الجمعة , مارس 29 2024
مختار محمود

أهلاً بكم في تليفزيون المزاريطة!

مختار محمود

ضمن أحداث مسلسل الكبير”..قرر الممثل أحمد مكي إنشاء فضائية ناطقة ومعبرة باسم قريته: “المزاريطة”، وأسماها: “المزاريطة T.V”.

ولأنه عمدة القرية، ولأنه المالك الوحيد للقناة، فقد تحكم في جميع تفاصيلها، وانفرد بوضع سياستها التحريرية وتحديد برامجها وتسمية هذه البرامج. لم يكتفِ “العمدة الكبير” بذلك، بل قرر أيضًا، رغم صوته الأجش وإطلالته المخيفة، أن يتولى تقديم جميع البرامج: سياسية ورياضية واجتماعية وترفيهية. ولأن الأقربين أولى بالمعروف، فقد أشرك الكبير” على استحياء زوجته في تقديم بعض البرامج.

“المزاريطة”، كما جاء في المسلسل، كانت قناة عائلية بامتياز.

لم يكن “الكبير” يؤمن بتعدد روافد الإبداع؛ حتى تتحرر القناة من المحلية وتحلق في سماء القرى المجاورة، ومن ثم إلى العالمية كما كان مخططًا لها..أو كما كان يردد أمام زوجته! “الكبير” كان لا يريد أن يشاركه أحد في إدارة القناة، مرددًا ومكررًا عبارته الخالدة: “جزرة وقطمها جحش”، وترجمتها، حسب أنيس عبيد: “خلص الكلام”!! رغم إن الكوميديا كلها كانت في الأجزاء الأربعة من المسلسل إلا إن “الكبير” أصر على تقديم جزء خامس لم يحقق نجاحًا يُذكر، ومن المقرر تقديم جزء سادس في رمضان المقبل.

“الكبير” ونظراؤه من الكبار في كل زمان ومكان لا يشبعون من المال ولا يملون من المناصب والاستحواذ على كل شيء..وتلك سُنة الله في أرضه وبين عباده. يوم الاثنين الماضي..استضاف عمرو أديب في برنامج “الحكاية” شقيقه الأكبر عماد الدين أديب للحديث معه حول سيناريوهات الحرب الروسية الأوكرانية.

الأخير يقدم نفسه خبيرًا إستراتيجيًا وعالمًا ببواطن أمور السياسة والاقتصاد والجيوش وما يستجد، رغم أنه حقق فشلاً ذريعًا في مشروعاته الشخصية، لا تزال تتحاكى بشأنه الركبان، ولا يزال يعاني بسببه كثير من الزملاء الصحفيين! مشهد “عمرو-عماد” في برنامج “الحكاية” أعاد إلى ذاكرتي الواهنة اللوكيشن الذي جمع من قبل “الكبير” وزوجته ضمن أحد برامج قناة “المزاريطة.

وبطبيعة الحال..تتطوع لميس الحديدي زوجة عمرو أديب لاستضافة “سِلفها” عماد أديب أيضًا في برنامجها الملاكي. أحيانًا..عماد يكون ضيفًا عبر الهاتف على برنامجي شقيقه وزوجته في أمسية واحدة. الإعلام العائلي لا يقتصر على ظاهرة آل أديب بحسب، ولكنه يمتد أيضًا إلى الإعلامي الرياضي أحمد شوبير الذي لم يكتفِ بروافده الإعلامية المتنوعة، بل قرر أن يُكوِّن ثنائيًا عائليًا من خلال ابنته؛ حيث يقدمان معًا برنامجًا إذاعيًا يتحدثان خلاله عن أمور شخصية جدًا ومن بينها:

آخر أخبار حارس المرمي مصطفى شوبير الذي لا يلعب.

هناك نموذج صارخ أيضًا كاشف للهوة السحيقة التي تردى في أعماقها الإعلام المصري وهو البرنامج الذي يقدمه لاعب الزمالك المعتزل خالد الغندور وزوجته، ويتكلمان فيه عن شؤون المطبخ وغسل المواعين.

كل ما يدور في البرامج المذكورة لا يحتاجه المشاهدون ولا يترقبونه.

لماذا لا تقوم “لميس” بدعوة شقيقي زوجها: عماد الدين أديب وعادل أديب على مائدة عامرة في بيت زوجها أو مطعمه الضخم أو مقهاه الفخم ، ويتناقشون جميعًا أثناء تناول الطعام في كل ما يعن لهم من أمور تافهة، ومن بينها الفارق بين البيض الأورجانيك والبيض “اللي مش أورجانيك”؟ ولماذا لا يتلو أحمد شوبير حواديته وحكاياته على أسرته في المنزل، وكفى الله المشاهدين شر الاستماع والمتابعة؟ ولماذا لا يصحب خالد الغندور زوجته في نزهة نيلية أو أمسية ليلية ويتشاكسان معًا بعيدًا عنا؟ المؤسف في الأمر أن عادل أديب يريد فرض ضريبة علينا مقابل استمتاعنا بمشاهدة هذا الغث العائلي السخيف! لقد أفسدت سياسة “أبناء العاملين” قديمًا مؤسسات عريقة، ومن بينها: ماسبيرو، الذي كانت تحكمه وتسيطر على مقاليد الأمور فيه عائلات محددة لم تتركه حتى جعلته أثرًا بعد عين، وفي رواية أخرى: جثة هامدة، ولم يعد البكاء على اللبن المسكوب يجدي شيئًا.

إن استلهام تجربة قناة المزاريطة من مسلسل “الكبير” وتطبيقها بحذافيرها في الإعلام المصري سوف تقوده من فشل إلى فشل، ومن سقوط إلى سقوط، ومن ضعف إلى ضعف.

هذا ليس إعلامًا وهؤلاء ليسوا إعلاميين، واسألوا أهل العلم والاختصاص الذين تم إقصاؤهم وتهميشهم؛ من أجل الاستعانة بخدمات فئة معينة تحاول تحقيق أكبر قدر من الاستفادة الشخصية، حتى لو وصل الأمر إلى استضافة الأهل والعشيرة، بل وإشراكهم في مهنة لا يعلمون عنها شيئًا، وتنفيذ نظرية: إن خرب بيت أبوك خد لك من قالب”! الإعلام المصري يعيش أسوأ عصوره على الإطلاق، رغم الإنفاق غير المتناهي والسخاء غير المحدود.

الإعلام ليس إستوديوهات فخمة ولا معدات باهظة الثمن، ولكنه عقول حرة وضمائر حية قادرة على البناء والعطاء والفكر.

أمَّا إعلام المزاريطة فإنه غير قادر سوى على الكذب والتدليس وتزييف كل شيء وأي شيء.

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.