السبت , أبريل 20 2024
ممدوح حمزه

دكتور ممدوح حمزة .. وديعة وطنية وقامة عالمية

بقلم / عبد الخالق فاروق الخبير فى الشئون الاقتصادية والاستراتيجية

لسنوات طويلة طوال عقدى الثمانينات والتسعينات ، كنت أتابع كتابات ومقالات الدكتور ممدوح حمزة حول قضايا التنمية ومساهماته الهندسية والتخطيطية فى الكثير من المشروعات المصرية والعربية ، كان بعضها يجذبنى إلى فكر هذا الرجل الذى لم أكن قد تشرفت بالتعرف إليه مباشرة ، وكان بعضها الأخر يستفزنى للرد عليه وإدارة حوار علمى بناء حول بعض أفكاره الجريئة ، والتى قد تبدو للبعض قليلى الهمة أنها مستحيلة .

وأتذكر  أنه فى مطلع الألفية الجديدة ، كانت قد بدأت موجه جديدة لنهب مصر تحت عنوان ( نظام B.O.T ) ، وهو نظام أقرب غلى نظام الإمتيازات الأجنبية القديمة ولكن بثوب قانونى جديد ، ولم ينتبه لمخاطر هذا النظام سوى شخصين ، كان أولهما هو كاتب هذه السطور والثانى كان الدكتور ممدوح حمزة .

كتب الدكتور ممدوح حمزة مقالا فى جريدة الأهرام يحذر من التوسع والتورط فى هذا النظام خصوصا مع الشركات الأمريكية ، وأنحاز هو إلى شركة كهرباء فرنسا لبناء أحدى محطات الكهرباء وفقا لهذا النظام ، ولكن بشروط أفضل مما تقدمه الشركات الأمريكية .

وعلى الفور أستفزنى المقال ، وكتبت ردا على المقال ، أختلف فيه مع ما ذهب إلية الدكتور ممدوح حمزة من حيث المبدأ وأحذر من الاستمرار فى هذا النظام الذى كان يؤدى عمليا  بدلا من استقدام وجذب أموال المستثمرين من الخارج  إلى الداخل المصرى ، يقوم على العكس بنهب أموال البنوك المصرية لصالح هؤلاء المستثمرين .

المهم ذهبت بالمقال إلى المرحوم الأستاذ أحمد يوسف القرعى الذى كان مشرفا على ما ينشر فى صفحة الرأى بجريدة الأهرام ، لنشر ردى على ما ذهب إليه أستاذنا الدكتور ممدوح حمزة ، وأنتظرت لفترة من الزمن ، بيد ان المقال لم ينشر بسبب موقف الأستاذ القرعى ودرجه تحفظه من إدارة حوار نقدى وسجالات فى صفحة الأهرام ، خاصة إذا كانت بين أستاذ كبير وكاتب شاب مثلى . .!!

على أية حال ، ذهبت بالمقال إلى الأستاذ سعد هجرس المشرف على جريدة العالم اليوم ، الذى رحب بالمقال المطول ونشره على صفحة كاملة ليومين متتالين  بعنوان ” مخاطر وتأثير نظام ال BOOT على الاقتصاد المصرى ” بتاريخ 26/4/2001 و 1/5/2001 ، واللذين كانا لهم صدى كبير لدى بعض المسئولين حتى أن رئيس الجمهورية وقتئذ ( الرئيس حسنى مبارك ) أستغل أحد لقاءاته بالمسئولين وحذر من استيلاء المستثمرين على أموال البنوك بحجة تمويل مشروعات ال B.O.T  وطالبهم وقتها بأن لا يزيد نسبة تمويل البنوك لمثل هذه المشروعات عن 25% فقط من الحجم الكلى للاستثمار فى أى مشروع .

ومنذ ذلك الحين وأنا أتابع كتابات الدكتور ممدوح حمزة من بعيد ، حتى وقعت الواقعة فى ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011 . وهنا تعرفت مباشرة على رجل من طراز فريد ، ينطبق عليه تماما وصف المثقف  والكاتب الثورى الإيطالى الشهير ” أنطونيو جرامشى ” بالمثقف العضوى .

فالرجل السبعينى ، الثرى ، والمهندس الذى جابت شهرته الآفاق برسوماته الهندسية وتنفيذه لعشرات المشروعات الإنشائية والعمرانية ، يجلس على الأرض وسط شباب الثوار ، يستمع إليهم ، ويستجيب لمطالبهم ، وينفق من جيبه الخاص لتحقيق أحلامهم وأحلام المصريين بالتخلص من نظام حكم فاسد حول مصر إلى مجرد سمسار إقليمى فى الخارج ، وحولها فى الداخل إلى ضيعة أو مزرعة منهوبة له ولأفراد أسرته ، ورجال المال والأعمال المحيطون به وبأولاده الذين لا يزيدون أبدا على ثلاثة آلاف شخص .

ومن يومها صرنا أصدقاء عن قرب ، نلتقى بين الفينة والأخرى لمناقشة بعض القضايا الوطنية ، قد نتفق غالبا ، وقد نختلف احيانا ، وأتحمل كما كل المحيطون به عصبيته ، وأنفعالاته التى هى تعبير وتجسيد عن عمق مشاعره نحو بلده ، وصدق أيمانه بأفكاره .

وبرغم التضييق الذى تعرض له الرجل من رجال نظام  السيسى ، فى أعماله ومشروعاته ، وحرمانه من العطاءات والإساندات المباشرة بالمليارات ، فقد حافظ الرجل على توازنه ، بل الأغرب والمدهش أنه قد فاجأنا نحن الباحثين والخبراء الاقتصاديين عامى 2016 و 2017 بإصداره كتابين جديدين له يحملان رؤية إستراتيجية ومشروعا فكريا بكل ما تحمله الكلمة من معنى لتنمية مصر على المستويات العمرانية واللوجيستية ، وفى التعليم والصحة والطاقة والتكنولوجيا .

كان الكتاب الأول يحمل عنوان ( الانفتاح على مصر .. تنمية الصحراء الغربية ) الصادر عن الدار المصرية اللبنانية ، والكتاب الثانى عنوانه ( كيف نبنى الوطن .. تشخيص حالة وعلاج ) وصدر عن دار الكرامة .

وبرغم الفارق الهائل بين رؤيته وسياسات اللا أولوية المتبعة منذ عام 2014 ، و أستنفذت أربعة تيرليون جنيه  هنا وهناك ، وحرصا منه على أن لا يبدو متصادما مباشرة مع الجنرال وسياساته ،  أهدى كتابه الأول بتلك الكلمات الجميلة : ( إلى شعب يستحق حياة ومكانة أفضل .. وإلى صانع القرار أملا فى تحقيق آمال الشعب وتحويل الحلم إلى واقع .. وإلى زملائى فى حمزه ومشاركوه سندى ومعارفى ) .

وبهذه الروح الإيجابية والوطنية قدم أفكاره ورؤيته ومشروعه ، ولم يغفر له لدى جماعات المصالح المتحلقة حول رأس النظام ، هذه الكتب ، وهذه الرؤية ، وبدلا من إدارة حوارات وأقامة ورش عمل علمية حول تلك الفكار للإستفادة منها ، رسمت سياسات وإجراءات لمطاردة الرجل ليلا ونهارا ، ولم يخجلوا من تحويله إلى محكمة الجنايات بتهمة الإرهاب لسبب بسيط أنه كتب تغريدة يناصر فيها فقراء وسكان جزيرة الوراق ضد الهجمة الشرسة لجماعات النهب الذين رغبوا فى مصادرة الجزيرة وتحويلها إلى مشروع استثمارى يستمتع به أمراء ومشايخ أمارات الخليج ..

وختاما .. أقول للمصريين والعرب والأجانب فى كل مكان .. أن قضية ممدوح حمزة هى قضية ضمير ضاع وسط زحام أصحاب المصالح فاقدى البصر والبصيرة ، وقضية د. ممدوح حمزة هى قضية وطن وشعب وضع فى أقفاص حديدية ، وأغلق فمه ، وصودرت حريته وطموحه فى مستقبل يليق بشعب أعطى للإنسانية جزء كبيرا من حضاراتها وثقافاتها .. فهل نتركه وحيدا تفترسه ضباع المصالح الفاسدة ؟

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

لوبي باراباس الجدد ..!

لماذا لم يفكر هؤلاء الاشاوسه في نشر فيديوهات للأسقف مار ماري عمانوئيل ضد المثلية والبابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.