الثلاثاء , أبريل 16 2024
صلاح عبد السميع
دكتور صلاح عبد السميع عبد الرازق

الدكتور / صلاح عبد السميع عبد الرازق يكتب تربية الإرادة فى الحكم والأمثال .

قد يسأل سائل ما الإرادة؟ ولماذا تضعف ؟ وما المقومات التي تحقق إرادة فاعلة؟ وما واجب الدولة وواجب المؤسسات نحو تربية إرادة حقيقية تدفع الجميع إلى الانتماء والعطاء بعيداً عن المصالح الفردية ؟ .
ولما كان الصيام نموذجا عملياً لتربية الارادة لدى الصغار والكبار ،فإن رمضان يمثل ورشة عمل حقيقية للتدريب على تربية ارادة لدى أبناء المجتمع ولدى الأمة بأسرها ، ولهذا وجب علينا أن نستثمر ثمار تلك التربية التى تأتى كل عام فى رمضان لننميها ونرعاها لكى تثمر فى كافة مناحى الحياة ، ولكى تترجم الى افعال وممارسات حقيقية تسعى للنهوض بالمجتمع .


الإرادة ببساطة مشتقة من كلمة (أريد) وهي قوة كامنة في داخل ذواتنا مصدرها الرغبة في التغيير للأفضل وتحقيق شيء ما نطمح له ويبعث على الراحة أو يزيل شيئا سلبيا في حياتنا، والإرادة تبعث على التحرك والعمل حيث تكون هي الشرارة الأولى بعد وجود الفكرة الأساسية.
يجب أن نعرف أن إرادة الإنسان شيء جزئي وغير مطلق، بل مقيد بأمور ايجابية وأمور أخرى سلبية، ويجب أن نعلم أن الإرادة المطلقة الوحيدة في الكون هي لله وحده سبحانه وتعالى، هذا يجعل الإنسان أكثر واقعيه .


وتعرف الارادة في الفلسفة بأنها التصميم الواعي للشخص على تنفيذ فعل معين أو أفعال معينة.
ويجب أن نعرف أن إرادة الانسان شيء جزئي وغير مطلق. بل مقيد بأمور ايجابية وأمور أخرى سلبية. ويجب أن نعلم أن الإرادة المطلقة الوحيدة في الكون هي لله وحده سبحانه وتعالى. هذا يجعل الانسان أكثر واقعيه.
وتعتبر الارادة الالهية إرادة مطلقة في الخلق والتدبير والتشريع والتسخير, والحساب والجزاء, ولذلك تسمى أحيانا باسم المشيئة الإلهية وإن كانت لفظة المشيئة لم ترد في القرآن الكريم وإن وردت مشتقاتها, وفي ذلك يقول ربنا تبارك وتعالى :
آ{ إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ*} (النحل:40).
{ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُم وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*}آ (النساء:26).
{….إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ *} (هود:107).
النوع الثانى من الارادة يتمثل فى ارادة المكلفين ( العقلاء ) من خلق الله :
والارادة الانسانية منها ماهو داخلى ويتمثل فى قدرة الانسان على التحكم فى رغباته وشهواته ، كما هى ارادة الصوم ، وهناك ارادة خارجية تتمثل فى قدرة الانسان على مواجهة الصعوبات التى يواجهها فى حياته بنجاح

 


وعلى ذلك فإن الإرادة بالنسبة للمكلفين هي تنفيذ لقرار ذاتي بناءً على معرفة وخبرة وتربية مسبقة, انطلاقا من الإيمان بحقيقة الابتلاء, وبأن الإنسان مخلوق مخير ذو إرادة حرة.
وبناءً على هذه الإرادة الحرة جاء التكليف من الله (تعالى) لاختبار هذا المخلوق المكلف في استخدام إرادته الحرة ليقيم الله (تعالى) الحجة على كل فرد من أفراد خلقه المكلف بعمله حتى يميز الخبيث من الطيب لأن الخبيث يستخدم إرادته الحرة في ميادين الشر, (إرادة التدمير) والطيب يستخدم هذه الإرادة في ميادين الخير (إرادة التعمير).
والقرآن الكريم يوضح ذلك بقول الحق سبحانه وتعالى :
{مَن كَانَ يُرِيدُ الحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ*} (هود:15) .
{مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً آ مَّدْحُوراً* وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً*كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً*} (الإسراء18-20).
والسؤال الآن ما السر الذي يكمن خلف تلك الإرادة التي يمتلكها المواطن في العالم المتقدم حضارياً وعلى سبيل المثال وليس الحصر في اليابان أو فى الصين أو في أوربا وأمريكا ؟ لعل الإجابة تكمن في الإرادة التي تمثل قوة نابعة من الداخل ولكن تلك القوة لم تكن وليدة اللحظة ، إنها نتاج منظومة متكاملة ونتاج تخطيط ورؤية واضحة على مستوى الدولة ، ورعاية صحية ونفسية لأبناء الوطن ، نتاج بيئة محفزة ترعى الأطفال والشباب وتوفر لهم سبل النهوض الحضاري ، وتوفر للجميع نمط معيشي يضمن لهم الانتماء والعطاء لوطنه .
ترى هل تساهم المؤسسات التربوية والإعلامية والدعوية والثقافية لدينا في شحذ الهمم ودفع المجتمع إلى أن يمتلك مقومات تحقيق إرادته ؟ هل يتم بث روح الإرادة في نفوس الشباب لكي ينتمي لوطنه ولأمته ولكي يسعى إلى الارتقاء بنفسه وبمجتمعه؟ ما السبيل للخروج من دائرة الإحباط إلى دائرة التفاؤل ؟ أسئلة كثيرة تحتاج إلى أن نصدق مع أنفسنا أولاً ثم مع من حولنا حتى تصبح الإرادة نابعة من الداخل وليست مجرد شعارا يرفع في المنتديات والمحافل، نحتاج إلى صدق مع النفس ومع الآخر ، نحتاج إلى مواجهة فساد النفس ثم مواجه الفساد بشتى أنواعه بعيداً عن المحسوبية ، نحتاج وبشدة الى أن نوظف طاقات الشباب وما أكثرها إن أحسن توظيفها فى الواقع المجتمعي .
وقد يسأل سائل ما أسباب ضعف الإرادة؟ والجواب من خلال استقراء الأدبيات التي تناولت الموضوع والتي توصلت إلى مجموعة من الأسباب منها :
ضعف الايمان وغياب التوكل على الله ، وطبيعة الشخصية فهناك الملول بطبعه أو ضعيف الارادة وكذلك الشخصية الاعتمادية التى تعتمد دوما على غيرها ، كما يساهم الاكتئاب المزمن فى ضعف الارادة ، والارهاق والتعب والأمراض الجسدية ،والمخدرات ، وعدم التخطيط وعدم وضوح الرؤية ، وغياب الصحبة الصالحة وغيرها من الأسباب .
ومن العوامل التى تساهم فى تقوية الارادة ورفع الهمة :
الحرص على كسب العلم النافع والعمل الصالح ، وعلو الهمة والالتزام بمكارم الأخلاق ، والصحبة الصالحة ، والظروف البيئية والاجتماعية الصحية التى تتوافر فيها الحريات وتطبق فيها العدالة الاجتماعية على كافة أفراد المجتمع .
ومن المقومات التى تساهم فى بناء الإرادة :
* ابدأ وثق بالله ثم بنفسك وقدراتك .
* توكل على الله وكن متفائلاً .
* لاتتردد .
* لاتستعجل في طلب النتائج .
* لاتزعم الفشل وأنت لم تحاول إلا مرة واحدة .
* لاتلتفت إلى الرسائل السلبية منك أو من غيرك ( مثل : أنت لاتصلح لهذا العمل .. سبق أن جربت ولم أنجح .. أنت فاشل … الخ ).
ولعل قصة هذا الهندى ” Dashrath Manjhi” والذي كان يسكن في قرية نائية ومعزولة في الهند وقد أصيبت زوجته إصابة خطيرة جدا وبسبب بعد المسافة بين المستشفى والقرية والطريق الطويل المعوج (70 كيلومترا) لم تصل سيارة الإسعاف في الوقت المناسب وماتت بين يدي زوجها وهو عاجز لا يملك من أمره شيئا، وقد طلب من الحكومة أن تشقّ نفقا في الجبل لاختصار الطريق إلى القرية حتى لا تتكرّر هذه الحادثة لأناس آخرين ولكنّها تجاهلته؛ فقرّر هذا الفلاح أن يتصرف بنفسه لكي ينهي تلك المأساة التي يعيشها هو وأهل قريته؛ فأحضر فأسا ومعولا وقرر الحفر بيديه طريقا صخريا بريا بين الجبل. سخر منه جميع أهل القرية واتهموه بالجنون، وقالوا إنه فقد عقله بعد وفاة زوجته، ولقد أمضى 22 عاما ( من 1960 إلى 1982) يحفر في الجبل، يوميًا من الصباح إلى المساء، دون كلل ولا ملل، ولا يملك إلاّ فأسه ومعوله وإرادة تواجه الجبال وصورة زوجته في ذهنه وهي تموت بين يديه،
ونجح في الأخير في أن يشقّ طريقا في الجبل بطول 110 أمتار، وبعرض 9 أمتار، وبارتفاع 7 أمتار، لتصبح المسافة بين قريته والمدينة فقط 7 كيلومترات بعد أن كانت 70 كيلومترا؛ وأصبح باستطاعة الأطفال الذهاب إلى المدرسة وأصبح بإمكان الإسعاف الوصول في الوقت المناسب.
لقد فعل هذا الرجل بيديه العاريتين وبإرادته التي تغلب الجبال لمدّة 22 عاما ما كانت تستطيع أن تفعله الحكومة في 3 شهور، وقد سُمّي هذا الفلاح برجل الجبل، وتمّ إنتاج فيلم سينمائي عنه يروي قصّته.
و بعدها أقول لكم أن الإرادة تغلب المستحيل .
ومن الحكم والأمثال التي تؤكد على قيمة وأهمية الإرادة كمقوم أساسي لبناء الإنسان ولنهضة المجتمع والوطن والأمة:
الإرادة قوة
إذا عزمت توكل
لا مستحيل تحت الشمس
رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة
إن المرء هو أصل كل ما يفعل
التشاؤم طبع والتفاؤل إرادة
الإرادة القوية تقصر الطريق
إذا كنت ذا رأى فكن ذا عزيمة
كتب عيسى بن علي إلى المنصور لما هم بقتل أبي مسلم:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا تدبر فإنَّ فساد الرأي أن تتعجلا
فأجابه المنصور:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإنَّ فساد الرأي أن تترددا
من لايقرن إرادته بقوته لا قوة له .
الإرادة هي الفكرة والعزيمة هي الروح .
الإنسان بدون حماسة كالسيارة بدون وقود .
إذا لم تكن لحياتك خطة فأنت جزء من خطة الآخرين
الإرادة كالسيف يصدئة الإهمال ويشحذه الضرب والنزال
الفرق بين المستحيل والممكن يتوقف على عزيمة المرء وإصراره .
إن الذي ينتصر على غيره قوى لكن الذي ينتصر على نفسه أقوى
إذا أهانتك الحياة بارزها بسيف الإرادة وأرسل إليها شاهديك : العمل والصبر .
وأخيراً فإن تربية الإرادة لدى أبناء المجتمع واجب على الجميع ، إن أردنا أن نشارك حضارياً ، فلا حديث عن الحضارة دون إرادة ، وان أردنا أن نستشعر معنى القوة في كافة الميادين ، فلا قوة بلا إرادة ، وان أردنا أن نشعر بقيمة ومعنى الحياة فلا حياة بلا إرادة ، فهل للمؤسسات بكافة أطيافها أن تصدر الإرادة قولاً وعملاً لأبناء المجتمع حتى يستشعر الجميع معنى الحياة ، هل نتوقف عن تصدير العبارات الرنانة والوعود الكثيرة بشأن الشباب ، لنذهب مباشرة الى تهيئة الظروف والفرص لتكون داعمة لتلك القوة التى ان تم تفعيلها نهض المجتمع ، عبر الصناعات الصغيرة ، ومن خلال الزراعة التى كانت نموذجا عبر التاريخ للنهوض الحضارى ، ومن خلال تجارة هادفة تذهب الى التصدير أكثر ما تذهب الى الاستراد ، لنفتح لهم أبواب الحرية لكى ينتموا الى وطنهم كما تفعل الأمم المتحضرة ، إن ذهبا الى الفعل من خلال توفير المتاح من موارد وتوظيفها بشكل فعال بعيداً عن الفساد والتسلط ، وانطلاقاً من إرادة فاعلة شعارها التربية ، وجوهرها ممارسات على أرض الواقع تترجم الأفكار الى أفعال .
والى اللقاء مع نموذج آخر فى الحكم والأمثال .

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

التعليم ـ الرهبنة ـ الإدارة : محاور الأزمة ومداخل الإصلاح

كمال زاخرالإثنين 15 ابريل 2024ـــــ اشتبكت مع الملفين القبطى والكنسى، قبل نحو ثلاثة عقود، وكانت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.