الخميس , مارس 28 2024
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود

وطني الأكبر حبي أيضا .

بغض النظر عن تلك الدائرة الملحة في قاموس محبتك هل هي الوطن المتناهي الصغر، عائلتك أو بلدتك، أو حتي مدينتك، أو اتسعت الدائرة قليلا؛ لتشمل كامل تراب الوطن، أو كنت من المؤمنين بالقومية بالعربية، أو تطاولت حروفك لتحلق في سماء الأمة الإسلامية، أو انطلقت لتعبر عن كامل الإنسانية، فمهما كان حصنك المتمترس خلفه، والمدافع عنه، وربما الراجم في سبيله من خالفك في درجات ومستويات التحصن، مهما كان حصنك، ومهما كان موقعك لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن ترصد تلك الظاهرة الغربية لهذا الوطن العربي الكبير، وقد علاه التفكك، وضرب في كل جنباته الضعف، وأصبحت معاول الهدم تكاد تعجز أمام روعة التفتت، وحار العدو لهذا الوطن من سرعه الهدم الذاتي، والنفوق الجمعي والآلي، وعلي الرغم من كل ذلك ويزيد، فَجْأة وبدون مقدمات تخرج جينات الوحدة الخالية من كل تبرير؛ لتنطق بأننا وطن واحد.
فغزة العربية التي خرج علينا الإعلام ليل نهار يبث فينا دعوات كراهيتها، وهى القابعة في قبضه الظلام، وقد ختمت عامها العاشر علي شرفات الموت، فَجْأة تطاول أعناق أبنائها السماء، وتقف قاطبة تلهث بالدعاء أن يخفق المنافس في ضربات الترجيح، وأن يوفق الحضري، وقد كان، وعندها وكأن كل جينات البعد تبخرت، وصرنا جميعا نهنئ، ونلتقي التهاني.
وغير بعيد من غزه تتحول ساحات الأردن العربية التي امتلأت قبل شهور بالتراشق بين العاملين وبين منصات الإعلام، فَجْأة تتحول شوارعها ساحات للتعبير عن الفرحة بالانتصار في مباراة لكرة القدم، وهكذا تصلنا الأخبار من أرض الحرمين فهذا الشباب السعودي الثائر والمنتصر علي ألسنة الإعلاميين المتاجرين بكل القيم، يتناسى كل ذلك، وتتحول الشوارع إلي نفير واحد بأننا جميعا ما زلنا علي هدف واحد وقلب واحد وأمل واحد.
هكذا كانت السودان العربية، وهكذا حلق المغرب العربي، وعلي ذات اللحن عزف كل الخليج العربي، وكل الشام العربي، وكل العراق العربي بأننا وطن واحد. نعم حتي وإن كانت اللقطة عابرة إلا أنها جد معبرة بأننا مهما فرقتنا أيادي العابثين والمنتفعين والآثمين إلا أننا وفي لمح البصر، وبأسرع مما يتخيل الحالمون سوف تخرج فينا معجزة سطرها النبي العربي الأمين التي صاغها الشاعر الحديث بقوله:
مَنْ وَحَّدَ العُرْبَ حتى كان واترُهم … إذا رأى ولدَ الموتور آخاهُ
نعم وحدهم رغم الشتات، وحدهم رغم عوامل الفرقة، وحدهم لأن أملنا واحد، وهدفنا واحد، وعدونا واحد، ورباطنا واحد، ولا نجاة لنا جميعا إلا علي أعتاب تلك الوحدة في عالم لا يعترف إلا بالوحدة .
أ.د/ عبدالرازق مختار محمود
أستاذ علم المناهج وطرائق التدريس بجامعة اسيوط

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.