهد علي كل ذلك، وهو الشهيد، والشهداء في ديننا أحياء لا يموتون عند الله أجسادا، ولا يموتون بيننا أفكارا وأحلاما وآمالا.
الزواري عند المحتل ومن لف لفه يحسبونه إرهابيا وفطرتنا تأبي إلا أن تحسبه عندنا وعند الله شهيد.
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.