الجمعة , مارس 29 2024
Amal farag
أمل فرج

ونسيت أني امرأة ..

بقلم / أمل فرج


جميلة.. رقيقة.. مثقفة.. ولدت في عائلة راقية ، ذات جذور متميزة في أوساطها.. كانت محط إعجاب الجميع ، كان يتهافت في طلبها الخطاب ، شاء لها القدر أن تعجب بأحدهم ، تزوجت الأميرة الفاتنة ، وأحلام الأميرات تداعب خيالاتها مع الأمير الذي سيفتح لها أبواب القصر ؛ لتحلق في فضائه الرحب وهو يراقصها بين النجوم ، ويهبط بها على أرض السعادة ؛ليقطف لها ماشاءت من زهور وعطور.. ولكنه الخيال اللعين الذي غرر بالأميرة الساذجة ؛ فلم يكن الأمير أميرا ، ولم تجد الأميرة النجوم في فضاء القصر ؛ فلم يكن هناك قصر ، ولم يكن القصر في خيالها قصرا من ذهب تتزاحم فيه الآلئ والياقوت ، ولكنها السعادة مع المحبوب ، ذلك الإحساس بالرضا وتلك الحالةمن الاكتفاءبه والاستغناء عن الجميع التي تُجلي الصدأ عن الجدران الفقيرة وتحيل الكوخ قصرا..
لم يخدعها الرجل ، ولم يُغرر بها ، ولكن حبها هو ما كساه في عينيها واقعا ليس في الواقع ، أفاقت الأميرة على أرض الواقع ، الذي سقطت عليه دُرر الخيال..


لازالت تحبه ، كافحت معه وهي سعيدة ، لم يكن فقيرا ، ولكن كانت حياته تحتاج للكفاح ، تقبلت من صعاب حياته مالا تتحمله كثير من الفتيات ، تعبت الأميرة ، ولكن سعادتها في كنف حبها كان ملاذا لآلام الكفاح التي لم تعتد عليها في بيت عائلتها.. تغير الأمير ، وتبدلت أحواله ، وزاد التضييق على حياة الأميرة ، يطالبها بمزيد من الكفاح ، انتقل بها ليعيش في مكان رث لم ترتضه ؛ليكون بجوار عمله اكثر ؛ ليحظَ بنصيب أوفر من النوم.. كان يتركها طوال النهار ودونما طعام بالبيت المتواضع وهي مثقلة بحملها في شهرها الثامن ، ولا يترك لها من المال ما يسد حاجتها ؛ فكان لابد أن يعلم ما ستشتريه أولا ويوافق عليه حتى وإن كان في طعامها ، اعتبرت نفسها بطلة أن تصل بحملها للشهر التاسع بعد أن استنزفت طاقتها دون أن تصاب بالإجهاض أو أن تفقد حياتها ، خاصة كلما تذكرت عصا الأمير الغليطة وهي تنهار عليها ضربا إن جاء من عمله ذات مرة ووجد المسكينة قد استسلمت للنوم بعد مقاومة آلام الحمل ولم تطهُ الطعام بعد ، ويحل الليل وتظل الأميرة تتألم وتبكي في ظلام ليلها وبين جدران السجن الذي اختارته وهي سعيدة ، تتذكر السباب واللعن وعصا الأمير الصعلوك ؛ فتتشدق بالدعاء كلما أمطرتها عيناها من الدموع أنهارا ، وتسقط برحمة الله في سبات عميق حتى يتنفس النهار ، ويطل عليها يوم جديد من الكفاح الأسود في بيت الصعلوك ، ويتكرر المشهد الأسود بنفس السيناريو الدرامي..


وضعت الأميرة أول رضيعة لها ،. وفي السنة الثانية كانت مولودتها الثانية ، وسارت بها سنوات ثلاث لم تكن بأفضل من سابقها وهي لازالت تعاني تفاصيل الحياة الذليلة على اختلاف ألوان الإهانة والإذلال ، وكلما راودتها فكرة الانفصال كلما نظرت لصغيرتيها وخافت من المجهول ؛ فتؤثر القبض على الجمر ، وفي السنة الرابعة صُدمت بحملها الثالث.. برك على صدرها هما ثقيلا ؛ ولازالت فكرة الانفصال تراودها من بعيد ،خاصة وقد ترك لها أمر الإنفاق على طفلتيها ؛ مما اضطرها للبحث عن العمل ؛ ليتضاعف أمامها الكفاح في الحياة ، ويتضاعف الألم

مرضت الأميرة الذليلة على أثر بؤس الحياة التي أنهكت لها صحتها سريعا ؛ وحذرها الطبيب من حمل جديد ، الأمر الذي استشاط له الزوج الأرعن ؛فقد كان يصر على إنجاب الولد ؛ حيث وضعت له زوجته ثلاث بنات ، أصر الزوج على الإنجاب وضرب بصحة زوجته عرض الحائط

قررت الزوجة الانفصال ، ولكن لازال الصغار صغارا ؛ راحت تتوسل إليه أن يرحمها وأن تشب الصغيرات في كنف أبيهن ، ولكن لم يخلق الله الرحمة في كبد الوحوش ؛ تزوج الوحش الأرعن بأخرى ، وترك الأولى تلاطم المجهول وتصارع أعاصير الحياة وحدها وهي تحتضن الحمل الثقيل، ولم يعد أمامها غير الصمود، وتجاهل الألم وانهدار الكرامة والحق؛ فهي لا تملك من المال ما تلجأ به للقانون لتستحضر حقها..


مضت السنون وهي تُفني أجزاء الشباب في صحتها وطاقتها حتى بلغت الصغيرات مبلغ الشباب، وبلغت الأميرة الفاتنة من الهرم والهم والألم ما جعل المشيب وآثاره تتمكن منها سريعا ، وهي لازالت لا تبالي من أجل بناتها ، ولازالت تمضي الأعوام ، وقد تزوجت الفتيات ، حينها اطمأنت إلى أن عاصفة الحياة قد هدأت ، وراحت تجلس في مخدعها تنتظر توالي الأيام حتى يأتي لها أمر ربها ، وحتى ذلك الحين كانت فرصتها جيدة في لقاء الوحدة ، التي جعلتها تتذكرالعبء الثقيل ، والكفاح المرير ، وويلات الحياة وحدها ، وتذكرت شبابها وجمالها وأنوثتها وأحلامها ؛ فانتبهت فجأة و كأنها تستيقظ من غفلة النعاس ؛ لتفيق وتتذكر أنها امرأة ، كان يليق بها الدلال والاهتمام والاحتواء والحب ومعاني كثيرة حدّثت بها نفسها لأول مرة ، كأنها لأول مرة تدرك أنها امرأة.. امرأة لم يتبقَ لها من أنوثتها غير أطلال الماضي ، وأحلام ظلت تُشعل الجمر في صدرها كلما خمدت نيرانه..


ترى هل ما فعلته هذه المرأة كان هو الصواب؟ هل كان هو الخيار الوحيد ؟ هل تأخرت كثيرا حتى فكرت في الطلاق ؟ هل أخطأت في حق نفسها ؟ ولو أعطت لنفسها حقها في الحياة لضاع حق أبنائها ، في ظل وجود أب تنصل من المسئولية ..


فماذا تفعل المرأة لتعطي نفسها حقها ، وتحمي حق أبنائها في مجتمع غفل حق الجميع ؟!

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.