الجمعة , أبريل 26 2024

وماذا بعد النجاسة المعنوية ؟!

بقلم / مايكل عزيز البشموري
« هل إذا قابل مسلم مسيحي وسلم عليه هل بذلك ينجسه ؟ وهل من المفترض أن يتوضأ مرة أخرى، بالطبع لا “لأنه نجسني نجاسة معنوية مش نجاسة عينية” » .
هكذا صرّح أحد الشيوخ العاملين بما يسمي « كشك الفتوى » المتواجد بمحطة الشهداء التابع لشبكة مترو الأنفاق ، إلى صحفية  ، لن استرسل فى الكلام حتى لا يطيل بنا الوقت حول حديث ذلك الشيخ أو غيره ، فما يعنيني كمهتم بالشأن القبطي ، أهم بكثير من تصريح يصدر هنا أو هناك ، لان النظرة الدينية إجمالاً لمعتنق أي دين تتشابه بشكل أو بآخر مع معتنقي الأديان الآخرين رغم إختلاف تعاليم كل دين 

للتوضيح على سبيل المثال :

مثال ( ١ ) : يري المسلمون أن المرأة نجسة وعورة ولا يحق لها الصلاة أو قراءة القرآن ، وهو الامر الذي يتشابه الى حد كبير مع معتقد المسيحيون الارثوذكس الذي ما زال البعض منهم متمسك مع نظرائهم المسلمون بالتعاليم المستمدة من الديانة اليهودية ، والذي بموجبها يمنع الارثوذكس المرأة من التناول أثناء فترة الحيض كونها نجسة ، ويتم منعها أيضاً من الصلاة بالإنجيل!

( ملحوظة : هناك محاولات حثيثة لإلغاء تلك التعاليم داخل الكنيسة الارثوذكسية ) .

مثال ( ٢ ) : المسيحي نجس وكافر بنظر المسلم والعكس صحيح ، والبروتستانتي مُهرطق بنظر الأرثوذكسي ، والارثوذكسي وثني وكافر بنظر البروتستانتي ، والأقباط مُهرطقين ومنشقين بنظر الروم الارثوذكس …. إلخ
ويتضح لنا من المثال ( ١، ٢ ) تشابه النظرة الدينية لمعتنق أي دين تجاة الأديان الآخري وهو كما ذكرت أمر لا يهمني ولا يعنيني ولا أكترث له !

وهنا السؤال : ما الذي يعنيني ؟ وما الذي أكترث له ؟

الإجابة : ما يعنيني بالفعل هو نظرة الدولة المصرية تجاة المسيحيون المصريون . وما أكترث له حقاً هو من أي منظور تتعامل الدولة مع مواطنيها الأقباط ؟ ففي الحقيقة نظرة الدولة المصرية تجاة مواطنيها المسيحيين هي نظرة عنصرية وغير وطنية ، فالدولة العميقة مازالت تتعامل مع الأقلية المسيحية بمصر من منظورين :

١- المنظور الأمني :

وهو عقيدة أمنية عسكرية أسسها نظام الرئيس جمال عبد الناصر ، وقد تشبعت تلك العقيدة فيما بعد بالفكر المتأسلم ، وأستمر العمل بها مع الانظمة المصرية المتعاقبة ، فباتت الدولة المصرية تنظر للاقليات الدينية والقوميات المتواجدة على أراضيها بنظرة الشك والريبة ، ومن ثم إعتبار أبناء تلك الاقليات لا يتحّلون بالانتماء والولاء للوطن ، وقد إتخذت الدولة إجراءات أمنية وطائفية بحق تلك الاقليات ، فتم مضايقة الطائفة اليهودية وإضطهاد أتباعها ، وتأميم ممتلكات الأجانب واليهود ، والتضييق على أعمالهم وأماكن تجمعاتهم ، وكل هذا أدي إلى عودة أبناء الاقليات الأرمنية واليونانية والإيطالية واليهودية إلى بلادهم الأصلية ، ففقدت مصر بذلك صورتها الحضارية الذي إستعان بها محمد على باشا في إنشاء الدولة المصرية الحديثة ، ولم يتبقي في مصر سوى الأقباط أصحاب الارض والمسلمون فقط .
ومازالت الأجهزة الامنية والمخابراتية حتى يومنا هذا ، تُمارس نفس ممارساتها بالماضي بحق الاقباط ، فنجحت بذرع جواسيس لها داخل الكنيسة القبطية ، وشكلت مجموعة من المفكرين والمتنصرين والنشطاء للتجسس داخل المجتمع القبطي وتقديم تقارير أمنية عن الهيئات والمنظمات القبطية بالداخل والخارج !

٢- المنظور الديني :

لقد وجد الثلاثة ملايين ونصف المليون قبطي وهو تعداد الاقباط بمنتصف خمسينيات القرن الماضي ، أنهم باتوا بمعزل عن العالم ، وذلك بعد قرارات التأميم التى أجراها عبد الناصر وزملاؤه ، وتلاها طرد اليهود ونزوح أبناء الطوائف الأجنبية لبلادهم الأصلية ، وأشتدت العزلة أكثر بعد هجرة النخب القبطية للخارج ، والممثلة بالمثقفين والسياسيين الأقباط لاسيما طبقة الأغنياء منهم الذي تم تأميم ممتلكاتهم وأراضيهم ، وهو ما ترتب عليه دمار الاقتصاد القبطي ، وضعف دور المؤسسات المدنية القبطية والرقابية كالمجلس الملى وهيئة الأوقاف القبطية وغيرهما ، وقد تسببت تلك الإجراءات إلى قيام الرئيس جمال عبد الناصر بإلغاء وتأميم المجلس الملي العام للاقباط الارثوذكس ، ليُصبح لدي الدولة المصرية معضلة في كيفية تمثيل الاقباط أمامها ، وقد استعاضت القيادة السياسية تلك الإشكالية بتمثيل بطريرك الكنيسة القبطية عن المسيحيون المصريون لديها ، وهو ما يعيد إلى إذهاننا عصر حكم المماليك قبل عصر محمد على باشا ، ويرسخ مفهوم الذمية 

ويتنافي مع دولة المواطنة ، وقد نتج عن هذا التمثيل السياسي حالة من المد والجزر بين الكنيسة والدولة لم يخلو فى بعض الأحيان من الصراع والمهادنة نتيجة عدم تعريف الدور الصحيح الذي يتوجب أن يلعبه كلى الطرفين ضمن السياق الطبيعي المتعارف عليه في المصطلحات العادية ، ليتشكل لنا ملامح النظام السياسي المصري الجديد في عصر الرئيس عبد الفتاح السيسي ، فنرى دولة دينية عسكرية بنكهة مدنية يحكمها ثلاثي « النجاسة السياسية العسكر والأزهر والكنيسة !

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.