الخميس , مارس 28 2024
Cholera
الكوليرا

فى زمن الكورونا رجال يغسلون النساء ، وابن يترك أمه

المهندس محمد توفيق جاد الله القباحى

من عجائب كورونا ورعب الناس وعدم التركيز إنه قد يتصل بك احد الناس يقول لك عندي حالة غسل لا يوضح أهي رجل أم امرأة من الرعب والخوف وعدم التركيز ، لأن احد المغسلين  تم الاتصال به  لكى يغسل حالة في أحد المستشفيات البعيدة وتحمل عناء المواصلات وتعبها , وعندما وصل وجد ابن الحالة يقول الله يرحمك يا امي ,

فقال له وهو تعلو وجه المفاجأة الحالة سيدة ولا راجل ؟ فقال له : هي سيدة . فقال له : انت متصل بي لكى اتي أغسل سيدة ؟ قال : نعم .  ففر من مكان الغسل واتصل بإحدي السيدات لكى تغسلها .

حتي كنت  أضحك معه دائما وأقول له يا مغسل الحريم .

وفى فترات فراغنا كنا نجمع التبرعات لاستكمال بعض المهمات اللازمة للغسل في بعض المستشفيات. مثل الدولاب لوضع الاكفان فيه , كلور للتعقيم , بدل ذات الاستخدام الواحد , بدل ذات الاستخدامات المتعددة , جرادل لملء المياه , جوانتيات ,

ولكن احيانا هذه التبرعات كانت مصدر الخلاف بين المغسلين وبعضهم حيث كل منهم يرى أن تذهب التبرعات الى مكان مختلف عما يراه الآخر و كل فرد يتمسك برايه ولا يريد أن يتنازل عنه  ويعتقد أنه هو الافضل , رغم ما نحن فيه من الجائحة إلا أن التسامح بينا لم يكن كافيا والجدل في الحوار كان كثيرا

من عجائب كورونا أنه حدث تلاحم بين المسلمين والأديان الأخرى في المجتمع ذات يوم اتصل بي احد المغسلين من الأديان الاخرى. وكانوا قبل ذلك قد تكون فريق منهم يقوم بالتغسيل .

وطلب مني في التليفون معرفة مكان مفتاح الدولاب في احدي المستشفيات . حيث قال : إن هناك حالة يريد أن يغسلها , فوضحت له في التليفون أين المفتاح وأين مكان الجوانتيات ؟ وأين مكان الكمامات ؟  والبدل الوقاية ذات الاستخدام الواحد ففتح الدولاب وأخذ ما يكفيه من مهمات الوقاية . ودخل على الحالة لكى يغسلها . فوجدها امرأة  فأعاد الاتصال بي وقال : هي سيدة وسوف اجد امرأة من اهلها من تغسلها ,

وطلب من النساء المرافقات لها ان تغسلها احدهن , فرفضن جمعيهن أن يدخلن الى الغسل او الاقتراب من مكان المغسلة

وكان كلامه لي فيه التليفون به استغراب ودهشه , كيف أنه هو سوف يقوم بتغسيل امرأة ؟

ولكنه قام بالتغسيل  لأنه لا يجد من تغسلها , بعد تغسيل السيدة  وتكفينها طلب منهم ان يأتي أحد لكى يحملها ويضعها معه في الصندوق فرفضوا جمعيا , فقام بحملها ووضعها في الصندوق ثم أغلق الصندوق . وبعد ذلك حملوا الصندوق معه الى السيارة , بعد أن اطمئنوا أنها داخل الصندوق , من الخوف والرعب الابن أو الابنة يهرب من أمه  ويجعل  رجلاً غريباً  يغسلها ويطلع على عورتها خوفا من ذلك الفيروس المجهول .  رأيت في أيام كورونا  الجنازات التي كانت تتزاحم الناس عليها وتتزاحم على صلاة الجنازة. بل واحيانا يحدث مشادات ومشاحنات لأن البعض لم يلحق صلاة الجنازة . رأيت هذه الجنازات لا يوجد بها الا أعداد لا تتعدى اصابع اليد الواحدة .

رغم كل ما مضى الا هناك بعض الايجابيات الرائعة . وهناك اناس مازال الخير فيهم ولا يتركون موتاهم مهما حدث ومهما يكون حيث انسانيتهم وبرا بموتاهم جعلهم لا يتركونهم ابدا .

حيث كانت لدينا جنازة في البلدة . وهذه الجنازة معروف تماما انها كانت في العزل , وآتية من مستشفى العزل من مكان اخر غير مكاننا نحن حيث انتشرت مستشفيات العزل في كل البلاد ,

فعرفت ان بلدنا كلها قد خرجت  عن بكرة ابيها لاستقبال  تلك الجنازة وتزاحم الناس عند المقابر  وحضرت الشرطة واخذت تأمروهم لكى يتباعدوا ولا يتزاحموا في المكان خوفا عليهم من العدوي , ولكن من يسمع ومن يتجاوب  ؟ لا أحد . نهرهم الضابط وعلا صوته فيهم , ولكن لا مجيب له , واخر الامر من اليائس غادر المكان ومن معه وقال لهم انتم وما تفعلون احرار . .

وجنازه أخرى ذهبت ومعي أحد أبنائي في الليل وكان الوقت يقترب من منتصف الليل , كسرنا الحظر المفروض اخترقنا كل لجان الشرطة التي كانت تطبق الحظر , وكانت الشرطة متعاونة تماما ويسمحون بالمرور من خلال اللجان في الليل اذا كنت ذاهبا الى مستشفى , او صيدليه , او جنازة . ووصلت الى المقابر ( او الجبانة بالبلدي ) وجدت البعض يحفرون القبر للميت .

لأننا هنا في هذه الحالة ندفن في قبور شرعيه وليست فسقية كما ذكرت في مقالات أخري.  وهذا القبر هنا يتم بطريق تلحيد الميت , أي وضعه في جانب القبر على جنبه الايمن ووجهه متجه الى القبلة , ثم قفل المكان عليه بالطوب , ثم التراب الخشن , ثم التراب الناعم وردم المقبرة تماما بعد ذلك .

وحدث اتصال بيني وبين اقربائي  لانهم من شهامتهم ذهبوا بأنفسهم جمعيا الى مستشفى العزل لإحضار الجنازة والسير معها , فعرفت من اتصالي أن الجنازة ( كل الجمع المصاحب لسيارة نقل الموتى او كل الناس المصاحبين للجنازة) قريبة من المقابر . فخرجنا في مكان خارج المقابر  لاستقبال الجنازة . وبعد قليل جاء أناس  كثيرون بعضهم  يرتدى كمامة والبعض لا يرتدي , اغلب الشباب كان لا يرتدي كمامة , اغلب الكبار كانوا يرتدون الكمامة . وتزاحمت الناس حيث كان المتوفي حسن السمعة سيرته طيبة , وبعد قليل جاءت الإسعاف التي تحمل المتوفي ورغم علم الجميع ان الميت ميت كورونا الا انهم تزاحموا على موكب الجنازة , وقمنا بالصلاة على الميت  وهو داخل الإسعاف وكانت اعدادنا كبيرة ونحن نصطف لصلاة الجنازة مما جعل المكان يضيق بينا . وبعد ذلك وضعناه في الكرب ومضينا به إلي مثواه الأخير يودعونه بالدموع , أحسست في هذا اليوم أني إذا مت في زمن كورونا سأجد من يغسلني ويدفنني ويلحدني .

أحسست أنه مازال هناك خيراً ونخوة في القري  تجاه موتاهم

أحسست أنهم يعرفون جيدا أن إكرام الميت دفنه , قلت لولدي : أرأيت الخير الذى نحن فيه , هل سمعت ورأيت كل شيء بنفسك ؟ نحن لسنا مثل القري التي ترمي موتاها , أو ترفض دفنهم في المقابر . بعد انتهاء دفن الميت انتظرت الملحد وأخذته إلي بيته أعطيت له بعض الكمامات والجوانتيات وعدنا إلي المنزل , قلت مرة ثانية لابني : هل رأيت الذى نحن فيه ؟ فقال : الحمدلله .

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.