الجمعة , مارس 29 2024

ماجد سوس يكتب : في ذكرى النجيب نجيب

عكفت في الفترة الأخيرة على قراءة مذكرات اللواء محمد نجيب أول رئيس لجمهورية مصر و تأثرت جدا بكل ما حدث مع هذا الرجل لمجرد مطالبته بالديموقراطية و تسليم الحكم لحكومة مدنية و عودة الجيش لثكناته .
المذكرات مليئة بالأحداث و قد تأثرتُ في نفسي جدا حين قرأت الحوار الذي دار بينه و بين نجله يوماً حينما دخل الطفل إلى والده يسأله هل أنت يا أبي أول رئيس جمهورية في مصر فأجاب نعم ، لماذا فقال له طفله و هو يبكي و لكن كتاب المطالعة يا بابا بيقول ان عبد الناصر هو أول رئيس جمهورية !! صمت الرجل و حضن إبنه و عجز لسانه عن الرد.
عند إنتهائي من القراءة و في ساعة متأخرة من الليل كنت شاردَ الفكرِ متساءلاً بيني و بين نفسي لماذا لم يكرم هذا الرجل التكريم الذي يليق به و إذ بي أفاجأ و في تزامن عجيب ان يطلق الرئيس السيسي اسم محمد نجيب على أكبر قاعدة عسكرية في الشرق الاوسط فيكون اسمه أعلى مكانة من أسماء الرؤساء الذين أطلق أسماءهم على السفن الحربية في الفترة الأخيرة.
قاعدة نجيب العسكرية العملاقة بنيت على مساحة 18 ألف فدان تضم 1155 مبنى ومنشأة حيوية و قاعدة مؤتمرات كبرى تضم فوجا لنقل الدبابات يسع نحو 451 ناقلة حديثة. 72 ميدانا متكاملا يشمل مجمع لميادين التدريب التخصصي و تشمل مجمع ميادين الرماية التكتيكية الالكترونية باستخدام أحدث نظم ومقلدات الرماية و تضم مدينتين سكنيتين للضباط وضباط الصف وقرية رياضية تضم صالة رياضية مغطاة وملعب كرة قدم وتحتوى على 50 وحدة للطاقة الشمسية و تضم مزرعة 379 فدان بالأشجار المثمرة وأخرى 1600 فدان للنباتات الموسمية.
هكذا شاء الله أن يكرم هذا الرجل فيكون فخراً لأبناءه و للأجيال القادمة
اللواء أركان حرب محمد نجيب يعد قائد ثورة 23 يوليو 1952 التي انتهت بعزل الملك فاروق ورحيله عن مصر، تولى منصب رئيس الوزراء في مصر خلال الفترة من (8 مارس 1954 ـ 18 أبريل 1954)،وتولى أيضاً منصب القائد العام للقوات المسلحة المصرية ثم وزير الحربية عام 1952ثم رئيساً للجمهورية حتى 1954

في 14 نوفمبر 1954 أجبره مجلس قيادة الثورة على الاستقالة،ووضعه تحت الإقامة الجبرية مع أسرته في قصر زينب الوكيل بعيداً عن الحياة السياسية ومنع أي زيارات له ، حتى عام 1971 حينما قرر الرئيس السادات إنهاء الإقامة الجبرية المفروضة عليه ، لكنه ظل ممنوعاً من الظهور الاعلامي حتى وفاته في 28 أغسطس 1984.
و قد كان أول خلاف بينه وبين ضباط قيادة الثورة حول محكمة الثورة التي تشكلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي، ثم بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين وكان من بينهم مصطفى النحاس، فرفض اعتقال النحاس باشا، لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس،وأصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة ومنها مصادرة 322 فدانا من أملاك زينب الوكيل حرم النحاس باشا، كما حكمت على أربعة من الصحفيين بالمؤبد وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية.
قدم محمد نجيب استقالته في 22 فبراير 1954.وفي 25 فبراير أصدر مجلس القيادة بيان أقالة محمد نجيب، لكن بعد إذاعة بيان إقالته على الملأ خرجت الجماهير تحتج عليه وانهالت البرقيات علي المجلس ودور الصحف ترفض الاستقالة. واندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب وكانت الجماهير تهتف (محمد نجيب أو الثورة) وفي السودان اندلعت مظاهرات جارفة تهتف (لا وحدة بلا نجيب)، وانقسم الجيش بين مؤيد لعودة محمد نجيب وإقرار الحياة النيابية وبين المناصرين لمجلس قيادة الثورة.
أشرفت البلاد علي حرب أهلية وتداركا للموقف أصدر مجلس القيادة بيانا الساعة السادسة من مساء 27 فبراير 1954 جاء فيه «حفاظا علي وحدة الأمة يعلن مجلس قيادة الثورة عودة محمد نجيب رئيسا للجمهورية وقد وافق سيادته علي ذلك»، وعاد محمد نجيب مجدداً إلى منصبه كرئيس للجمهورية.
ثم حدثت أزمة مارس 1954 حيث حين بدأ فور عودته إلي الحكم مشاوراته مع مجلس القيادة للتعجيل بعودة الحياة البرلمانية، و ترسيخ الديمقراطية وفي ليلة 5 مارس أصدر نجيب قرارات ركزت على ضرورة عقد جمعية لمناقشة الدستور الجديد وإقراره، وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
في يوم 28 مارس 1954 خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ تهتف بسقوط الديمقراطية والأحزاب والرجعية، ودارت المظاهرات حول البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الدولة وكررت هتافاتها ومنها «لا أحزاب ولا برلمان»، ووصلت الخطة السوداء إلى أن أحمد صاوي رئيس اتحاد عمال النقل دفع العمال إلىى عمل إضراب يشل الحياة وحركة المواصلات، وشاركهم فيها عدد كبير من النقابات العمالية وخرج المتظاهرون يهتفون “تسقط الديمقراطية تسقط الحرية” ، وقد اعترف الصاوي بأنه حصل علي مبلغ 4 آلاف جنيه مقابل تدبير هذه المظاهرات
انهزم محمد نجيب في معركة مارس 1954 والواقع أنها لم تكن خسارته فقط وإنما كانت خسارة لمسيرة الديمقراطية في وادي النيل.
يوم 14 نوفمبر 1954 توجه محمد نجيب من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين لاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية حتى جاءه عبد الحكيم عامر وقال له في خجل «أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية فرد عليهم «أنا لا أستقيل الآن لأني بذلك سأصبح مسؤولا عن ضياع السودان أما أذا كان الأمر إقالة فمرحبا». وأقسم له عامر أن إقامته في فيلا زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلي بيته، لكنه لم يخرج من الفيلا طوال 30 عاما.
أقيمت حول الفيلا حراسة مشددة فظل حبيس حتى أمر بإطلاق سراحه الرئيس السادات عام 1971 . ورغم هذا ظل السادات يتجاهله تماما .
بتاريخ 21 أبريل 1983 أمر الرئيس حسني مبارك تخصيص فيلا في حي القبة بمنطقة قصر القبة بالقاهرة لإقامة محمد نجيب، بعدما صار مهددا بالطرد من قصر زينب الوكيل نتيجة لحكم المحكمة لمصلحة ورثتها الذين كانوا يطالبون بالقصر
تُوفي محمد نجيب في 28 أغسطس 1984 بعد دخولة في غيبوبة في مستشفى المعادي العسكري بالقاهرة، أثر مضاعفات تليف الكبد. بعد أن كتب مذكراته شملها كتابه كنت رئيسا لمصر، ويشهد له أن كتابه خلا من أي اتهام لأي ممن عزلوه.
على الرغم من رغبة محمد نجيب في وصيته أن يدفن في السودان بجانب أبيه، إلا أنه دفن في مصر بمقابر شهداء القوات المسلحة في جنازة عسكرية مهيبة، من مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر وحمل جثمانه على عربة مدفع، وقد تقدم الجنازة الرئيس المصري حسني مبارك شخصيا وأعضاء مجلس قيادة الثورة الباقين على قيد الحياة .

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.