الجمعة , مارس 29 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

قصر المنياوى(3)

مدحت موريس

احاط الجنود بالدكتور رفعت وهم يرفعون دروعهم ليحمونه من بعض الاحجار التى قذفها المتظاهرون الذين تجمعوا حول القصر واقتحموا اسواره وداسوا حديقته مطالبين بفك اسر ذويهم المحبوسين داخل القصر. تقدم احد ضباط الشرطة ووصل الى باب القصر الخشبى واشار الى مساعد المنياوى الذى تقدم بدوره واخرج مفتاحاً ليفتح به الباب الذى استعصى فتحه على الكثيرين….لم ينتبه احد الى ان الباب قد انفتح بسهولة دون ان يلف المفتاح عدة مرات بل انه ادخل المفتاح فى الباب ثم دفع الباب فانفتح…..ارتفعت الايادى بالتصفيق وتهلل المتظاهرون بالخارج فعملية فتح الباب هى انتصاراً جزئياً لهم. حبس المتجمعون بداخل القصر انفاسهم وهم يسمعون ويرون الباب وهو يُفتح ثم انطلقت صيحات الاستنكار وعبارات السباب عندما ظهر رفعت المنياوى ومساعده بالاضافة الى بعض الاشخاص التابعين لرفعت وهم محاطون بافراد الشرطة وثلاث رجال من قادة الشرطة من اصحاب الرتب الرفيعة.

كان الزوار المحبوسون بالقصر قد تجمعوا فى نصف القاعة الكبيرة المجاور للنوافذ الزجاجية فكان طبيعياً ان يتجه موكب رفعت ومرافقوه الى النصف الآخر المواجه لهم بينما ارتفعت ايادى قادة قوات الشرطة فى مواجهة سجناء القصر تدعوهم للهدوء فتوقفت الصيحات المستنكرة على مضض واتضحت معالم الاصوات وبدأت عباراتها اكثر وضوحاً فصوت يستنكر على الشرطة حماية هذا الشيطان وآخر موجهاً كلامه لرفعت ويصفه بالخائن مصاص الدماء ثم صوت يأتى من الخلف يدعو الله ان يشتت شمل هؤلاء ويحطم شوكتهم لكنه لم يوضح من هم هؤلاء الذين يرميهم بدعائه ثم اخيراً يعلو صوت جهورى فوق كل الاصوات فيجبر الجميع على الانصات اليه ” الهدوء من فضلكم، الشرطة لا تحمى احد يخالف القانون ها هو الدكتور رفعت وكان قادماً الى القصر ليحضر الحفل الذى دعاكم اليه لكن سيارته تعرضت لحادث تصادم على الطريق وقد تحدث تليفونياً مع مساعده الاستاذ فاروق الذى اسرع لنجدته ثم رفع عدة وريقات بيده وقال ” هذا هو محضر الحادث الذى حررناه لاثبات حادث التصادم ….

ثم اضاف تلقينا مكالمة من احدكم لم نفهم محواها وتلقينا بلاغاً من مجهول بان هناك تجمهر وعمليات شغب داخل وخارج وحول القصر فاتينا الى هنا والتقينا بالدكتور رفعت الذى كان ايضاً فى طريقه للقصر وانا اعتقد ان هناك التباس فى فهم الاحداث وعلى الدكتور رفعت ان يوضحها لكم. افسح قائد الشرطة مكاناً ليأتى الدكتور رفعت من الخلف وقد اكتسى وجهه بالاسى بينما ارتسمت ابتسامة مريرة على شفتيه….جالت عيناه لثوان تتأمل ما تحطم من مقتنيات القصر ثم مرت نظراته لتلتقى بوجوه سجناء قصره التى علا بعضها علامات التحدى وعدم الثقة وقبل ان ينطق صرخ احدهم بكلمات غير مفهومة لكنها على اى حال كانت تتحدث عن باب القصر. تكلم رفعت لاول مرة وسمع معظمهم صوته ايضاً لاول مرة….” على فكرة الباب يُغلق اوتوماتيكياً من الخارج اما من الداخل فيكفى ان تضغط على ذلك الزر الاخضر على الجانب الايمن فينفتح الباب ولكن يبدو انكم اندفعتم لتخرجوا وتكالبتم على الباب ولم يلتفت احد الى هذا الزر. ران الصمت للحظات واستفزت كلماته البعض فهاهو يعود لا ليبرىء نفسه فحسب بل ويتهمهم ايضاً بالغباء.

اندفع الاستاذ محمد سليمان – والذى كان يميل الى تصديق كلمات رفعت- نحو الباب وفتحه واغلقه عدة مرات ضاغطاً على الزر الاخضر فتأكد له صدق ما قال لكن الشيخ لم يستطع ان يؤمن لا على كلام رفعت ولا على تجربة محمد سليمان فذهب بنفسه ليتأكد ثم عاد قاطباً جبينه وتساءل بصوت عال ما معنى ان تدعونا الى حفل وتغدق علينا بالطعام والشراب ثم لا تحضر الحفل و…و.. هناك امر غير مفهوم. نظر اليه رفعت فى شفقة قائلاً لقد علمتم سبب تأخرى عن الحفل اما تساؤلك عن الطعام والشراب فاسمح لى لماذا لم تسأل نفسك هذا السؤال قبل ان تأتى الى الحفل، احتقن وجه الشيخ غضباً “لقد اتيت تلبية لدعوة جار ولم اكن اعلم بامر وليمة العشاء” قال هذا وقد اتجهت عيناه نحو محمد سليمان جاره اللدود الذى علت وجهه ابتسامة ساخرة فقد كان الكذب يتساقط من فم الشيخ مع كلماته فالحقيقة الوحيدة هى ان هذه التساؤلات لم تظهر على السطح الا بعد ان امتلأت معدته من صنوف الطعام ثم ان بطاقة الدعوة نفسها كانت تحوى عبارة ” حفل عشاء”

عاود الدكتور رفعت الحديث الذى تغلف بالمرارة اسمحوا لى…لقد عدت الى مدينتى والى الحى الذى نشأت فيه وقمت بترميم هذا القصر ليكون مركزاً للنشاط الذى كنت انوى ان اقوم به لخدمة الحى وابناء الحى، تعلمون تلك الاراضى الشاسعة التى تفصلنا عن الاحياء المجاورة…تجاوب الحاضرون معه بهز رؤوسهم فاضاف تلك الاراضى التى تحولت الى تجمع للقمامة استطعت ان ارخصها لنقيم عليها مشروعات كبيرة تخدم الحى، تناول من مساعده بعض الاوراق والرسومات وبدأ يتلو عليهم تفاصيل المشروعات…مدرستان لجميع المراحل التعليمية، مركز طبى كامل التجهيزات، مخبز، مصنع تعبئة بقول، مصنع مكرونة. توقف رفعت ونظر اليهم “هذه مشروعات الخمس سنوات الاولى وجارى دراسة مشروعات اخرى…هل تعلمون معنى هذا؟ هل تدرون كم فرصة عمل تخلقها هذه المشروعات لشباب الحى….بالمناسبة اين شباب الحى؟ نصفهم موجود بالخارج الآن يحطم القصر الذى هو بداية المشروع والنصف الآخر فى المقاهى. ارتفع صوت عبد المعطى حمودة نحن معك يا دكتور رفعت…

وهتف الشيخ ” ان يد الله مع الجماعة” ابتسم رفعت قائلاً للاسف يا عم الشيخ سكان الحى لم يتكاتفوا الا اليوم، لم يجمعهم الحب ولم يتحدوا معاً قبل اليوم. لكنهم تكاتفوا واتحدوا والتقت ايديهم ليدمروا القصر ويخربوه، لعلها المرة الاولى التى يتحدون فيها وللاسف من اجل الخراب. ساد الصمت مرة ثانية تساءلت احدى السيدات وهى ترى مساعد رفعت يلملم الاوراق ” ح تسيبنا يا دكتور رفعت؟” صمت رفعت بينما تعلقت العيون به قال ببطء وبكلمات واضحة ” هل يمكننى الاعتماد عليكم؟ انكم لم تثقوا بى وهذا طبيعى لانكم لا تثقوا بعضكم ببعض.

هل يمكننى الاعتماد على شبابكم؟

كيف ذلك وانا اراهم يكتفون بجلسات المقاهى يتسامرون يتناقشون وينتقدون ولا يقترحون حلولاً ، وعندما تحرك بعضهم وتحرر من جلسات المقاهى تجمعوا واتوا الى هنا ليدمروا القصر…انهم ايضاً مثلكم لقد ارضعتوهم من نفس افكاركم ولا اريد ان اقول انهم يعانون من نفس امراضكم. يعنى انت ح تسحب مشاريعك اللى اتكلمت عنها؟ تساءل احدهم واجابه رفعت بكلمات قاطعة ” لا لن اسحب مشاريعى ومن الغد سابدأ تنفيذ المشاريع الخاصة بالمدارس والمركز الطبى لخدمة سكان الحى. تساءل محمد سليمان ” وماذا عن المشاريع الاخرى؟ اجابه رفعت فى سلاسة المشاريع الاخرى مؤجلة حتى يتخرج تلاميذ مدارسنا الجديدة بافكارهم الجديدة ليكونوا جيلاً جديداً يحمل املاً ويخلو من الامراض التى توارثتها الاجيال التى سبقته.
تمت .

بقلم مدحت موريس
(voicy2005@yahoo.com)

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.