الجمعة , أبريل 19 2024

إيليا عدلي يكتب : سألوم السيد بلوم!

يسعى النظام في تلك المرحلة لتطوير التعليم.. نعم إنه كذلك، وعندما تقرأ مني هذا الكلام قد تنعتني بأي صفة معلبة من تلك الصفات المتوفرة لمن يمتدح النظام بلا فهم. لا يا عزيزي.. لن أنكر أنني ولدت وتربيت على مرض اليقين الغير قابل للشك، كما أجدادي، ولكنني أسعى للعلاج منذ زمن وأدعي بأنني أتشافى بسرعة، والآن أفكر ببعض الموضوعية المتوفرة لكائن شرق أوسطي، وأرجو ألا تفهمها على أنني من العصور الوسطى.. أو افهمها كذلك لو شئت؛ فلا أستطيع أن أجزم لك أننا تخطينا العصور الوسطى فكرياً وثقافياً.. من قلب الأحداث، كمعلم في وزارة التربية والتعليم، أرى ما قد يمنحنا الأمل في نية حقيقية لتطوير المنظومة التعليمية، ومن خلال التدريبات التي أدخلها بنهم وإقبال سنوياً أستطيع أن أرى جلياً الفرق بينها الأن وبين ما كانت عليه بعصور سابقة، من حيث الجدية واستخدام المنهج العلمي للمدربين وروح الحداثة فيما يقدمون، بغض النظر عن الاحباط العام للمعلم المتلقي للتدريب، فالمعلم الآن يحصل على أقل راتب في الدولة، لا تكفي أكثر من إيجار شقة بسيطة وفواتير المياه والكهرباء ومواصلاته الخاصة.. فقط!

وبغض النظر عن الوعود المتتالية برفع راتب المعلم من خلال قانون جديد للتعليم، قارب على الاختناق داخل الأدراج منذ أكثر من خمسة أعوام، اتمنى أن يكون لازال على قيد الحياة؛ فلي زميل فاضل أمازحه كل عام بأن القانون سيطبق العام التالي.. خمس مرات أفعلها كما أقول له بفوز الزمالك بالدوري، حتى أصبحنا وسنظل جميعاً أوفياء.. حتى يتحقق الحلم، تطبيق قانون التعليم الجديد وفوز الزمالك بالدوري، واتمنى ألا يقوم مجلس الوزراء بربط الاثنين ببعضهما لأن المعلم قارب على التسول!

وحينما فكرت أن أحدد على من ألقى اللوم في تعطيل المسيرة، بدأت – كمعلم – بالعصف الذهني لتنظيم أفكارى فامتلأت القائمة وامتلأ قلبي غماً، فهربت بذهني نحو النقاط المضيئة داخل مهنتنا النبيلة؛ فوجدته.. إنه الأستاذ الفاضل “منسي عبدالودود” معلم التاريخ، الذي أحببته حبي للتاريخ، وأحببت حضور بعض حصصه، كزميل يقيمه، حباً في طريقة عرضه للتاريخ كما ينبغي، فهو لا يفعل كالباقين الذين يجعلون التلاميذ يحفظون المعلومات التاريخية، ويحشرونها داخل عقولهم، ويحملونها كحمار يحمل أسفاراً، بل ارتفع بهم بمنهجه العلمي الذي أصر على تنفيذه رغم الصعاب.. ناقشته: ما هي استراتيجيتك التي تستخدمها؟ فأجابني بأنه يستخدم تقسيم “بلوم” للأهداف.. لولم تكن معلماً عزيزي القاريء فأوضح لك أن “بنجامين صمويل بلوم” عالم النفس التعليمي الأمريكي، صنع تقسيماً بارعاً لأهداف التعليم، تم تطويرها نحو التدرج مع المتعلم كالتالي: التذكر ثم الفهم ثم التطبيق ثم التحليل ثم التقييم ثم الإبتكار.. وهكذا الأستاذ منسي اعتاد أن يطرح على تلاميذه المعلومة التاريخية، يحفظونها ويفهمونها ثم يطبقون عليها ما يناسبها من العصر الحديث أو ربطها ببعضها ثم يقيمونها من خلال التوسع في قراءاتهم التاريخية الحرة دون التقيد برأي المنهج أو الكتاب، والأكثر براعة أنهم يبتكرون حلولاً تاريخية مختلفة ومبتكرة تفترض تغيير الأحداث للأفضل؛ ليعد جيلاً واعياً، عاش حياة فوق حياته بفهمه للتاريخ وتحليله وتقويمه.. الأعظم من ذلك كله أن الأستاذ منسي زرع في نفوس التلاميذ قبول الرأي الآخر؛ فلا تجد بين تلاميذه من يتشاحن مع آخر يريد أن يغير التاريخ حسب وجهة نظره!

لم يفكر الأستاذ منسي في راتبه الصغير، ولم يفكر في رسوبه الوظيفي على درجته الوظيفية المتأخرة، وذهب مع “بلوم” نحو صناعة مواطن واعٍ مبدع.. ولكنه لم يفكر في كم الفساد والمؤامرة من حوله لتعطيل المسيرة.. الأستاذ منسي الآن قابع أمام لجنة تحقيق متهماً أنه يترك التلاميذ يعبثون بالتاريخ ولا يجعلهم يلتزمون بما هو في المنهج فقط.. فهل بلجان التحقيق من يعرف بلوم؟! هل بلجان التحقيق من يدرك كم المؤامرة؟!

عرفت الآن من سألوم على تعطيل مسيرة الاصلاح.. إذا لم يخرج الأستاذ منسي من التحقيق مكرماً مكافئاً، سألوم السيد بلوم!

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

لوبي باراباس الجدد ..!

لماذا لم يفكر هؤلاء الاشاوسه في نشر فيديوهات للأسقف مار ماري عمانوئيل ضد المثلية والبابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.