الخميس , أبريل 25 2024
أخبار عاجلة
الدكتور عاطف معتمد

من سيدي الضحاوى إلى سيدى مغيرب !

مع موجات الحداثة وضعف علاقة الإنسان بالأسطورة وانتشار العلم ينسحب الدين الشعبي تدريجيا من حياتنا.

الدين “الشعبي” هو المسمى الذي يعطيه الباحثون للنوع الثالث من أشكال علاقة الإنسان بالدين عبر العصور (مع الدين “الرسمي” للمؤسسات الدينية التي ترعاها الدولة طمعا في التأييد، والدين “السياسي” الذي ترفعه جماعات وحركات أيديولوجية تسعى للوصول إلى الحكم.).

تحظى الواحات الداخلة والخارجة في صحراء مصر الغربية بعديد من أضرحة “الأولياء”.

والولي في الإسلام يقابل “القديس” في المسيحية. عادة ما تحمل سيرة الولي شقين: حياة ورعة تقية زاهدة، وكرامات بعد الموت لمن يتقرب من مقامه أو يظهر لهم في الرؤى والأحلام أو يشاهدون طيفه.

(1)أخذت الصورة الأولى لضريح سيدي الضحاوي من مشارف منطقة أثرية غرب الواحات الداخلة اسمها منطقة “الأمهدة” غير بعيد عن بلدة القصر الإسلامية.

سيدي الضحاوي

والأمهدة تل أثري من العصر الروماني.

قبل قرون بعيدة اختار الشيخ الضحاوي لنفسه مسكنا على أطراف الآثار الرومانية التي كانت تضم قصورا وكنائس، وهناك أقام وتعبد.

بعد وفاته أقام له محبوه ذلك الضريح الذي تتوارث الأجيال رؤيته. التقيت بالحاج عبد الحميد من أقدم عائلات المنطقة وروي لى جانبا من طفولته حين كان يصحو مع الفجر لحلب الأبقار في الريف ومساعدة أمه في صناعة الزبد وكان يرى دوما ثلاثة مصابيح مضيئة في عتمة الليل تسير بمحاذاة مسقى المياه، وحين سأل جدته وأمه عن هذه المصابيح المضيئة نصحته جدته بألا يخبر أحدا بما رأى لأن هؤلاء هم أولياء المنطقة الثلاثة : سيدي الضحاوي ، سيدي مبارز، سيدي محمد الحجري ، وقد جاءوا إلى ناحية غيطهم يتوضؤن لصلاة الفجر.

حين غادرت القصر متوجها إلى قرية “الموشية” ومن خلفها بلدة “الجديدة” و”بدخلو” و”القلمون” ورأيت عديدا من قباب أضرحة الأولياء وجدتني اتساءل: من أين أتى الضحاوي وبقية أولياء الداخلة: من الجزيرة العربية؟ أم من المغرب العربي؟ هل يمكن إعادة قراءة علاقة الإنسان بالبيئة الريفية وعيون المياه من خلال تلك الحكايات الشعبية؟ وما هي خريطة أولياء الداخلة وعلاقتهم بمراكز الاستقرار والمواقع التاريخية والأثرية؟

(2)الصورة الثانية لضريح سيدي مغيرب.

سيدي مغيرب

والحقيقة أنهلولا خريطة من أيام الاحتلال الإنجليزي ما عرفتُ اسم مقام ذلك الضريح على واحدة من قمم جبل القرن في الواحات الخارجة.

سألت العارفين وأهل المنطقة فلم أجد جوابا. وحدها الخريطة التي أعدها المسَّاحون الإنجليز والمصريون في عام 1910 تخبرك عن الاسم جليا: “سيدي مغيرب”.

دخلت الضريح المهجور بعد صعود قمة التل، فيما عدا الضريح الخشبي والرداء الأخضر المتهالك وعلامة الهلال الحديدية التي تعلو رأس الضريح لم يبق شيء في المكان يدلنا على هذا “العَلَم” الجغرافي المهم في الواحات الخارجة.

جبل القرن يشبه قرن في رأس حيوان بري راقد على الأرض. ينثني الجبل مقوسا لأسباب طبوغرافية وتنثني طبقاته لأسباب جيولوجية في شكل سلالم ضخمة هائلة لا يصعدها إلا الراغبون في العزلة والوحدة والتأمل بعيدا عن مشاغل الدنيا.

ليس لدينا أي توثيق أو تدوين لهذا العلم الشهير، هل كان اسم “مغيرب” مستمد من “الغربة والعزلة عن العالم؟ هل كان مستمدا من وقوعه عند مغرب الشمس على طريق درب الأربعين الذي كان يمر على الجانب الشرقي لجبل القرن وليس عل الجانب الغربي كما يفعل الطريق الأسفلتي الحالي؟

هل كان “مغيرب” عابر سبيل مارا مع قوافل التجارة الآتية/الذاهبة من وإلى إفريقيا ودفن هنا كما كان يفعل التجار والحجاج على نحو ما يخبرنا ابن بطوطة قبل سبعة قرون عن طقوس دفن من يموت مهاجرا في الطريق؟ أم كان مغيرب زاهدا في الدنيا مغتربا عنها وعن ثرائها في جبل القرن الذي يعود تراثه إلى الدولة المصرية القديمة وانتقالها إلى العهدين اليوناني والروماني ثم وصول الإسلام إلى الإقليم لاحقا؟

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.