الخميس , مارس 28 2024
Amal farag
أمل فرج

الموت القاتل .

بقلم/ أمل فرج
تزدحم أصوات الصراعات في أرجاء العالم ، وتعلو موجات الكوارث البشرية فوق كل شيء ، إجتماعات ومناقشات ونزاعات ، صولات وجولات ، قوانين ومقترحات ، أفراح، ومآتم، رقص وضحك ، ونحيب وبكاء ، …ويظل هو الصوت الأعلى والأعلى ، يظل هو القوة الطاغية على البشر ، لن يعترف يوما بقوانين الكوكب ، لن يرحم صغيرا أو كبيرا ، غنيا أو فقيرا ، جميعنا أمام بطشته سواء ..له حضور مرعب ، له أثر مفزع، وقد يكون قاتلا ، ولكني لا أخافه ، بحجم ما قتل لي من أهل وأصدقاء إلا أنني لا أخافه ، بحجم ما قتل في قلبي الحياة فإنني لا أخشاه قدرما أخشى ذنوبي ، ولست وحدي ، فجميعنا قد لا يخاف الموت ، ولكننا في الحقيقة نخاف الألم ، نخاف العقاب ، نخاف ذنوبنا ؛ فالموت مخلوق لا يقوى أن يصنع بنا إلا ما أمره الله ، قد يصنفني البعض كئيبة أو “نكدية” ، ولكني لا أراني كذلك، فقط أنا أُجبرت على أن أفتح عيني قلبي الغافل مع النبضات الأخيرة التي نبضت بها قلوب عدد من أصدقاء العمر القصير ، وجدت يدي تصافح أنامل الحقيقة لأول مرة ، ليست الزيارة الأولى للموت في حياتي ، ولكنه هذه المرة يقترب جدا مني ، شيء ما ظل يقنعني بعقيدة الأطفال أنه لن يموت غير الشيوخ الذين اشتعل بهم الرأس شيبا ، أما وأن يقترب فجأة ودونما أن نسمع له خطوة واحدة ، فينتزع من بيننا أغلى الرفاق ، في ريعان الشباب وعنفوانه .. حقا الموت هو اليقين الوحيد الذي يحمله هذا العالم ، قد يقتل فينا الموت الحياة ، قد يقتل فينا كل ما فينا ، ولكنه يوقظ بنا ضآلة الدنيا وغدرها ، قد يوقظ فينا عتابا لآدم -عليه السلام- حين قضى الله به أن نغادر الجنة ، ونحتمل قسوة هذه الدنيا ، هي دائرة مغلقة من مجموعة أيام مابين سعادة وحزن ، ولذة وألم، وهزيمة وانتصار ، ويأس وأمل، مابين كل شيء ونقيضه ، وفي النهاية سنجد جميعنا أننا في كفاح مع الحياة أو من أجل الحياة ، سنجد جميعنا أن ما يحزننا له الحفر الأعمق في نفوسنا ، وإن كان للسعادة أثر عميق .. ولكنها سُنة الله لبني آدم في الأرض “خُلق الإنسان في كبد” .. هذه هي حياتنا الدنيا ، التي انشغلنا بها لأجلها وكأن الخُلد لها ، نحارب ، نتصارع ، نفجر ، ندمر دولا لتقوم دول ، ونغلق مساجد ونفجر كنائس ، وندس السم في طعامنا ، ونقتل أبناءنا ، ونغيِّب ضمائرنا ، ونكذب ، ونسرق ، وننافق ، ونرتشي ، ونرشو ، ونضحك ضحكات النصر في وجه الهزيمة .. ولكن أي نصر ؟! إنه الخسران المبين .. إنه الضلال الحق ، إننا نتجرع ويلات زرعنا ، ومرارة حصادنا ..
ألا ارتجعنا ؟ ألا ننتهي من الدنيا قليلا؟ ألا نكتفي من الدنيا أبدا ، حتى تكتفي هي منا ؟! ولكن كثيرا يكون قد فات الأوان لتضمن أن تكون بين يدي الموت بأمان ، ولن تخرج منها بأمان إلا بعفو الله ورحمته ورعايته وستره ورضاه ، ولكي يكون هذا انظر إلى قلبك ” إلا مٓن أتي الله بقلب سليم” ، ثم انظر إلى حياتك وزرعك فيها وغرسك ..
دعونا نهب حياتنا لله ، لا تتوقف عن العمل ، لا تتوقف عما بالدنيا من جمال ، ولكن امنح كل لحظة فيها بما تفعل لله ، استشعر في كل وقت رفقة الله ، حادثه ، واستشعره وهو يتحدث إليك ، وحتى وأنت في أحضان الذنب ، تذكره دائما ، وإن أذنبت وندمت فعدت ، وأذنبت وندمت فعدت ، كن صادقا في كل مرة ، وعد إليه وألقِ إليه بما في نفسك، لا تخجل أمامه من وزرك؛ فهو خالقك وخالق ضعفك ، عودوا إلى الله وإن لم تدعكم الدنيا ، لا أدعو إلى الرهبانية ، ولا هجر الحياة ، ولكني أدعو نفسي وإياكم إلى أن نصحو ؛ فقد طال بنا السبات العميق ، دعونا نستوقف أنفسنا قبل أن يوقفها الموت ، ما أقربه ، أبدا ليس بعيدا .. طال أمد سذاجتنا حين سمحنا للدنيا أن تفتننا بجمالها تارة ، وبقبحها تارة ، وبصراعاتها وبراكينها وزلازلها تارات وتارات .. لن أخبركم بما يجب عليكم فلست أصلح لهذا ، ولست بأفضل منكم ، ولكني أقبحكم ، وأثقل منكم وزرا ، إنما أردت فقط أن أطرق القلوب ، عسى الله أن يتقبلها مني ، ويجعلها لي شفاعة بين يديه ..
أسألكم الدعاء وأنا على قيد الحياة ، ولا تنسوني في دعائكم إن صرت إلى ما صار إليه رفاقي – رحمة الله عليهم- .

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.