الجمعة , مارس 29 2024
شباب مصريون

التفاهة العدمية المحمولة على حداثة رقمية !

الدكتور عاطف معتمد

ركبت أتوبيس عام للطبقة الوسطى من التحرير إلى أكتوبر.

جلس أمامي شابان يرتديان ثيابا غالية ويبدو من حديثهما أنهما يعملان في شركة خاصة عصرية وفجأة أخرج أحدهما هاتفه المحمول ليسمعا آخر تقليعة في أغنية حمقاء بلهاء.

ودون مراعاة لنا من بقية ركاب الحافلة استمع الشابان المتعلمان للأغنية بصوت ضوضائي في عزف اقرب للنواح يردد فيها المؤدي كلمة واحدة بلهاء وانتابتهما نوبة ضحك هيستيرية رقيعة وظلا لنحو ساعة في تداعيات هذه التفاهة.

في اليوم التالي توجهت لمكتبة حكومية في وسط البلد ومررت بحي شعبي يجمع مدرستين إعدادية: واحدة للبنين وأمامها مدرسة للفتيات.

كان بعض البنين قد جاءوا للمدرسة في رحلة أو حفلة ويحملون دفوفا وطبولا ويصنعون “زفة بلدي” للفتيات ويتنادون باسم ذات الأغنية البلهاء.

في اليوم الثالث ركبت قطارا في رحلة للصعيد في عربة من الدرجة الأولى، في العربة شباب مصريون متعلمون يسافرون معا في رحلة جماعية. كان الشباب يتنادون على بعضهم البعض من آخر العربة لأولها باسم ذات الأغنية البلهاء الحمقاء وكل ذلك مشفوع بضحكات عدمية.

الملايين الذين شاهدوا هذه الأغنية وغيرها وتابعوا احتفاء تلفزيون الدولة بها يعيشون حالة فريدة سأطلق عليها هنا “التفاهة العدمية المحمولة على تقنية رقمية”.

وأرجو ألا يظن أحد أنني هنا أمارس أي نوع من الاستعلاء، بل إن المصطلح الذي صغته يقوم على ثلاثة عناصر كالتالي

التفاهة شعور مريح جدا للنفس، في التفاهة نقول كل الكلام ولا نخبر بأي شيء، في التفاهة لا ندخل في أي التزام سياسي أو أي انتماء أيديولوجي، التفاهة ثورة عرجاء على كل المسلمات.

في التفاهة لسنا وحدنا، بل معنا شركاء بالملايين مثلنا.

الحناجر التي تنطق بهذه الأغنيات تعيش حالة من “العدم” لا تؤمن معها بأن هناك أي جديد في الغد أو الأفق القريب أو المنظور.

العدم هنا يعني أن رؤيتنا للغد وصلت إلى درجة من التسليم بأنه لن توجد مفاجآت على أي مستوى.

أجهزة المحمول والإنترنت التي كان يمكن أن تحدث ثورة في التعليم الجامعي والمدرسي تحقق نجاحا ساحقا في التفاهة العدمية وتصل في كل مكان في مصر: من جحر تحت السلم إلى القصور الفارهة.

للتفاهة العدمية المحمولة على حداثة رقمية فوائد عدة على المستوى اللحظي أو التكتيكي، لكنها بالغة الخطورة على المستوى البعيد، وحين تخرج عن السيطرة ستصيب الجميع بما لا يمكن استيعابه أو السيطرة عليه.

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.