الجمعة , أبريل 26 2024
أخبار عاجلة
مدحت موريس
مدحت موريس

مرآة الحقيقة

مدحت موريس

كعادته فى الأيام الأخيرة نهض من فراشه فى فزع قبل الفجر بقليل….مد يده وتناول كوباً من الماء كان قد وضعه بجوار فراشه تحسباً لتلك اللحظة التى صارت تصيبه كل ليلة.

غادره النوم..حاول أن يستدعيه مرة ثانية بلا جدوى، إستسلم للأمر مثل كل ليلة وغادر فراشه مرغماً حيث وقف فى شرفة منزله يدخن السيجار فى عصبية وهو يسترجع ذلك الحلم أو الكابوس الذى أمسى رفيقاً له فى كل لياليه.

الأمر خرج عن كونه مجرد حلم أو حتى مجرد كابوس، فالحلم لا يتكرر بصورة كربونية على الدوام كذلك الكوابيس من الصعب أن تأتى كل ليلة وتكون على نفس صورتها بمنتهى الدقة كما لو كانت شريطاً سينمائياً. الأمر الأكثر صعوبة هو أنه أصبح يخشى النوم بل الأكثر من ذلك هو أنه صار يهرب من النوم حتى كثيراً ما غلبه النعاس وهو جالس على مقعده وبعدما يستسلم للنوم ويأوى إلى فراشه، يهاجمه ذلك الكابوس اللعين فينهض مفزوعاً. فكر فى إستشارة أحد الأصدقاء لكنه تراجع مع إحتمالية فلسفة هذا الصديق وتفسير الحلم بإسقاطات مباشرة عليه وعلى أساليبه وتعاملاته فهو يعرف آراء الأصدقاء جيداً.

ثم طرح على نفسه سؤالاً لم يطرحه من قبل هل يستشير أحد الأخصائيين النفسيين؟؟؟ وماذا يقول له؟ أيقول أنه يعانى من حلم متكرر أو من كابوس يومى؟ ثم ماذا يقول عنه الناس – وهو رجل أعمال ناجح ومعروف – عندما يرونه يتردد على احدى العيادات النفسية؟ ستكثر الأقاويل وتتناثر الشائعات هنا وهناك وسيستغلها الأعداء …..أعداء النجاح ….توقف قليلاً عند هذه الكلمة، فهو لم يفكر يوماً أن له أعداء بل لم يخطر على باله فى يوم من الأيام أن يتربص به أحد ….

ولماذا يكون له أعداء فهو لم يعاد أحداً طوال مسيرة حياته…. ثم تردد برهةً قبل أن يقرر بأنه من المؤكد أن له أعداء فهو رجل ناجح وأعداء النجاح كثيرون والحاقدون على نجاحه أكثر. بدأ فى ارتداء ملابسه وقد قرر أن يذهب لأحد الأطباء النفسيين الذى تقع عيادته أبعد ما يمكن عن منزله وعن دائرة عمله..وعلى باب المنزل نظر نظرة سريعة على نفسه فى المرآة الطولية المثبتة بجوار الباب وذهب خارجاً ثم إستدار عائداً لينظر فى المرآة نظرة عميقة صامتة….وهز رأسه فى تعجب ثم إنطلق خارجاً!!!!.

كان عم جاد العجوز ذو اللحية البيضاء واقفاً مبتسماً فى إنتظاره – كعادته كل صباح – بعدما قام بغسل وتنظيف سيارة حسام بك الذى بادره بالتحية محاولاً إخفاء الإرهاق الذى بدا على وجهه..وركب حسام سيارته وإنطلق نحو هدفه لعله يضع حداً لعذاب الأرق اليومى الذى يعيشه.

فى السيارة أجرى حسام عدة مكالمات فأخذ موعداً مع الطبيب ثم إتصالاً آخر بمكتبه لإلغاء مواعيده وأخيراً بوالدته التى لم يسمع صوتها منذ شهر أو أكثر وكان كعادته معها رقيقاً مهذباً ولم ينس أن يسألها الدعاء له رغم عتابها الشديد له لغيابه الطويل عنها. كانت العيادة -كما توقع- خالية تقريباً وهو ما أراحه كثيراً..وكان الطبيب فى إنتظاره بالداخل، إسترخى حسام على مقعد مريح وبدأ يروى للطبيب معاناته مع النوم كل ليلة ….هو حلم قصير…قصير جداً لمدة أحسبها ثوان قليلة لكن أثرها تجاوز الأيام والشهور.

سأله الطبيب عن تفاصيل الحلم فأجابه حسام بأنه لا توجد تفاصيل تذكر…..سوى أننى أنظر فى المرآة..فلا أجد شيئاً…لا أرى نفسى…لا أرى صورتى فى المرآة فيصيبنى الفزع وأجرى نحو كل حجرات المنزل وأنظر فى كل مرآة فلا أجدنى..أقصد لا أرانى..بل أعنى لا أرى إنعكاس صورتى على المرآة، بعدها أستيقظ فزعاً وأنا الهث بأنفاس متلاحقة والعرق يتصبب من وجهى .

سأله الطبيب ” متزوج؟” أجابه ” لا” – تعيش وحدك؟ – نعم – كم مرآة فى منزلك أجاب حسام – سبعة!!!!! .

فى طريق العودة بدا حسام غير مقتنعاً برأى الطبيب ووصفته العلاجية والتى لم تكن سوى دواء منوم ومهدئ للأعصاب علاوة على النصائح المتوقعة كالإقلال من التدخين والمنبهات وتناول العشاء قبل النوم بثلاث أو أربع ساعات… .

كان عم جاد -حارس الفيللا- فى إستقباله بشوشاً كعادته، فتح باب السيارة “الحمدالله ع السلامة يا حسام بك..سلامتك..بتشتكى من إيه؟” نظر إليه حسام متردداً…فعم جاد حارس الفيللا الامين والذى شهد طفولته وصباه…ولانه يريد ان يتكلم ويبوح بما يضيق به صدره حكى قصته لعم جاد بعدما إستحلفه بأن يُبقى الأمر سراً بينهما..

إبتسم العم جاد قائلاً ” أنا لم ولن أبوح بسرك..ولكن ممن تخاف؟ أجاب حسام “أمر كهذا من الممكن أن يستغله أعدائى” ” وهل لك أعداء؟”…

أمر طبيعى أنا إنسان ناجح وللنجاح دائماً أعداء” قاطعه عم جاد ” الا يوجد أعداء آخرون؟…..لم يرد حسام بل اتجه للداخل حيث وقف أمام المرآة بجوار باب المنزل يعدل رابطة عنقه ويناظر صورته فى خيلاء بينما أتى صوت العم جاد وهو يتمتم و يقول ” مسكين حسام بك….هو كان ناقص اعداء من برة البيت….مش كفاية السبع اعداء اللى قاعدين له جوة البيت”.

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.