السبت , أبريل 27 2024

ماجدة سيدهم تكتب : كعب عالي

ملل متكرر كل نهار وحتى انصراف النجوم لمخدعها، حين اتجهت إلى المطبخ كاد الحليب على الموقد أن يفور وينزلق بمقدار الرغبة في الاسترخاء بعد نوم مجهد ، ليس ثمة أروع من استرخاء الصباح وقبل أي نهوض متتالي للأسرة والتشابك مع المتطلبات اليومية المتلاحقة ، إعداد الفطور من الأمور المحبببة ..ربما لأنها خفيفة التحضير .. القهوة ..الحليب ..البيض ..الجبن .. قطع الخبز المحمص وبعض من بسكويت .. همّ الجميع وغادر كل منهم إلى اتجاهه .. بينما لازلت تتمم بدورها مكارم التزاماتها وإحكام البيت واتساقه ،

ليس أسوأ من مؤامرة كل وقاحات الأطباق المتراكمة في مغطس الأكواب والصحون ، تتأكد من ترتيب الملابس في أماكنها والمكتب المشترك بين الأبناء ، وما تبقى من عجلة يكفي للهرولة في تحضير بعض الشيء لوجبة الغذاء ..هذا بالطبع بعد عناء العودة من العمل عبر طرق مطعونة بالسوء والزحام والانتهاك أيضا.. “يا إلهي الوقت يأكلني وليس ثمة لطف مع ماكينة البصمة ، صماء ، لا تعرف أين أسكن وكيف أقطع الطريق عبر عدة مواصلات أفضلها ردئ وأغلبها يتعطل ، لكنه طريق كل يوم وحتى مطلع مرتب أخر الشهر ..الأمر يستحق احتمال كل الصبر ، ربما الشهر القادم أفضل حالا ، سأدبر احتياجات مؤجلة ومهمة، أشهر قليلة وأتخلص من كافة الأقساط الآكلة

، التعامل مع محلات الجملة أكثر وفرا، لست في حاجة ملحة لحقيبة يد جديدة ، نؤجل تجديد شاشة التلفاز هذا الشهر أيضا ،لابأس فالسنة الدراسية تحتاج للهدوء والتركيز، يا إلهي بات تجديد الغسالة أمرا متعثرا ،على ما يبدو لا مناص من التصالح مع الأقساط مجددا ، الحمد لله الزي المدرسي لا يرهقني، ليتها تعمم فكرة الزي الموحد في كل مؤسسات العمل والجامعات أيضا، نوحد ملابسنا وطعامنا ومشاويرنا وأحلامنا طالما أن هذا التنوع يختصر من أعمارنا ..يؤرق مضاجعنا ..وعلى ملامحنا يجملنا بالإجهاد ، ربما يتبق من مرتباتنا ما يخفف عنا لشهر آخر “.. كانت تتحدث في نفسها حين أغلقت الباب وعلى الدرج تهرول ..

الساعة تقترب من الثامنة صباحا حين توقفت فجأة تنصت لصوت يتدحرج عن قدميها .. طق طق طق ..كعب عالي .. انتبهت وكأنها لأول مرة تكتشف أن لحذائها كعب ” هذا الصوت لحذائي ” مددت ساقها ” هذه قدمي .. نعم هي قدمي وهذا حذائي..كيف لم انتبه أنه بكعب ” ولما مالت برأسها تتأكد من روعة انسيابية رقته.. راحت تهبط الدرج على مهل كي تجيد الإنصات لموسيقاه والتعرف علي إيقاع النزول، إيقاع مذهل.. ساحر ورشيق، أنثوي جدا …طق ..طق ..طق ” لا بأس سأصعد مجددا وأكرر النزول ببطء ” فعلتها مرات وفي حياء تضحك ” يا له من وقع ساحر ..غامض .. سهمي الهدف للإدراك ”

هكذا بالإنتشاء راحت تكرر احتساء الصعود والهبوط بنضج الانتباه وروعة المفاجأة ، خف وزنها جدا، كادت تنادي اسمها بعلو الصوت كي توقظ في زحمة روحها ميدانا مخيفا من السكوت الأثيم بينما تحررت خلاياها من رباط الوقت وعناء الالتزام ” اللعنة على سجن مواقيت العمل وكل ماكينات البصمة البلهاء ”

هرعت تفتح باب غرفتها وأمام المرآة كشفت عن ساقيها ، تتأملهما مستديرة للخلف ثم تقف باستقامة قبالة صورتها تتعجب كيف لم تنتبه أنها تمتلك ساقين هكذا جميلين .. راحت تدق الأرض برقصات عشوائية ..تتلذذ لحفلة ايقاع الحذاء .. تصيح بانتصار الصبيات الفائزات بموعد حب ” كم هذا رائع.. ساقاي يقودان سيمفونية رائعة ..طق طق طقطقات ..يالله ”

استقام تجعد ظهرها وعنها زالت كل مسكنات الوهم وإلى الجسد تسللت برحابة رشاقة أنثي كادت تنساها لولا .. ، ذاب الوقت في ماء الموسيقا الفطري للركض .. لعزف كعب فوق كل مساحات البيت بأكمله ، حررت انتحار شعرها ..تذوقت طعم المرح ولما دقت الثامنة كانت كجمهور من النساء تثور  وترقص ..

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.