الثلاثاء , أبريل 23 2024
عمال النظافة

عمال النظافة في حماية الله .. لا إصابة واحدة بين جامعي القمامة منذ ظهور كورونا والأهرام ترصد حديثهم

أمل فرج

عند مطلع جبل المقطم تقع منطقة «الزرايب»، وهى أكبر منطقة فى القاهرة يقطنها جامعو القمامة، حيث يفرزون المخلفات تمهيداً لبيعها مجدداً للمصانع، من ثم إعادة تدويرها.. الغريب أن حياة هؤلاء فى زمن «كورونا» لم تختلف كثيراً، حيث لا يرتدى جامعو القمامة والعمال الذين يفرزونها الكمامات، أو يستخدمون الكحول، هم يقولون إنهم يسلمون أمرهم لله، حيث لم يصب واحد منهم بالفيروس منذ ظهور الجائحة قبل عام وحتى اليوم.

بالحديث مع العمّال البسطاء لنسمع قصصهم، وتعرف أحوالهم، وتنقل مطالبهم إلى المسئولين، قبل أن تجلس إلى نقيبهم شحاتة المقدس الذى حكى عن يوميات عمال النظافة فى ظل جائحة كورونا.

كانت نجوى محمد (42 عاماً) منهمكة فى العمل الذى تواظب عليه منذ ستة أعوام عندما اقتربنا لنتحدث معها، لكنها رفضت النظر بوجهها إلى الكاميرا، تقول نجوى: «أنا أم لـ5 أبناء وآتى إلى العمل من السادسة صباحاً وحتى الثانية ظهراً»، وبقفاز ممزق تقوم بجمع الزجاج المكسر وإعادته إلى الجوال قبل رفعه، وتوضح أنها لا تخشى من الزجاج، لأنه مصدر رزقها، وتؤكد أنها تحصل على إجازة يوما واحدا أسبوعياً تقضيه مع أسرتها.
سألناها: لماذا لا ترتدين كمامة؟! فقالت إنها تعانى ضيقاً فى التنفس ما يجعل الكمامة مصدرا لزيادة المرض لديها.


وبجانبها يعمل كريم (22 عاماً)، الذى عرفنا فيما بعد أنه خطيب ابنتها، ويبتسم وهو يحكى القصة: «تغيبت الست نجوى فى أحد الأيام بسبب مرضها، فذهبت لزيارتها، وفى بيتها تعرفت إلى ابنتها لتبدأ بيننا قصة حب توجت بالخطوبة».
قبل العمل فى فرز القمامة كان كريم يعمل فى المحارة، لكنه ترك «الشغلانة» بعد أن أصيب بحساسية من مواد البناء، وتوجه للعمل فى فرز القمامة وليغير بعدها عنوانه من بنى سويف إلى القاهرة حيث يعيش الآن، ويحكى عن تعرضه كثيراً للجرح من قطع الزجاج أثناء حمله للأجولة ليرفعها على العربة، ويكشف أنه يحصل على 480 جنيهاً فى الأسبوع، ويتمنى أن توفر لهم الدولة معاشات.
أما زميله رمضان (54 عاماً)، فيقول إنه يعمل منذ 3 سنوات فى فرز القمامة، وكان قبلها مزارعا فى الأردن، وبعد أن توقفت التصاريح للسفر استقر فى القاهرة للعمل فى مهنته الحالية.. ويوضح: نفرز القمامة ونتعرض للكثير من الإصابات لكن نتلقى العلاج فى المستشفى المتواجد فى العزبة، ونحن نرتدى القفازات لتحمينا قدر المستطاع من الزجاج ومن المواد الخطيرة التى قد تكون ملقاة وسط القمامة مثل السرنجات والكمامات والقفازات الطبية التى قد تنقل لنا العدوى بسهولة ولكن الله وحده هو الحافظ.


ويحكى إبراهيم سيد إبراهيم، أنه كان حارساً لعقار لكنه ترك المهنة التى تحتاج إلى يقظة طوال اليوم، إضافة للإهانات التى يتعرض لها من بعض السكان، لينتقل إلى فرز القمامة منذ 6 سنوات ويقول: «أعمل الآن لعدد من الساعات وبعد ذلك أنا حر أفعل ما يحلو لي، وراتبى 80 جنيها فى اليوم كما أحصل على الوجبات الثلاث مجاناً من صاحب العمل».
وعلى الرغم من عمره المتقدم، فإن محمد بكرى (61 عاماً) لا يزال قادراً على العمل بحيوية ونشاط، يعمل فى مجال جمع القمامة منذ عام 1983، ويعيش فى منطقة المنيب بمحافظة الجيزة، ويحضر يوميا فى السادسة صباحاً، وهو من يتولى تعليم زملائه، ويشرح لهم تفاصيل المهنة التى يصفها بالمرهقة لرجل فى سنه، لكنه يؤكد أنه لن يكف عن العمل حتى آخر يوم فى حياته.
وحول خطر كورونا الذى يحاصر العاملين فى هذه المهنة، يقول إن لديهم مناعة قوية تحميهم من الإصابة بالفيروس، إذ يعيشون حياتهم وسط القمامة وهى تعتبر حائط صد بينهم وبين معظم الفيروسات، لكنه يتمنى أن يقوم المواطنون بوضع مخلفات كورونا مثل الكمامات فى كيس مغلق حتى لا يعرضوهم لأى ضرر.
وفى استراحته بمدخل المنطقة جلسنا إلى نقيب الزبالين شحاتة المقدس، لنتحدث معه عن الإجراءات الاحترازية لعمّال النظافة الذين يعملون فى جمع وفرز القمامة، حيث قال: حتى هذه اللحظة لم يصب أحد من عمال النظافة بكورونا أو حتى الأنفلونزا العادية، ولم تسجل المستشفيات أى حالة من جامعى القمامة فى دفاترها!
يواصل: تربينا وسط القمامة، كانت والدتى ترضعنى أثناء فرزها القمامة، لقد اكتسبنا مناعة قوية محروم منها الكثيرون والميكروبات التى دخلت لجسمى أصبحت سداً منيعاً ضد أى مرض.
وللعلم هنا كل مجموعة لهم معلم مسئول عنهم يخبرهم بالتعليمات ومن يخالف تتم معاقبته بفصله من النقابة، وربنا جعلنا سببا لإنقاذ الوطن من كورونا ولم نحصل على إجازات أو راحات حتى فى الأعياد كنا نعمل بكل طاقتنا بل كنا نعمل وكأننا فى حالة طوارئ. مضيفاً: دائماً ما نطالب السكان بوضع أدوات الوقاية من كورونا داخل كيس أسود ويتم ربطه ووضعه داخل كيس الزبالة ووضع الكيس خارج الشقة حتى لا يحتكوا بجامعى القمامة مطلقاً، وتمت الاستجابة من الكثيرين، ما جعلنا نتخطى المرحلة الأولى من كورونا بسلام.
يتابع: جرى التنسيق بينى وبين وزارات التنمية المحلية والصحة والبيئة، على أن يجرى نقل جميع مخلفات كورونا إلى المقالب العمومية ودفنها تحت إشراف لجنة ثلاثية من الوزارات الثلاث، وبالفعل قمنا بدفن هذه المخلفات فى مقلب منطقة «شبرامنت» الذى يخدم محافظة الجيزة بالكامل ومقلب مدينة 15 مايو ومقلب بلبيس.
ويستطرد: بعد أن دخلنا فى الموجة الثانية نحن مستمرون فى تنفيذ نفس التعليمات، لكنى ألوم بعض أجهزة الدولة، فمن المفترض أن تقوم بصرف كمامات وقفازات وأحذية بلاستيكية لجامعى القمامة فهم غير قادرين على توفير هذه الأدوات من دخلهم الشخصي، وعلى الدولة متمثلة فى وزارة الصحة والبيئة صرف أدوات الوقاية من فيروس كورونا لجامعى القمامة.
وتعد القمامة المصرية الأغلى على مستوى العالم، ويخرج منها 40% مواد عضوية، ويشرح ذلك بقوله: القاهرة الكبرى تضم مليون جامع قمامة، 4850 سيارة ميكانيكية، و7250 شركة مصرية وطنية مسجلة فى هيئة الاستثمار، ونقوم برفع 16 ألف طن قمامة يوميا من الوحدات السكنية والمنشآت السياحية فى القاهرة والجيزة والقليوبية من خلال 6 مقالب أولها البراجيل وأرض اللواء والتى تخدم محافظة الجيزة بالكامل، ومنطقة مايو خلف مدافن مدينة 15 مايو وتخدم التبين وحلوان والمعصرة وطرة وطرة البلد، ومنطقة الوحدة الوطنية أمام سجن طرة والتى تخدم التجمعات، ومنطقة المقطم تخدم وسط وغرب وشمال القاهرة، ومنطقة الخصوص وتخدم محافظة القليوبية ومصر الجديدة والنزهة والمرج وعين شمس، ومقلب بلبيس وشبرامنت، يتم تقسيمها إلى 8 آلاف طن زجاج وبلاستيك وألومنيوم وكرتون وزجاجات المياه المعدنية، ونوفر للدولة ملايين الدولارات فى استيراد المواد الخام الصلبة من الخارج، إضافة إلى 6 آلاف طن بقايا طعام يتم استخدامها كطعام للخنازير، و2000 طن غير قابلة لإعادة التدوير يتم دفنها فى الـ3 مقالب التى تم تخصيصها لدفن المخلفات.


يواصل: القاهرة بالكامل أصبحت تحت السيطرة، والأسبوع الماضى كان لنا جولة فى مناطق سور مجرى العيون والسيدة زينب ومصر القديمة، وقضينا على بؤر القمامة، وأحضرنا بعض عمال جمع القمامة وقمنا بتسكينهم هذه الأماكن بعقود رسمية ليصبح كل عامل مسئولاً عن جمع القمامة من منطقته وإذا مررنا بالصدفة ووجدنا كيس قمامة ملقى على الأرض نقوم بتغريمه ومحاسبته. وقد استطعنا بعد عام 2011 تأسيس النقابة العامة للعاملين بالنظافة وتحسين البيئة، واستطعنا توصيل صوتنا للرأى العام.


وتعتبر «عزبة الزبالين» الأفضل بين المناطق الست لجامعى القمامة، فهى عاصمتهم فى مصر وهى الأكبر وتضم حوالى نصف مليون عامل من جامعى القمامة، والباقى يعمل فى مهن متعلقة بالقمامة. أما بخصوص إعادة التدوير أو بيع بعض أصناف القمامة، فنحن لا نضر أحداً ولا أحد يشكو من رائحة القمامة، فنحن نسكن حضن الجبل بعيداً عن المناطق السكنية الأخرى، ولدينا خبراء للتخلص من المخلفات بطرق صديقة للبيئة من دون اللجوء لحرقها أو دفن بقايا الطعام التى قد تلوث المياه الجوفية للأجيال القادمة.


فى حين يصف النباشين بأنهم «أعداء الدولة» بل وأعداء عمال النظافة أنفسهم، فهم طبقة خارجة على القانون وليس لنا أى علاقة بهم، ويقطنون فى المناطق العشوائية مثل بطن البقر وعزبة أبو قرن وعزبة الهجانة، ويقومون بالبحث عن المواد الصلبة داخل الأكياس وترك الباقى فى الطريق، ويبيعون ما يجمعونه ليحصلوا على بعض الأموال، ونحن لسنا الحكومة لإلقاء القبض عليهم أو إقصائهم.


يتابع: حتى نستطيع محاربة النباش اجتمعنا مع محافظ القاهرة اللواء خالد عبدالعال، ورئيس هيئة النظافة اللواء إيهاب الشرشابي، ووضعنا خطة لمنظومة الجمع السكنى الجديدة، بحيث يقوم الزبال بإحضار القمامة من الوحدة السكنية إلى السيارة مباشرة وممنوع استخدام الصناديق حتى لا نعطى فرصة للنباش أن يفرط القمامة فى الأرض، يأخذ منها ما يريده ويترك الباقى على الطريق.

شاهد أيضاً

كندا

كندا تعلن عن خطتها للتعامل مع كمية البلاستيك التي يتم إنتجاها سنويا

كتبت ـ أمل فرج تتعامل كندا حاليا مع كمية البلاستيك التي يتم إنتاجها من خلال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.