الجمعة , مارس 29 2024
أنطوانى ولسن

لا دين في الحكم ولا حكم بالدين .

بقلم : أنطوني ولسن / أستراليا
قد يكون عنوان هذا المقال صادم لبعض الناس ظانين أنني لا أؤمن بالأديان وبالتالي لا أؤمن بإلله الأديان .
الحقيقة غير ذلك تماما . لأن الأديان هدى للناس ونور طريق للبعيدين عن الله وتقرب عميق الى الله ومعرفته .
من هنا إذن نكون قد إتفقنا على أهمية الدين للأنسان .
لكن البشرية مرت بعصور وعهود عديدة مختلفة محاولة التعرف على الله عن طريق رسله وأنبياءه وقديسيه وأصبح رجل الدين هو الوسيط بينهم وبين الله الذي في السموات . لم يره أحد ، لكن الناس صدقت ما سمعوه عنه . بعض الوسطاء بين الله والناس استغل هذا الأمر ليحرف ما أُمر به الله من قول لصالحه أو ” لصالحهم ” مسيطرا على عقولهم مقنعا لهم أنه أو ” أنهم ” الطريق الوحيد للأنسان ليصل إلى معرفة الذات الألهية دون أن يراها .
وصل الحال بالإنسان إلى أنه خضع خضوعا كاملا لكل ما ينطق به رجل الدين . بل يستجيب له ولو على حساب نفسه وبيته لأن رضاه من رضى الرب . ومن هو هذا الذي يريد أن يغضب الرب !. من الطبيعي لا أحد .
إزدادت هيمنة رجل الدين على البشر الى الحد الذي أصبح له سلطة التكفير وسلطة العفو حيثما يتراءَ له . يحكم على هذا بالجلد أو بالقتل والسحل أو بالبراءة . من الطبيعي يكون رجل الله في عمله مستندا الى آيات أو أحاديث دينية موروثة يتناقلها البشر ” عن طريق رجل الدين ” الى الحد الذي تدخل فيه رجل الدين الى سلطة بيع ” الغفران ” أو ” العفو ” نظير مال يدفع . بل أيضا يمكن للأنسان المؤمن أن يشتري من رجل الله أرضا أو بيتا أو قصرا في السماء حسب إمكانية المؤمن المادية حتى لو إضطر لبيع مسكنه وأرضه الدنيوي ليتمتع بالمسكن الجديد في السماء .
لا فارق بين دين ودين ، أو عقيدة وعقيدة طالما يوجد من البشر من يستطيع إقناع أو تهديد الأنسان العادي ليتبع ما يمليه عليه رجل الدين هذا أو ذاك ويخضع له خضوعا كاملا يحركه كيفما شاء أو ” شاءوا ” . وهنا مربط الفرس ” السمع والطاعة ” وعلينا أن ” نسمع كلامهم ولا نفعل أفعالهم ” . وهذه مصيبة المصائب لأن الأنسان أصبح مغيب لا يفكر أو يناقش وإللا !.
يعيش العالم هذه الأيام على حافة هاوية قد تؤدي الى هلاك كثيرين . بالدين يقتلون ويمثلون بجثة القتيل دون حرمة الجسد الذي كرمه الله . فيسحل ويشوه جسده ووجهه ، أو يُحرق في النار كما حدث مع الزوج والزوجة ” الحامل ” المسيحيين بعد سحلهم وإهانتهما ألقوا بهما و ” الجنين “في بطن أمه ، في نيران ملتهبة وهم أحياء . إذا سألنا لماذا يفعلون معهم هكذا ؟ تأتي الأجابة لأنهم ” كفار ” . وإذا أردنا أن نعرف معنى ” كافر أو كفار ” ستأتينا الإجابة أنه ، أنهم يعبدون إنسان عادي مجرد نبي مرسل من الله لكنهم يعبدونه كاإلله وليس كبشر عادي . وهنا نجد أنفسنا كل طرف يحاول أن يقلل من شأن الطرف الاخر وخاصة الناحية الإيمانية وعبادة الله الذي في السموات . كل من أصحاب الأديان ” السماوية ” يحاول أن يثبت إن إلاهه هو الإله الحق . وكل يأتي بالآيات التي تتفق مع إيمانه ويضيع الأنسان البسيط ولا يعرف الحقيقة لأنه منذ مولده قد إتخذ والديه وأهل والديه خطا واحدا رسموه له وعليه أن يتبع ويعيش ويموت مؤمنا به . وهنا يبدأ الأختلاف الذي قد يكون بين إخوة عائلة واحدة . ويسفه كل منهما الأخر مقتنعا أنه على حق وأخيه على باطل . وهكذا كان الحال منذ قايين وهابيل إلى اليوم .
بعد التخلص من ” صكوك الغفران ” ومعرفة الأنسان الكثير عن الله . تعددت المذاهب والأديان وصار الخلاف واضحا وجليا وقامت الحروب واستمرت حتى اليوم ولم يرتاح الأنسان من نيران الأختلافات الدينية التي قد تكون بين فرقاء لدين واحد .
يعيش الأنسان هذه الأيام فوق صفيح ملتهب لإنتشار الفكر الداعشي الذي ظهر فجأة وبدون سابق معرفة يفرض نفسه بأسم الدين ويستحل القتل والتمثيل بجثث القتلى ويتلذذ بأكل قلب وكبد القتيل . ولا أحد يستطيع أن يعرف من هم ومن وراءهم يمدهم بالسلاح والعتاد الحربي ويعطيهم الضوء الأخضر لفعل ما يريدون فعله ضد شعوب وإناس لا ناقة لهم ولا جمل في كل ما يحدث حولهم .
ثلاث سنوات مرت على مصر حكم فيها الحاكم بالدين . حكم العسكر بميول دينية فانحاز المجلس العسكري بعد تنحي الرئيس مبارك عن الحكم الى الفصيل الديني المتطرف وسمح بعودة ثلاثة آلاف محكوم عليهم بعضهم بالإعدام والبعض الآخر بالسجن مدى الحياة . أمست مصر وأصبحت دولة إسلامية سلفية وهابية وإخوانية وكأنها ” مصر ” لم تكن دولة إسلامية سنية من قبل .
لعب الأخوان دورا أساسيا للوصول الى الحكم بموافقة المجلس العسكري المصري الذي ساندهم وساعدهم في تحقيق حلمهم الذي طالما حلموا به .
تم إنتخاب برلمان لا يمكن أن نصفه بأنه برلمان مصري بأي شكل من الأشكال . وكانت مهزلة المهازل لما ارتكبه أعضاء البرلمان الجدد من فوضى برلمانية لم تعهدها لا مصر ولا غيرها من الدول العربية .
حكم الأخوان مصر برئيس إخواني وظهرت الصورة الحقيقية لهم . إنهم لا يؤمنون بمصر وطنا لهم . إنما يؤمنون بمصر كمركز أنطلاق الى الخلافة الإسلامية وتكوين الأمبراطورية الإسلامية ومصر وغيرها ما هم إلا دويلات تحكم وتُحكم بالشريعة والقرأن والسنة .
وبدأ الشعب المصري يكتشف المهزلة ، مهزلة بيع مصر لمن يدفع . وبدأت المساومات مع أصحاب رؤوس الأموال المصريين وإجبارهم على دفع نسب معينة ومحددة للحكومة الإخوانية الحاكمة وليس للشعب . بل إدخال الرئيس المتنحي مبارك وأبنائه والحكومة السجون بتهم متعددة وبدأوا في ابتزاز الأموال منهم . وكله بأسم الدين ،ومباركة رجال الدين . واختلط الأمر ما بين الحكم المدني والحكم الديني الذي تغلب على الحكم المدني . انتشرت فوضى البرامج الدينية كل يدلي بدلوه ويفتي بفتواه ويرعب الناس ويجعلهم لا يعرفون كيف الخلاص .
لكن لأن مصر مباركة من الله ، وشعب مصر طيب ويحلم بالحياة الكريمة ، وأنه فاق لنفسه وعرف الحقيقة ، حقيقة الأخوان والسلفيين وجميع الفصائل الدينية مظهرا والإجرامية فعلا وعملا على أرض الواقع ، وأنه قد ندم على انتخابه لمرسي رئيسا لمصر . خرج هذا الشعب متمردا مطالبا بسقوط ذلك النظام الذي حكم في لحظة ضعف وأمل . ضعف لأنه ” الشعب ” قد تعرض لإساءات نفسية وجسدية ومعنوية من فصيل يدعي انه مصري ، لكنه في الحقيقة لا يعرف مصر ولا ولاء له لا لمصر ولا للشعب المصري . فكان الخلاص على يد أحد أبناء مصر الشرفاء الأمناء والخائفين على مصلحة مصر والشعب المصري وهو أحد رجال القوات المسلحة وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسي ، الذي في 3 يوليو 2013 نجح وجنود مصر البواسل في إنهاء المهزلة التي تعرضت لها مصر خلال الثلاث سنوات العجاف . وخاصة السنة الثالثة التي حكم فيها د. مرسي مصر .
تم لمصر الخلاص عمليا وفعليا من الحكم الإخواني الديني ووصل المشير عبد الفتاح السيسي إلى سُدة الحكم عن طريق إنتخابات حرة شريفة واختاره الشعب رئيسا لثقتهم فيه انه قادر بعون الله والشعب والجيش والشرطة معه أن يدفع بمصر الى بر الأمان ويعود لها الحب بين أبائها كما كان.
قامت لجنة الخمسين بإعداد دستور جديد لمصر ، وأهم مادة في ذلك الدستور هي المادة الصريحة والواضحة والتي لا لبس فيها والتي حرمت على الأحزاب الدينية المشاركة في البرلمان القادم الجديد .
كانت سنوات حكم الأخوان تحكم بأسم الدين ، فماذا حدث لمصر والشعب المصري الذي غالبيته مسلمة وسنية ؟ الجواب لا شيء سوى خلق نوع من الخلل الإجتماعي بتميز بعض من المشاركين في الحكم متخذين الدين أداة تهديد وعقاب لكل من يخالفهم الرأي أو الفكر . فكانت تجربة الدين في الحكم ، تجربة لا محل لها من الإعراب في مصر . ولم تعمل على أخذ مصر الى طريق القرن الحادي والعشرين ، بل أعادته الى قرون الظلام واستبداد رجال الدين لشعوبهم التي حكموها بسلطان الدين .
الذي دفعني أن أكتب هذا المقال ، ما يدور على الساحة السياسية في مصر الأن من الإستعداد للإنتخابات البرلمانية في القريب العاجل . وان السلفيين يبذلون قصارى جهدهم ليكون لهم وجود وغيرهم من الجماعات الإسلامية الأخرى في البرلمان المقبل . على الرغم من الأحداث الأخيرة من كشف المستور لأعمال شيخ في محافظة الغربية يندى لها جبين أي إنسان عادي ، فما بالنا إذا كان هذا الرجل العنتيل أحد أعضاء حزب النور السلفي !. ويبدو أن هناك عناتيل كثيرة مثله تقوم بنفس الفعل ! .
اننا لا ندين لكي لا ندان . ولو لم يكن الرجل أحد رموز حزب سلفي لا أدري لماذا هو مستمر على الساحة السياسية على الرغم من وضوح الدستور الجديد ، ما كان الموضوع أخذ كل هذا الكلام واللغط وأثار فكرة الحكم بالدين .
إذا أرادت مصر أن تخلع ثوب التظاهر الديني الذي خلعته دولا كثيرة من قبل أن تؤمن أن لا دين في الحكم ، ولا حكم بالدين . ولتبقى بيوت الله مفتوحة لشرح صحيح الدين على أيدي مشايخ وأآمة يحترمون أنفسهم لأحترامهم لدينهم .
إدعوا معي …
تــحــيــا مــصــر

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.