الثلاثاء , أبريل 23 2024
الكنيسة القبطية
البابا تواضروس الثاني والبابا فرنسيس

أيهما أقوى البابا أم اللغم العتيق .. لغم التعميد .

نشر الكاتب ماجد عاطف رصد كامل حول ما حدث ما بين البابا فرنسيس الأول بابا الفاتيكان والبابا تواضروس الثانى بابا الكنيسة المرقسية سرد فيه كل مجريات الأمور الخاصة بتوحيد المعمودية ، وهجوم الكثيرين على قداسة البابا تواضروس الثانى وخاصة الصفحات القبطية بعد تسريب قرار توحيد المعمودية

اليكم نص المقال
في مبنى الكنيسة المرقصية بالعباسية وقع كل من البابا فرنسيس الأول بابا الفاتيكان والبابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية يوم الجمعة الماضي «اتفاقا تاريخيا» على حد وصف وسائل الاعلام، يقضي بتوحيد المعمودية بين الكنيستين وعليه فمن أراد تغيير ملته من كنيسة لأخرى لن يكون بحاجة لإعادة التعميد، منهيا بذلك شقاق لاهوتيا (دينيا) بين الكاثوليك والأرثوذكس استمر 16 قرنا.
أكثر من ألف وخمسمائة عام من الصراعات والقطيعة انتهت «نظريا» يوم الجمعة الماضي بتوقيع تلك الوثيقة، وهو ما قوبل بمشاعر مختلطة بين المسيحيين في شتى بقاع الأرض.
لكن كيف بدأ الشقاق؟ ولماذا يعتبر توحيد المعمودية حدثا تاريخيا فارقا؟

في عام 451 م اجتمع رجال الدين المسيحي في مؤتمر عام سمي باسم «مجمع خلقيدونية» نسبة إلى المدينة التي استضافته، قبل أن يعقد ذلك المجمع (المؤتمر) كانت المسيحية طائفة واحدة، لكن خلافا لاهوتيا (عقائديا) دب بسبب هذا المجمع، ففي حين رأت كنيسة روما أن الابن منبثق من الآب والروح القدس، تمسكت الكنيسة الشرقية بأن الابن منبثق من الآب فقط، وعليه فمن نادي بالرأي الأول صاروا كاثوليك (كلمة يونانية تعني عالمي) ومن انضم للرأي الآخر سموا أرثوذكس (كلمة يونانية تعني الرأي الحق) وكانت تلك بداية انقسام الكنيسة تلتها انقسامات أخرى في كلا الجانبين.

لكن هناك من يعزو أسباب الانشقاق لعوامل سياسية لا دينية، وفقا لتفسيرات أخرى فإن «مجمع خلقيدونية» والذي دعا إليه الإمبراطور «مركيان» كان الهدف الحقيقي منه هو بسط نفوذ كنيسة روما، واعتبار البابا بها هو الحبر الأعظم، وأن تكون باقي الكنائس تابعة له، وهو ما رفضته كنائس الشرق فانشقت.

وسواء كان الخلاف في أساسه لاهوتيا (دينيا) أو سياسيا تمت تغطيته بغطاء الديني فالنتيجة واحدة، الكنيسة انقسمت وأصبح لدينا كاثوليك وأرثوذكس، وتناصبا العداء وجرت بينهما دماء وصراعات لا مجال لسردها الآن.

وظلت العلاقات متوترة بين الكنيستين حتى عام 1962 حين طالب البابا يوحنا الثالث بعقد مجمع (مؤتمر) كاثوليكي كبير في الفاتيكان دعا إليه أساقفة الكاثوليك في العالم أجمع وسمي هذا المؤتمر باسم «المجمع الفاتيكاني الثاني» كان الهدف من هذا المجمع هو «إزالة تجاعيد الشيخوخة من وجه الكنيسة» على حد تعبير البابا.

ويمكن وصف ذلك المجمع بأنه كان تنويريا، خرجت منه قرارات ثورية فيما يخص قضايا حقوق الإنسان، فضلا عن تعديل موقف الكنيسة الكاثوليكية من الكنائس الأخرى بل وسائر الأديان…. ما يهمنا هنا في هذا المجمع هو اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بأشياء عده من ضمنها الكنيسة ألارثوذكسية.

وعلى الجانب الآخر كان الأنبا شنودة اعتلى كرسي البابوية في مصر (عام 1971) وكان موقف البابا شنودة من الكاثوليك واضحا فالرجل (سلفي النزعة) حرم الاشتراك في صلواتهم، فيما يعتبر إشارة واضحة لكونهم مهرطقين (كفره) وظل شنودة حتى وفاته متمسكا بأن ألارثوذكسية هي فقط الرأي الحق، ولعل لذلك كان أحد أسباب صدامه الشهير مع الأب «متى المسكين» الذي كان ضد انقسام الكنيسة وعبر عن موقفه بوضوح، قائلا «إن كل انقسام حدث في الكنيسة معناه أن الإنسان بدأ يعالج أمور الكنيسة بفكر ذاتى عنصرى».

توفى شنودة وخلفه البابا تواضروس على كرسي بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومنذ اللحظة الأولى بدت إرهاصات تشير إلى أن هذا الرجل تنويري ويتحرك صوب تقارب الكنيستين، وكان حضوره حفل تنصيب الأنبا إبراهيم إسحق بطريرك الأقباط الكاثوليك وإلقائه كلمة في الاحتفال إشارة واضحة لموقفه.

لم يكتف تواضروس بذلك فقط بل تحرك في زيارات بدت كلها انفتاحية فزار اليونان بعد قطيعة أكثر من 25 سنة بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية واليونانية، ثم ذهب إلى القدس بنفسه لحضور جنازة الأنبا إبراهام مطران الشرق الأدنى، الرجل تجلى انفتاحه وميله لإخراج الكنيسة من فكرة الفرد إلى المؤسسة وبعد أن كان البابا شنودة يتصدر المشهد دائمًا، أصبح اليوم للأساقفة مساحة أكبر للتحرك والظهور.

لكن التحرك الأهم لتواضروس كان في 2013 عندما ذهب لزيارة الفاتيكان، وهناك تحدث مع بابا الكاثوليك عن «توحيد المعمودية».

حتى ندرك أهمية تلك الخطوة، فإن «التعميد» هو: صك دخولك للمسيحية والبعض يعتبره الطقس الأهم من بين 7 طقوس للدين المسيحي والتي تسمى «أسرار الكنيسة السبعة» وهم ( التعميد- زيت الميرون- الزواج- الاعتراف- التناول- مسحة المرضى- الكهنوت).

وانتشرت أخبار أن البابا تواضروس اتفق مع بابا الفاتيكان أثناء تلك الزيارة على (توحيد المعمودية) بين الكنيستين، بلغة أخرى هو صلح واعتراف من كل كنيسة بالأخرى، وأن الشرط الذي اشترطه تواضروس كان إذا اتفقنا على كافة التفاصيل سيكون التوقيع في القاهرة، وهو ما وافق عليه بابا الفاتيكان وحدث بالفعل.

لكن ما إن حضر البابا فرنسيس وبدأت تسريبات عن نية البابا تواضروس للتوقيع على هذا الاتفاق، حتى انقلبت الدنيا رأسا على عقب في الأوساط المسيحية، وبدأت كثير من صفحات الأقباط تشن هجوما على البابا، مما دفع صفحة سكرتارية المجمع المقدس أن تصدر بيانا تستنكر ما وصفته بالأقوال الكاذبة، والإشاعات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي اليوم التالي وقع الاثنان الاتفاق، الذي نشر نصه على الصفحة الرسمية للفاتيكان بشكل احتفائي لما وصف بالمصالحة التاريخية بين الكنيستين.
في نفس الوقت كان الموقف يتأزم هنا والهجوم على البابا يزداد حدة، فليس بالأمر اليسير على الأرثوذكس الذين أمضوا أكثر من ألف عام مقتنعين أنهم هم الرأي الحق تأتي اليوم ببساطة وتقول إننا كلنا عيال الله لا فرق بين كاثوليك وأرثوذوكس!

أحد المقربين من المجمع المقدس والذي يحتوي على ما يقرب من 121 أسقف (هو بمثابة المجلس الأعلى لإدارة شؤون الأرثوذكس) تحدث إلينا شريطة إخفاء اسمه قائلا: المجمع منقسم على نفسه، فالحرس القديم (رجال البابا شنودة) يرون أن ما يفعله تواضروس كارثي وأنه بذلك يهدي الإيمان لفئة مهرطقة (كافرة) وهو ما أثار غضبهم بالقطع، على الجانب الآخر فإن الأساقفة الموالين لتواضروس يرون أن ما يفعله الرجل هو عمل عظيم وتاريخي ويتماشى مع تعاليم المسيح.

يضيف المصدر، أن الحرس القديم لن يستطيع اتخاذ قرار بعزل البابا (الانقلاب عليه) أولا بسبب وجود رجال له داخل المجمع، ثانيا بسبب الأحوال السياسية التي تمر بها البلاد الآن، لذلك لجأوا لتسريب القصة لصفحات موالية لهم وهو ما أشعل الموقف وأثار الشجار الحالي على المنتديات والتجمعات القبطية، والهدف هو الضغط على البابا وإحراجه للتراجع عن موقفه، وهو ما بدا أنه وارد، خصوصا بعد أن بدأت نغمة جديدة تتردد أن التوقيع هو اتفاق على المناقشة ليس إلا، لكن المعارضين ردوا بأن الصيغة واضحة ولا داعي للتلاعب معنا بالألفاظ.

على جانب آخر هناك أصوات في المنتصف ترى أن ما فعله تواضروس ممتاز، لكن قرارا بهذا الحجم لم يكن من الصواب مطلقا اتخاذه منفردا في الغرف المغلقة، ثم تفاجأ شعب الكنيسة به، كان الأحرى بك طرحه للنقاش المجتمعى أولا وتهيئة الرأي العام الأرثوذوكسي له ثانيا قبل المضي قدما في التوقيع.

وبعيدا عن صحة المواقف من عدمه، فالوقائع تقول إننا أمام رجل قرر منفردا تفكيك لغم زرع منذ أكثر من 1500 عام، لغم لو نجح في تفكيكه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه، أما لو فشل فقد ينفجر في وجهه ويطيح به من على كرسي البابوية أو يسبب له حرجا بالغ غير مسبوق.

الأيام القادمة تحمل لنا الإجابة عن السؤال، أيهما أقوى البابا أم اللغم العتيق……. لغم التعميد

شاهد أيضاً

أونتاريو تعلن موافقتها بشأن الرسوم القانونية في قضية برنامج الدخل الأساسي

كتبت ـ أمل فرج  أعلنت حكومة أونتاريو مواقتها على سداد 320 ألف دولار، كرسوم قانونية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.