الجمعة , أبريل 19 2024
الكنيسة القبطية
د.ماجد عزت إسرائيل

صفحات من تاريخ الأرمن- رائد الكاريكاتير صاروخان(1898-1977م)

 

د.ماجد عزت إسرائيل

فنان مصري أرميني ولد في(1 أكتوبر 1898م) ببلدة “(أردانوش) “بباطوم التابعة للقوقاز في أقصى شمال شرق تركيا،ولدى لأسرة متوسطة الحال وكان ترتيبه الثالث بين أشقائه الخمسة، وكان والده يعمل بتاجر الأقمشة،ثم ترك هذه التجارة وعمل بتجارة النفط القوقازي،تلقى تعليمه في المرحلة الابتدائية بالقوقاز،وظهر نبوغه وعشقه للرسم عندما أنشأ هو وأخوه الأصغر”ليفون” مجلة مدرسية أرمينية من أربع صفحات صدرت ما بين عامى(1910 – 1912) حيث تولى ليفون تحريرها كلها، أما صاروخان فكان يقوم برسم الصور الكاريكاتيرية. ولم يكن عمره يتعدي أنذاك العشر سنوات. وبعد فترة وجيزة انتقلت الأسرة لمدينة إسطنبول Istanbulحيث أراد والده أن ينشئ فرع لتجارة النفط القوقازي،ولكنه تعرض لخسارة فادحة فعاد إلى لمدينة لباطوم عام(1912م)تاركاً ألكسندر وأخيه ليفون لاستكمال دراستهم بمدرسة داخلية تعرف بمدرسة (المختارين) ثم يلحقا بأسرتهم عقب إنتهاء الدراسة، ولكن في أثناء دراستهم بإسطنبول أنطلقت الحرب العالمية الاولي(1914-1918م). وتعرض الأرمن للمذابح ألارمينية على يد سلطات الدولة العثمانية،وتشرد ما يقرب من مليون ونصف أرمني. ولكن القدر لعب دوره فنجيا ألكسندر وشقيقه من المذابح لأحتمائهم بالمدرسة الداخلية التي كانت ترفع علم دولة النمسا،كنوع من الحماية لها والتي ظلا بها حتي نهاية الحرب وخلال تلك الفترة ألتحق صاروخان بمدرسة ليلية للرسم، وأصدر جريدة ساخرة زينها برسومه الكاريكاتيرية، كما أنه عمل مترجماً للغة الروسية والإنجليزية والتركية بالجيش البريطاني في الفترة من(1918 -1921م)،وأثناء تلك الفترة حاول نشر رسومه بالعديد من الصحف الأرمينيية بإسطنبول. وعندما بدأت الاضطرابات بتركيا 1922م سافر الي” فييينا “ليقيم عند عمه(أراكيل) وهناك ألتحق بمعهد الفنون الجرافيكية بفيينا ما بين (1922-1924) وحصل على شهادة إتمام دراسته بهذا المعهد. وخلال أقامته بفيينا التقى مع المثقف المصري عبدالقادر الشناوي الذي كان مولعاً بالصحافة، وتم الاتفاق بينهما على أن يأتي صاروخان إلى مصر.

على أية حال،خلال عام 1924م قابل صاروخان بفيينا الصحفي المصري “عبد القادر الششتاوي” وهو أحد الناشرين المصريين، الذي كان مولعاً بالصحافة، وتم الاتفاق بينهما على أن يأتي صاروخان إلى مصر. ودعاه للعمل معه بأحدي دور النشر بمصر فوافقه،وجاء الي مصر وذهب إلى مدينة الإسكندرية، وهو يسعي للنجاح،لكنه فوجئ بأن مشروع دار النشر الذي كان يعد له عبد القادر الششتاوي قد تعثر، فرحل إلى مدينة القاهرة وعمل مدرساً بأحد المدارس الأرمينيية ببولاق في ذات العام. وفي عام1927م قرر أقامة أول معرض له في أشكال الوجوه وقدم فيه نحو(90) شخصية أرمينية شهيرة تعيش على ضفاف نيل مصر،مما جعله يجذب أنتباه رئيس تحرير روزاليوسف “محمد التابعي”،وعندما ألتقي بالسيدة” فاطمة اليوسف” أعجبت بموهبته، وظل يمد روزاليوسف بالرسوم الكاريكاتيرية التي تفضح مؤامرات أحزاب الأقلية وتخاذل السرايا وتندد بالاحتلال الانجليزي البغيض، وفي فترة قصيرة تعلم الرجل لغة أهل البلاد، وانحاز إلى البسطاء، وأصبح وفدي الهوى.

وفي عام 1934 ترك “محمد التابعي” مجلة روزاليوسف، أثر خلاف حاد مع صاحبتها وقام بتأسيس مجلة (آخر ساعة) وبالطبع كان صاروخان هو نجم المجلة الجديدة بعد أن رسخ أسلوبه الكاريكاتيري الذي أصبح يعتمد على قوة الحظ، والتقاط الملامح الشخصية المميزة لوجوه المشاهير، علاوة على ابتكاره لشخصية (المصري أفندي) كتلخيص للشعب المصري كله، وقد كان صاروخان موفقاً عندما رسم (المصري) مرتدياً نظارة دلالة على كونه مثقفا، ويمسك بيده مسبحة رمزاً لحسه الديني. يعتبر عام (1946م) عاماً حاسماً في حياة صاروخان حيث التحق بمؤسسة (أخبار اليوم) إثر إفلاس (آخرساعة) التي اشتراها مصطفى وعلي أمين ليلحقاها بمؤسستهما، ومن يومها لا يمكن أن تصدر جريدة الأخبار دون أن تزينها رسوم صاروخان. ومع مجيء ثورة 23 يوليو 1952م إنحاز صاروخان إلى مبادئها الداعية للتحرر الوطني والقومية العربية واحتفى بقيادتها من خلال رسومه الكاريكاتيرية المتعددة. حتي أنه قابل الرئيس “محمد نجيب” ليستأذنه لرسم صورته الكاريكاترية كأول رئيس مصري.

وهنا يجب أن نؤكد أن صاروخان لم يترك مجالا من مجالات التعبير، إلا وساهم فيه بنصيب وافر، ففي مجال الكاريكاتير السياسي أصدر صاروخان عام 1945 كتاباً بعنوان (هذه الحرب) قدم فيه رأيه الساخر وإدانته الصريحة لويلات الحرب العالمية الثانية،من خلال رسومه البديعة. وفي مجال فن البورتريه، رسم صاروخان مئات الشخصيات الشهيرة في كل المجالات، فالبورتريه الذي رسمه لسيدة الغناء العربي أم كلثوم، يثبت براعة هذا الفنان في الإمساك بأدق ملامح الشخصية من خلال خطوط قوية جريئة، لينة أحياناً وحادة أحياناً أخرى، تبرز بشكل ساخر، علاقات أعضاء الوجه مع بعضها، وفي هذا العمل لم ينس صاروخان أن يرسم المنديل الذي كانت تمسك به أم كلثوم دائما عندما كانت تشرع في الشدو أمام الجمهور. هذا، وقد قدرت الدولة المصرية الفنان الأرميني حيث منحه الرئيس جمال عبد الناصر،الجنسية عام 1955م، وقد تم أختياره ضمن أفضل(100) فنان في القرن العشرين من قبل مجلة أستديو”الايطالية “1957 في عام. ظل صاروخان الفنان الارميني في عطائه الفني حتي رحل عن عالمنا الفاني في أول يناير 1977م بعد أن أمتع مئات الآلاف من الناس يومياً برسومه الكاريكاتيرية الناصعة ،تاركاً لنا أكثر من 20 ألف صورة كاريكاتيرية رصدت التغيرات السياسية والمجتمعية في حقبة هامة من التاريخ المصري.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

ع أمل

دكتورة ماريان جرجس ينتهي شهر رمضان الكريم وتنتهي معه مارثون الدراما العربية ، وفى ظل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.