السبت , أبريل 20 2024
آثار الأقصر

205 سنة على واقعة البر الغربي ! الدكتور عاطف معتمد يتحدث عن الأقصر ( 3)

فتح محمد علي أبواب مصر على مصارعها للخبراء والمغامرين الأوروبيين للعمل في خدمته مع منحهم مكافآت مغرية.

كانت حجة محمد علي باشا أن الشعب المصري جاهل متخلف تعليما وثقافة بسبب قرون من الحكم العثماني والمملوكي الذي انكشفت كل سوءاته في الهزيمة الساحقة أمام جيش نابليون بونابرت.

من بين الذين فتح لهم محمد علي أبواب مصر على مصارعها مغامرون ومقامرون وجدوا في هذه البلاد فرصة عظيمة للثراء.

من بين هؤلاء لاعب سيرك إيطالي فارع الطول يقوم بحركات بهلوانية ذكية ومبتكرة على المسرح.

ترك بلزوني السيرك والبهلوانات وجاء إلى مصر ليشارك في عملية نهب الآثار إلى الخارج.

في عام 1816 نجح بلزوني في سحب وجر النصف الأعلى لتمثال رمسيس الثاني من معبد الرمسيوم في البر الغربي بالأقصر على نحو ما توضح الصورة المرفقة، مستخدما عشرات بل مئات الفلاحين البسطاء الذين كانوا يبحثون عن أي فرصة عمل للاسترزاق ولقمة العيش في ظل احتكار محمد علي للاقتصاد المصري.

نقل بلزوني هذا النصف الضخم من التمثال إلى متحف لندن، وأصبح الآن هذا التمثال درة تاج المتحف البريطاني.

في السنة التي كان بلزوني وغيره يقومون بنهب آثار مصر تحت عيون محمد علي باشا ورضاه كانت متاحف العالم كله تتلقى هذه القطع المنهوبة فتؤسس بها متاحفها “الوطنية” في العواصم الأوروبية.

حققت هذه المتاحف القائمة على النهب ثلاثة أهداف عظيمة وحُرمت منها مصر:

تأسيس مدارس علمية قوية انشغلت على مدار قرنين من الزمن بدراسة وفحص كل القطع المنهوبة فشكلت أرشيفا ضخما أقرب إلى بنوك للمعلومات.

السيطرة على علم المصريات من خلال تكوين بعثات دائمة تحتكر مفاتيح الأسرار فتأتي في زيارات موسمية لمصر كل شتاء لتكمل مشروعاتها دون أن تكون لمصر مشاركة حقيقية في العمل.

جني أرباح ضخمة من رسوم دخول المتاحف الأوروبية في العواصم الأوروبية بل وتأجير قطع الآثار المصرية للسفر حول العالم مقابل مبالغ ضخمة تعود على هذه الدول.

قبل ثلاثة أيام وقفتُ أمام النصف الأسفل من تمثال رمسيس الثاني في معبد الرمسيوم بالبر الغربي للأقصر الذي يوجد النصف الأعلى منه الآن في متحف لندن، واسترجعت قصة بلزوني.

تعرفت على قصة بلزوني اول مرة في عام 2008 حين نقلت للعربية مع زميلي د. محمد رزق كتاب “مصر والمصريون” الذي صدر أولا عن “مكتبة الشروق الدولية” ثم تبنته “مكتبة الأسرة” ضمن مشروع القراءة للجميع وقد ألفه اثنان من كبار علماء المصريات في الولايات المتحدة (إيملي تيتير و دوجلاس بريور).

في ذلك الكتاب وفي غيره من الكتب نتعرف على مسيرة طويلة من جذور نهب الآثار في مصر وتوسيع الفجوة الضخمة بيننا وبين الغرب في هذا العلم الذي يشكل أحد العلوم المدرة للدخل، والمدرة للربح، والذي يمكن إن أحسنا الاستثمار فيه أن نحقق فوائد وعوائد كبرى للاقتصاد المصري.

قبل أن أغادر الرمسيوم تطلعت إلى بعثة أجنبية تعمل غير بعيد في إعادة ترميم أحد المعابد القريبة، البعثة تعمل وفق أسلوب علمي مبهر ومدهش ويحقق نتائج عظيمة، لكن مشهد الفلاحين لم يتغير في جر وترتيب الحجارة، لم أجد العمال المصريين سوى في النقل والجر والرفع والحمل، كان “الخواجات”يفعلون كل ما هو علمي وفني من أسرار العمل وبينهم تقف كاميرات قنوات أجنبية تصنع أفلاما وثائقية ستحقق أرباحا فلكية في الشهور المقبلة.

أين المشاركون المصريون؟سألت هذا السؤال كثيرا خلال السنوات الخمس الماضية: من أسوان للإسكندرية ومن المنيا للواحات الخارجة. جاءتني الإجابة في شكل ثلاث تفسيرات:

الدولة بالفعل تعين مفتشين آثار مصريين مع البعثات يعملون معهم كتفا بكتف ويتعلمون منهم لكي يحصلون على الخبرة اللازمة كمرحلة انتقالية ليقودون العمل في المستقبل بأيدي مصرية خالصة.

لكن عدد هؤلاء قليل وتكوينهم العلمي ليس دوما على أسس قوية، فضلا عن أن مرتباتهم ضعيفة مقارنة بمغريات عالّم الآثار المغري المغوي المخيف، والقيود الإدارية عليهم معرقلة فيتركون المكان ويخلون الساحة تماما ويبحثون عن عمل آخر مع ضمان المرتب الهزيل الذي يحصلون عليه كل شهر.

أن المصريين أبرياء من التهمة السابقة وأنهم يرغبون في التعلم وتشرب المهنة من الأجانب لكن هؤلاء الأجانب أنانيون وأحيانا استعلائيون، يريدون الاحتفاظ بأسرار المهنة لأنفسهم ولا يسمحون للمصريين بالاطلاع عليها. يستفيد هؤلاء الأجانب من ثغرات في القانون الأثري تضمن لهم عملهم بشكل حصري دون تدخل من الجانب المصري بما قد يغير من معادلة الاستحواذ والاحتكار المعرفي.

ان التفسيرين السابقين صحيحان ولكنهما من تراث السنوات الماضية وأننا الآن بصدد تغيير النظام إلى مشاركة مصرية فاعلة وأن المستقبل سيشهد بزوغ فرِق مصرية كاملة في العمل، والدليل على ذلك تواتر الأخبار عن كشوفات تقوم بها فرق مصرية وطنية كاملة دون تدخل من الأجانب.

في الختام لا أرى بديلا عما فعلته روسيا قبل عقود طويلة حين وجدت أن ثروتها النفطية هي أغلى الثروات فانتقلت من مستوى كليات البترول وأقسام الجيولوجيا إلى تأسيس “جامعة للبترول والمعادن والجيولوجيا” ضمت فيها كليات ومعاهد وعشرات الأقسام وآلاف الخبراء والعلماء والباحثين والطلاب من باحثي المستقبل.

أليس حريا بنا تأسيس “جامعة الآثار وعلوم المصريات” تضم كليات ومعاهد وأقسام بما يضمن أن يصبح علم الآثار في مصر رافدا مهما من روافد الاقتصاد والتنمية وخلق فرص العمل؟

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

لوبي باراباس الجدد ..!

لماذا لم يفكر هؤلاء الاشاوسه في نشر فيديوهات للأسقف مار ماري عمانوئيل ضد المثلية والبابا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.