الخميس , مارس 28 2024
مختار محمود

السيدة زينب..ووزير الأوقاف

مختار محمود

كان المشهد موحيًا بالأسف والأسى مساء الأربعاء الماضي. أرتال من السيارات الفارهة الفاخرة ومثلها من سيارات ومدرعات الشرطة.

اصطف جميعها أمام البوابة الرئيسية لمسجد السيدة زينب رضي الله عنها بوسط القاهرة.

ترجَّل من السيارات الفارهة المليونية رجالٌ مُعممون يُقال لهم وعنهم: شيوخ” مثل: وزير الأوقاف ومفتي الديار المصرية ومعاونيهم وحراسهم الخصوصيين، وقيادات صوفية زاهدة في الحياة الدنيا ترتدي أغلى الماركات العالمية، وقبلهم محافظ العاصمة الذي لا يعرفه أحد وبعض مساعديه، فضلاً عن حراسه الشخصيين.

ضباط ذو رتب متدرجة ومجندون احتشدوا أمام المسجد وحول أرتال السيارات التي أصابت المنطقة الحيوية بشلل مروري من الدرجة الأولى في وقت الذروة.

كل هذه التدابير الأمنية كانت لتأمين احتفال وزير الأوقاف بذكرى ليلة النصف من شعبان. وفي الوقت الذي يوحي فيه هذا الحشد المرابط أمام المسجد بأن مصر دولة غنية، يركب فيها علماء الدين وقيادات الصوفية سيارات لا تقل أسعارها عن أثمان سيارات نمبر ون، اعتصم نحو 1000 امرأة معدمة حول الأسوار الخلفية للمسجد، توحي ملابسهن الرثة وإطلالاتهن الحزينة بأنهن تحت خط الفقر بمئات الكيلو مترات.

الوزير وضيوفه وفرق الحراسة المشددة احتلوا صدارة المسجد، فيما تم إبعاد العامة والدهماء من المصلين الذين حضروا لصلاة المغرب إلى الجانب الخلفي البعيد، وضُرب بين الفريقين بسور له أبواب خشبية مغلقة بالسلاسل الحديدية. المشهد داخل المسجد كان سخيفًا؛ حيث تم الفصل العنصري بين الوزير وضيوفه من ناحية، وعامة المصلين من ناحية ثانية.

كما كان المشهد أشد سخفًا بالخارج؛ عندما رابطت عشرات سيارات المسؤولين وعلماء الدين وقيادات الصوفية أمام المسجد من ناحية، فيما تم إبعاد هؤلاء النساء المعدمات البائسات بعيدًا بعيدًا؛ عشان الصورة تطلع حلوة”.

لن أحدثك عن المستوى الضعيف والهابط الذي كان عليه مستوى الحفل؛ فهذا صار أمرًا معتادًا ومألوفًا في زمن الوزير الحالي.

ربما كان أفضل فقرات الحفل على الإطلاق تلك التي لم يتحدث فيها الوزير كالعادة، وهذا كان سر سعادتي بعدما تحايلتُ على الدخول بهويتي الصحفية.

امتناع الوزير عن إلقاء خطبة الجمعة والحديث في هذه الفعاليات أمر طيب محمود يتمنى الأجنة في بطون أمهاتهم أن يواظب عليه.

أعتقد لو أن الله تعالى أحيا السيدة زينب رضي الله عنها في تلك الليلة، وقامت من مرقدها، ورأت هذه المشاهد الرخيصة، لألقت خطبة بليغة جريئة مثل التي ألقتها في حضرة يزيد بن معاوية، نصحت فيها الوزير وضيوفه بالتواضع ولين الجانب والاقتصاد وعدم الإسراف وعدم الإعراض عن الفقراء واحتقارهم على النحو الذي حدث.

لو قامت السيدة زينب رضي الله عنها من مرقدها لأبعدت الوزير وضيوفه وحراسهم عن رحاب مسجدها العامر الطاهر بإذن الله، ولأمرت بتحطيم الأبواب الموصودة بالسلاسل، ولسمحت للعامة والبسطاء الذين تم إبعادهم إلى ركن بعيد من المسجد بأن يتصدروا الصفوف، ولخرجت إلى تلك النساء البائسات وطيبت بخواطرهن؛ فهي أم العواجز وأم الآلام وأم المصائب وأم العزائم، ولا ترضيها مثل هذه التجاوزات الصبيانية الصغيرة.

لو قامت السيدة زينب رضي الله عنها من مرقدها لخطبت في الوزير وضيوفه وموكبه الحاشد في الداخل والخارج، وذكَّرتهم جميعًا بأيام الله، وبسيَّر جدها المصطفى صلى لله عليه وسلم، وأبيها كرَّم الله وجهه، وأخويها رضي الله عنهما، وكيف كانوا مضرب الأمثال في الرحمة والعطف وجبر الخواطر والتواضع والزهد، كما لم يكن ليفوتها أن تنصح الوزير وضيوفه ورفاقه بأن يعودوا إليها مرة أخرى، حتى لو صل الأمر إلى إصدار فرمان همايوني بإغلاق مسجدها، كما أغلق قبل أيام قلائل مسجد شقيقها الإمام الحسين رضي الله عنه.

شاهد أيضاً

ليلة أخرى مع الضفادع

في ضوء احداث فيلم الوصايا العشر بشأن خروج بني اسرائيل من مصر التى تتعلق بالضربات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.