الجمعة , مارس 29 2024
مختار محمود

هل كان يجب أن يموتوا أولاً؟

مختار محمود

أعلن محافظ المنوفية اليوم عن صرف 120 ألف جنيه لأسر ضحايا معدية أشمون بواقع 8 حالات. كان ثمانية أطفال استشهدوا غرقًا يوم الاثنين الماضي؛ إثر سقوط سيارة نصف نقل مُحملة بالعمال من أبناء مركز أشمون من المعدية الخاصة بفرع رشيد بمنطقة المناشى بمحافظة الجيزة والتى كانت متجهة لمحافظة المنوفية. تحرُّك المحافظ لم يأتِ في اليوم التالي للحادث المأساوي، ولكن جاء بعد حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى وتوجيهاته بالعمل على عدم تكرار مثل هذه الحوادث. المسؤولون في مصر لا يملكون القدرة على اتخاذ قرارات جادة وجريئة وعاجلة، ولكنهم ينتظرون التوجيهات أولاً، وكأنهم مجرد سكرتارية تنفيذيين، وهذه كارثة-لو تعلمون- عظيمة.

ابتلع النيل جثامين العمال الصغار في لحظة غادرة، ومر يوم وراء يوم وسط تجاهل رسمي وإعلامي مريب، وكأن مَن غرقوا ليسوا من أبناء هذا الوطن ولا ينتمون إلى ترابه. ولم يتعطف المحافظ على الأسر المكلومة ولم يصدر قراراته السخية بصرف مساعدات عاجلة لهم إلا بعد اهتمام الرئيس. لو لم يتكلم الرئيس ولو لم يوجِّه بالاهتمام بمعديات النيل التي تحولت إلى مصائد للموت لبقي المحافظ داخل برجه العاجي متجولاً بالريموت كنترول بين قنوات التليفزيون.

بحسبة بسيطة..فإن إجمالي المبالغ التي سوف تصرفها المحافظة لأسر الضحايا الثمانية يصل إلى مليون جنيه، وهو رقم هزيل جدًا يعادل راتب عشرة أيام للمدير الفني لمنتخب مصر لكرة القدم كارلوس كيروش. تحرُّك المحافظ سوف يتبعه تحرُّك آخر من وزارة التضامن الاجتماعي، وربما جهات أخرى عديدة؛ تلبية لتوجيهات الرئيس، وليس تعاطفًا مع الأمهات الثكلى والآباء المكلومين.

إلى ذلك.. فإن هناك تساؤلات مريرة تطرح نفسها، أبرزها: لو طرق الشهداء الصغار، قبل أن يبتلعهم النيل، باب مكتب المحافظ وطلبوا منه توفير مساعدات ثابتة تمكنهم من الوفاء بمتطلبات دراستهم وتقيهم السفر اليومي إلى محافظ الجيزة عبر الإبحار في مياه النيل؛ بحثًا عن يومية لا تزيد على 25 جنيهًا لكل منهم..هل كان المحافظ سوف يتفضل بالجلوس معهم والاستماع إلى شكواهم والبحث فيها ثم التوقيع بالموافقة؟

هل لو أرسل هؤلاء الصغار استغاثة إلى وزير التربية والتعليم والتعليم الفني يرجونه التكفل بمصاريفهم الدراسية كانوا يجدون آذانًا صاغية واستجابة سريعة؟

هل يجب أن ننتظر لتقع الكارثة وتحل المأساة؛ حتى ترق الجيوب، وتخرج المساعدات، وتنساب الدموع، حتى لو كانت دموع تماسيح؟ هل من الرحمة ترك مثل هؤلاء الصغار، وغيرهم في ريف مصر وصعيدها، للعمل والكد من أجل مساعدة ذويهم وتوفير المصاريف اللازمة للدراسة؟

هل يكون الحادث المأساوي الخطير دافعًا لحكومة الدكتور مصطفى مدبولي إلى التحرك الجاد والفعلي لترميم معديات النيل واتخاذ جميع التدابير اللازمة لعدم تكرار مثل هذا الحادث؟ هل يجب أن يموت الفقراء أولاً حتى يحصلوا على أدنى حقوقهم في وطنهم؟ هل من الرشاد غض الطرف عن مليوني طفل على الأقل- بحسب التقديرات الرسمية- يتعرضون لمعاناة العمل اليومي والقهر الإنساني، وبعدد ساعات أطول من التي يقضيها الكبار، وبمقابل مالي زهيد جدًا، جنيهات معدودة لا تسمن ولا تغني من جوع؟

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.