الجمعة , مارس 29 2024
الكنيسة القبطية
د.ماجد عزت إسرائيل

الفلكلور الشعبى المصرى بعد مائة عام على ثورة 1919م

 

د.ماجد عزت إسرائيل

منذ أول مارس 2019م تحتفل مصر بمرور مائة عام على ثورة 1919م، حيث قامت العديد من الجامعات المصرية بعقد العديد من الندوات بخصوص ثورة 1919م،وأقامت دار الكتب المصرية بقاعة على مبارك ندوة عن ثورة 1919م،وشاركت الكنيسة المصرية بحضور القمص “بيجول السرياني” مندوباً عن الكنيسة المصرية، ويقيم المجلس الأعلى للثقافة المؤتمر الكبير بمناسبة مئوية ثورة 1919م في الفترة من(16 حتى18 مارس 2019م) – اعتذر عن عدم المشاركة في هذه المؤتمرات لسفرى خارج مصرنا الحبيبة- هذه الثورة التي اندلعت في 9 مارس 1919م احتجاجا على اعتقال زعيم الأمة “سعد زغلول” باشا ووكيلهالتحقيق استقلال مصر، لم تصحبها فوضى عامة، لأنها كانت ضد سلطة حكم احتلال أجنبي رغم ما صاحبها من هجوم على رموز تلك السلطة، وتخريب بعض المنشآت الأجنبية ساهم فيه بعض رجال البوليس المصري الذين وقفوا إلى جانب الثوار، مما أدى إلى محاكمتهم وطردهم من الخدمة بعد أن هدأت الأحوال.وقد أنهت ثورة 9 مارس 1919م الحماية البريطانية على مصر،وأسست للملكية الدستورية،ومن يتأمل في دستور (1923م) لابد أنه سيتوقف كثيرا أمام النضج الذى صيغت به العلاقة بين السلطات فى هذه المرحلة المبكرة من التاريخ المصرى، وسوف يلحظ تبلور حقوق المصريين وواجباتهم قبل نحو ثلاثين عاما من صدور الإعلان العالمى لحقوق الإنسان. ومن الناحية الاقتصادية وضعت الثورة أسس الاستقلال الاقتصادى بقيام بنك مصر1920م.ومن يتأمل تعانق الهلال مع الصليب يدرك قيمة الوحدة والمحبة التى جمعت بين أقباط مصر ومسلميها، ولقيمة هذا العناق صار هذا الشعار إطارا حاكما لفلسفة حزب الوفد،وأيضًا كانت الثورة هى بوابة الخروج الكبير للمرأة إلى الحياة العامة وتوحدها مع الحركة الوطنية فاستشهدت شفيقة محمد فى الشهر الأول للثورة وصارت صفية زغلول أُمّاَ للمصريين. لم يكن الإنجاز السياسى لثورة 1919 هو الإنجاز الوحيد على الرغم من قيمته الكبيرة، فلقد تركت الثورة آثارهاعلى شتى جوانب الحياة حيث ألهمت العديد من المبدعين المصريين فى مجالات الفنون بشتى أنماطها، وقدمت مادة قيمة للسينما المصرية حيث عبر كل فن بطريقته الخاصة عن تأيده لثورة 1919م- وترك الفكلور المصرى بصمته،وهذا ما سوف نوضحه في السطور التالية.

تؤثر ثقافة المجتمع على الأدبيات الشعبية (الفولكلور) ،لأن ثقافـة المجتمع محصلة الأفكار السائدة بين أعضائه، بالإضافة إلى درجة ومحصلة التعـليم في هـذا المجتمع، ومدى اتسـاق هـذه الثقافة مع الــبيئة الطبيعية والجغرافية والمجتمعية التي يعيشها، ولكل ثقـــافة مظاهر وأبعاد تختلف من جماعة إلى أخرى، حيث تـؤثر فيها عوامـل عـــديدة، وإن لكـل ثقافـة جذوراً ضاربة في أعـماق التاريخ، تختلف من شعب إلى آخر وفـق الـظروف والأحداث التاريخـية التي مر بها كل مجتمـع،وهــــذه الظروف تشكل العديد من المكونات الثــــقافية والفـــلكلورية للمجتمع.

وكلمة “فلكلور” تتكون من مقطعين هما: ” فولك ” بمعنى عامة الشعب، و” لــور” بمعنى معرفة أو حكمة، وقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة فى منتصف الـقرن التاسع عشر الميلادي، وتحديدا فى عام (1846م)، على يد الانكلييزى “وليامز ثومز”عندما استخدم هـذا الاصطلاح كاسم للعلم الذي يدّرس العادات، والتقاليد، والممارسات، والخرافــات، والملاحم، والأمثال الشعبية.

وطوال تاريخينا المصرى العريق، ترسبت فى وجــداننا عـــادات وتقاليد وسلوكيات، وحكم وأمثال شــعبية، جسدت الشخصية المـــــصرية، وهو ما عرف باسم الفــــلكور الشعبى المصرى، وتجلى ذلك خلال ثورة( 9 مارس 1919م)، التى اندلعت فى التاسع من مارس منذ مائة عاماً، نتيجة الشحنة الكـامنة ضد الاحتلال البريطانى منذ عام (1882م)،وجاء اعتقال الوفد المصرى الذى كان يستــــعد للسفر إلى مؤتمر الصلح بباريس الشرارة الأولى فى اشتعالها،واتسمت باشترك جميع طوائف الشعب المصرى.

ومن الفلكور المصرى الأصيل قصة “سعد اليتم” وهوشخصية افتراضية تم تداولها في الموالد والاحتفالات الاجتماعية، وهو شخص تربى بين أحضان قاتل أبيه، وعندما كبر وأصبح شاباً انتقم لأبيه بنوته من مربيه،وهب الناس من جميع النـــجوع والــــقرى وحارات المدن لمبايعته من أجل العدل، وربما يتشابه ذلك مع زعيم ثورة 1919م “سعد زغلول” فهب الناس من جميع أنحاء الأمـــة المصرية لمبايعته عن طريق التوكيلات من أجل المطالبة بحقوق المصريين جميعاً، وتحققت أحلامها بصدور تصريح 28 فــــــبراير 1922م وإعلان استقلال البلاد، وتشكيل أول وزارة برلمانية فى عــام( 1924م)،وظـــل الشعب يسانده حتى رحيله فى عام 1927م،ولا يــــزال بيته المعروف بـ (بيت الأمــة) مصدر إلهام الثوار حتى يومنا هذا.

وتسجل لنا الذاكرة الفلكورية هتاف الشعب أثناء وبعد ثورة 1919م،نذكر منها”يحيا الوفد ولو فيها رفد…” و منادة الشعب على زعيم الثــورة ورفاقه “ســـعد سعــــد يحــــيا سعد….”،و”يا عزيز يا عزيز كبــــه تاخد الأنجليز….” و”الاستقلال التــــام أو المـــوت الزؤام….”. وعندما منعت سلطات الاحتلال البريطاني ذكر اسم سعد زغلول أنشد سيد درويش أغنية ” يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح”. وعندما قرر الإنجليز نفي سعد زغلول للمرة الثانية (إلى جزيرة سيشل بالمحيط الهندي) ترددت الأغنية التي تقول: “قولوا لعين الشمس ماتحماش لحسن حبيب القلب صابح ماشي”، وفي أحداث ثورة الطلاب عام 1935م أى بعد مضى نحو(16)عاماً على ثورة 1919م، هتف الشباب المصري “الاستقلال التام والموت الزؤام” وفي الأربعينيات حينما أثارت انجلترا مشكلة السودان هتف المتظاهرون “مصر والسودان لنا.. وانجلترا لو أقلنا”! وهى هتافات التزمت الوزن والقافية بل والفصحى، ولكن بخفة دم تميز بها المصريون على مدى التاريخ.

على أية حال، تأثر مجال الابداع الفنى والأدبى الذى تفاعل مع الثورة، فبقدر ما ساهمت الأعمال الابـداعية فى الحشد للثورة والتعبير عنها وإيصال رسالتها للجماهير، أو اتخذتها موضوعات لها فى السنوات التالية، بقدر ما كانت التغيرات المجتمعية التى أحدثتها الثورة فى مصر دافعاً لتطور الإبداع الأدبى والفنى. وإذا كان الشعر والموسيقى والغناء، قد واكبا الثورة وعبر عنها وكان أداة للتحريض الثورى فى صفوف الجماهير، فإن الأعمال الروائية المهمة التى اتخذت ثورة(1919م) موضوعا لها ،كانت فى معظمها بعيدة زمنيا عن الحدث ،ولعـــل أجلى التعبيرات الأدبية عن الثورة جاءت من خلال “عـــودة الروح” لتوفيق الحكيم ،الذى انتهى من كتابتها عام(1927م) ونشرها عام(1933م)، و”قنطرة الذى كفر”هي رواية عن ثورة 1919م كتبها الدكتور مصطفى مشرفة في الأربعينيات، والجزء الأول من ثلاثية نجيب محفوظ “بين القصرين” التى نشرها عام 1956م. أما الـفن التشكيلى والذى كانت أجلى تعبيراته عن الثورة تمثال” نهـــضة مصر” لــ”محمود مختار” الذي جمع بين الخاصيتين، ففكرة التمثال كانت وليـــدة اللحظة الثورية وتعبيراًعنها، صنعه محمود مختار وهو في بعثة في باريس على شكل نموذج صغير دخل به مسابقة بين النحاتين وفاز بالجائزة الأولى عام(1920م)، لكن العمل الذى استغرق ثمـــان سنوات،حتى ينتهى كتمثال “في ميدان باب الحديد”، ففي(20 مايو 1928م) أقيمت حفلة كبرى في ميدان باب الحديد (منطقة رمسيس حالياً) لإزاحة الستار عن التمثال . ثم نقل التمثال من مكانه الأول إلى ميدان جامعة القاهرة في عام1955م، كل هذا جعل منه تخليدا ًلها عبر الزمن، كـذلك كان تمثال الزعيم “سعد زغلول” فى القـــاهرة والإسكندرية، لمختار توثيقا ًلحدث الثورة بعد سنوات على وقوعها.

كما عبر المسرح المصري عن وطنيته بمشاركته ثورة 1919م ،من خلال تحريك المشاعر الوطنية لدى الأمـــــة، فهب محمد تيمور مع سيد دروش لتقديم الأوبــــريت المعرب “الزوجة الثانية عشر”، وشارك “يوسف بك وهبى” فى تدشين ثورة (9 مارس1919م) من خلال الذاكرة السينمائة والمسرحية، وتكوين فرقته الشهرة،التى عبر عن طموح الأمــــة المصرية،وهى التى ساهمت بشكل كبير فى حفظ تراثنا الفلكلورى.وظهر من خلال ثورة(1919 م) مدى العلاقة بين الفن بصفة عامة،والفلكلور (الأدبيات الشعبية) بصفة خاصة والثورة، وخاصة فى مجالى الموسيقى والغناء والفـــن التشكيلى، من خلال أعمال الكثير من المبدعين والفنانين.

وبعــد .. مائة عاماً على الثورة ليتنا نعود الآن إلى روح ثورة 9 مارس 1919م، فى شموليتها ووحدتها وتآلفها ،وكفانا اعتداءات على تمـاثيل رموز أمتنا المصرية من سياسيين وأدباء وفنـــانين، نفتخر ونعتز بهم، بل نعتبرهم نموذجاً للشخصية الوطنية المصرية عبر تاريخها العريق.

 

 

 

 

 

 

 

 

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.