الخميس , مارس 28 2024
محفوظ ناثان
محفوظ ناثان

محفوظ ناثان يكتب : “الدين والأخلاق”

هل الفعل الأخلاقي يُؤسس على الدين، وإن كان كذلك فماذا عن الملحدين وغير الدينيين، أليس لديهم أخلاق؟!

إذا كان الفعل الأخلاقي ينبع من ثلاثة مصادر، الأنا والمجتمع والله.

يتمثل الأنا في الأنوية Egoism التي تقر بأن ما أريده هو الخير الأعظم، والمجتمع في النسبية الحضارية Cultural Relativism التي تنادي بأن الخير هو فيما يقرره المجتمع، والله في النظرية الفوق طبيعية Supernaturalism هو من يعطي للفعل الأخلاقي قيمة؛ لأن الأخلاق تُؤسَس عليه هو.

لذا فإن القرار الأخلاقي في غاية التعقيد.

يحيا الملحدون حياة أخلاقية أحيانًا تكون أسمى من أصحاب الديانات؛ وذلك بسبب أن المتدينين لا يحيون حياة أخلاقية كما ينبغي أو حياة أخلاقية لا تتسم بالإتساق.

يركز أصحاب الديانات على المحاذير كما يقول “سميث” فالجميع يخشون دخول النار والعذاب الأبدي، ولا يركزون على القيمة في حد ذاتها وهذا ما أكده “أفلاطون” في حوار “سقراط مع أوطفرون”.

توجد لدينا طوائف عديدة وأحقاد كثيرة وهذا طبقًا لـ”كوتسي بندلي” نوع من الانحرافات الدينية التي تختار الله وسيلة للعنفوان الفئوي، فإن الله بالنسبة لأصحاب تلك الطوائف لا يكون هو المقصود في حد ذاته، بل الأهواء قد حجبت تعاليه.

تقود الطائفية والأخلاق الدينية غير السليمة إلى تسخير الله لخدمة المصالح الأنانية، والتأكيد على الذات الفئوية الانكماشية التي تؤدي إلى التناحر والانقسام، لانها وضعت الله في إطار ضيق وفق أهوائها الشخصية.

أن الشعوب المتدينة هي أبعد عن الأخلاق السليمة؛ لأنها تعيش حالة من الازدواجية المقيتة، وتستخدم الله كوسيلة من أجل تحقيق منافع دنياوية، بدلًا من أن يكون الله هو الهدف أضحى وسيلة لأهداف أخرى.

جميع تلك الممارسات تؤدي إلي نتيجتين؛ أولهما تحول عدد ليس بقليل إلى الإلحاد والبعد عن كل ما هو ديني، وثانيهما هو الغلو والتشدد في الدين دون فهم أو وعي.

ومن ثم يؤول إلى تشرذم وطائفية خانقة متقوقعة حول ذاتها لا تنفتح مع الآخرين.

إن محاولة الإنسان ليكون فاضلًا بعيد عن الله هي عملية محفوفة بالمخاطر الأخلاقية، والسعي نحو الفضيلة دون تقوى روحية تسبب له توتر نفسي يؤول إلى انهياره.

إن الحل السليم لهذه الإشكالية كما يقول “فايز فارس” هو في الأخلاق السليمة التي تتخذ من الله هدفًا وغايًة لا وسيلة، المبنية على القيمة لا العقاب.

إذا كان الملحدون لديهم أخلاق أفضل من المتدينين، فإن الأخلاق السليمة مؤسسة على الوحي الذي هو إعلان الله لذاته، والذي لا يلغي العقل بل يؤكده، فالإيمان دون عقل غير ناقد والعقل دون إيمان غير خلَّاّق.

قال أغسطينوس Augustine: “أؤمن حتى أستطيع أن أفهم”.

فالإيمان السليم المبني على الحب والحرية هو مصدر العقل؛ لأنه لا ينتفخ ولا يبحث في مسألة العقاب بل في القيمة والمبدأ.

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

تعليق واحد

  1. كلمات ذهبية رائعة
    إضافة بسيطة
    للأخلاق بعدين؛ الأول ذاتي يتعلق ببنية الإنسان النفسية والعقلية والاجتماعية، والآخر موضوعي يتعلق بالقيمة الأخلاقية، وموقعها داخل البناء العقدي الذي يعتقده الإنسان، أو ما يمكن تسميته بالمنظومة الأخلاقية المختارة بصرف النظر عن مصدرها أو معتقدها .
    جميل اوي مقالك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.