السبت , أبريل 27 2024
حامد الأطير

الفساد القاتل .

حامد الأطير
حامد الأطير

بقلم ..حامد الأطير
إن سوء الإدارة على كافة المستويات العليا والدنيا تخطيطاً وتنفيذاً وانحراف مؤسسات الدولة وفسادها هي مشكلة مصر الكبرى وهي العائق الأكبر بينها وبين التقدم ، ومن أسف أن المؤسسات الحيوية ذات العلاقة المباشرة بالمجتمع وذات التأثير فيه قد طالها هذا الفساد فأثر على دورها الذي هو غاية في الخطورة وأفشلها في أداء مهمتها التي تأسست من أجلها حتى أمسى وجودها يكاد يشبه العدم وأصبح السكوت على سلبيتها خيانة كبرى ، والمؤسسات التي نقصدها هي مؤسسة الإعلام الرسمي أو الحكومي المتمثلة في المؤسسات الصحفية القومية ووزارة الإعلام التي ألغيت بالأمس القريب وحل محلها المجلس الأعلى للإعلام.، ووزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة ، و دور هذه الوزارات آنفة الذكر هو التواصل بشكل مباشر مع المواطنين والالتحام بالمجتمع خاصة الشباب وذلك لشرح الأهداف الوطنية والتعريف بالثوابت وتوضيح الخطط والسياسات والتعبئة والتوجيه والتأثير للتمسك بهذه الثوابت والالتزام بتلك السياسات لتحقيق الأهداف وكذلك تعميق الولاء لمصر والتأكيد على أصالتها وعراقتها وترسيخ قيم الاعتزاز بالوطن والانتماء له وتشجيع المشاركة الشعبية ورفع مستوى الوعي السياسي وتبصير المواطن بالقضايا وكشف المواهب في شتى المجالات .
وقد كشفت أحداث الأعوام السابقة وبخاصة الثلاث سنوات الأخيرة حجم هذا الفشل ، فانتشار التطرف والإرهاب والانحراف الديني والانهيار الأخلاقي وانحطاط الفن المصري بكل صوره تؤكد عدمية هذه المؤسسات وغيابها التام عن الواقع وانفصالها عن الشعب وعجزها الفاضح عن مواجهة أهم وأخطر المعضلات الفكرية والعقائدية التي تعيشها مصر ، وغني عن القول أن هذه الوزارات تعمل بشكل ناجح في معظم دول العالم لأنها متماسة مع المجتمع بشكل دائم ومتغلغلة بين طوائفه ، تؤثر فيه وتوجهه توجيهاً وطنياً بناءً يحافظ على وحدته وتوحده ويحتشد لتحقيق آماله وطموحاته .
إن ما يدعو للحزن والأسف أن وزارة الثقافة المصرية لا تثقف أحداً من الشعب رغم أن مهمتها الرئيسية هي إكساب الشخصية المصرية تعريفاً بتاريخها وصون مقدرات الوطن وتراثه ورعاية مكتسباته الإبداعية الناتجة عن عطاء أفراده ، إلا أنها لا تحقق شيئاً من هذا ، ورغم شعار “الثقافة حق للجميع” و”الثقافة للشعب” إلا أن صلتها بالمجتمع قد انقطعت عدا بفئة النخبة التى لا تمثل في أفضل الأحوال نسبة لا تتخطى من (1%) إلى (2%) من الشعب المصري .
كما أن ميزانية وزارة الثقافة هي الأخرى مخجلة فهي لا تزيد على (0.23 %) من إجمالي الموازنة العامة للدولة ، ينفق منها (80%) كأجور للعاملين الذين تعج بهم الوزارة دون لزوم ولا يتبقى سوى (20%) للإنفاق على كل النشاط الثقافي المصري الذي يقوم به (11) قطاع تابع لوزارة الثقافة ، كالمجلس الأعلى للثقافة ، والهيئة العامة لقصور الثقافة ، وغيرها من الهيئات والقطاعات وبالطبع فأن تلك الميزانية تعكس إهمال الدولة للثقافة حيث لا يتعدى نصيب الفرد من الخدمة الثقافية المقدمة على مدار العام عن جنيهن ، والهيئة العامة لقصور الثقافة والتي قامت عند إنشائها بدورِ تنويري رائد في المدن والقرى والنجوع -القرى والنجوع- التي تعمل عليها كل الجماعات والتيارات الدينية المنحرفة لتستميل وتستقطب سكانها مستغلة بساطتهم ونقاءهم وأميتهم الدينية- نجدها الآن ورغم أنها تضم (550) قصر وبيت ثقافي قد تحولت إلى هيئة للقصور والتقصير الثقافي فهي حقاً “قصور ثقافة” أو بمسمى آخر “قصور جهالة” ، منعزلة تماماً عن المجتمع الذي تتواجد فيه ، وأضحت بؤر عفنة تعج بكم من الفساد يزكم الأنوف ، بدأً من تعيين العاملين غير المؤهلين لهذا المجال وانتداب البعض من خارج الوزارة مرورا بالأنشطة البلهاء التي تمارسها بميزانيات يستولي عليها محترفي الاختلاس والسرقة وتضبيط الأوراق بما يفيد أن كل شئ على ما يرام .
لقد انصب اهتمام وزارة الثقافة على النخبة والشو الإعلامي وإقامة الفعاليات والمهرجانات بالمدن الكبرى كالقاهرة والإسكندرية أو بالأماكن السياحية دون الاهتمام بباقى المحافظات ، وليجيبني أحد أين تأثير وزارة الثقافة على الأغنية المصرية والفيلم المصري والكتاب المصري والسلوك المصري؟
و وزارة الشباب والرياضة التي أُنشأت لتُعني بكافة شئون الشباب ولترعاهم ثقافياً وعلمياً واجتماعياً ورياضياً ، ولها وكلاء وزارة ومديريات وجيوش جرارة من الموظفين في كل محافظة ، نجدها لا علاقة لها بالشباب ، لأنها عاجزة عن رعايتهم وعن التواصل معهم وعن خلق وسائل للاتصال بهم ، حتى أن الشباب لا يجد من يخاطبه أو من يسمعه ، وحوار الدولة معه منعدم نتيجة هذا العجز ، ويخطئ الوزير حين يهمل رعاية الشباب رعاية شاملة أو حين يظن أن دوره هو تطوير أو إقامة بعض الملاعب القليلة هنا أو هناك أو إنشاء ما يسمى بدورى مراكز الشباب ليقلد تجربة الأندية التي للأسف ينصب نشاطها على لعبة كرة القدم أو حين يظن أن دوره هو الاحتفاء ببعض الرياضيين ليتصدر المشهد ويخطئ الوزير حين يترك الشباب بلا مشاركة في أنشطة متنوعة تستحدثها وزارته ويخطئ الوزير حين يهمل مبدأ الرياضة للجميع ويخطئ الوزير حين لا يجعل من مراكز الشباب المنتشرة في ربوع مصر منارات ومراكز حضارية تجذب أليها الشباب بأنشطتها المختلفة ويخطئ حين يتركها تكايا يستشري فيها الفساد لا تهتم إلا ببعض الألعاب مثل كرة القدم والسلة والطائرة التي لا يمارسها إلا نفر قليل ، وغالبيتها فى القرى -التي هي أحوج ما يكون أليها- عبارة عن مراكز صورية ومجرد يافطة على مبنى من غرفة وصالة ، يستولي على ميزانيتها القائمون عليها بمستندات وهمية عن أنشطة وهمية وبكشوف أسماء وهمية ، حتى غالبية أعضاءها شبه وهميون ومسجلون لزوم الانتخابات ولا يذهبون لهذه المراكز إلا للإدلاء بأصواتهم بعد أن يكون المرشحون قد سددوا اشتراكاتهم .
ولو علمنا أن شباب مصر يبلغ تعداده نحو (20) مليون نسمة حسب إحصاءات الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لأدركنا حجم المصيبة والكارثة التي تعيشها مصر حين تترك الدولة هذا الشباب فى سن الفورة والثورة والعطاء بلا رعاية أو عناية أو توجيه أو انتفاع من طاقتهم وقدراتهم الجبارة ، رغم أنهم أعمدة الوطن يزودون عنه ويبذلون أرواحهم رخيصة فداء له وهم الطاقة الخارقة التي يمكن أن تغير الواقع المؤلم ، لا يفرط فيها ولا يعطلها أو يحاربها إلا أمة جاهلة متخلفة لأنهم ذخيرة الأوطان الحقيقية وهم طليعة الشعوب وهم ملاك المبادرة والمبادأة وهم حاملي لواء التقدم ، إما أن تتاح لهم كافة الفرص وتفتح لهم كل الأبواب الموصدة وإما أن نتركهم هملاً ليتحولوا الى طاقة محطمة ومدمِرة لذاتها ولوطنها وليصيروا لقمة سائغة وصيداً سهلاً للجماعات الإرهابية التكفيرية أو فريسة للإدمان والانحراف والإجرام .
ولا أعرف لماذا لا يتم ربط وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة بالمجتمع ليتواصلا ويتفاعلا معه بشكل مباشر؟ ولماذا لا تُستغل قصور وبيوت الثقافة ومراكز الشباب على مدار العام دون توقف صيفاً أو شتاء ؟ هل جربنا مثلاً ربطهم بالمدارس والجامعات ؟ ليكون هناك يوم رياضي كامل وكذلك يوم ثقافي خلال الأسبوع بضم عدد من الفصول للذهاب الى قصر الثقافة أو الى مركز الشباب .
لا يفوتني قبل أن اختم مقالي أن أشير بأنني قد تحدثت عن مؤسسة الإعلام منذ وقت قريب وقلت أنه قطاع فاسد وأحد التكايا التي تهدر المال هدراً على (43) ألف موظف وعلى محطات تليفزيونية وإذاعية عديدة دون أن يكون لدينا محطة تليفزيونية أو إذاعية واحدة مميزة لها ثقل المحطات المشهورة والمؤثرة وقلت إن حجم مديونية هذا القطاع وصلت إلى (24) مليار جنيه مصري “الصحف واتحاد الإذاعة والتليفزيون” كذلك تحدثت عن وزارة التربية والتعليم التي تعمل بلا فلسفة أو استراتيجية وتحولها إلى وزارة هادمة لكيان المجتمع وطاعنه في قلبه بخناجر الفشل ومعاول العشوائية ، حتى أصبح نظام التعليم المصري من أسوأ نظم التعليم في العالم لأنه قائم على الحفظ والتلقين لمناهج متخلفة وعلى كثير من مدرسين غير مؤهلين لا علمياً ولا اجتماعياً لممارسة تلك المهنة السامية التى لا يجب أن يعمل بها إلا من هو جدير بها ، وقلت إن عجز الدولة عن إصلاح منظومة التعليم بادي للعيان فالمناهج لم تطور والمدرسون –وكثير منهم مدلسون- معظمهم يأتى من بيئات متدنية لا تجيز له الاقتراب من سور المدرسة من الأساس ولا يتم تأهيلهم أو تدريبهم وتطويرهم والمدارس خاوية على عروشها والغش الجماعي يتم بموافقة رسمية والتعليم الأجنبي المتعدد الذي لا مثيل له في العالم لا يخضع لإشرافها إلا ظاهرياً وهو ما يعد كارثة بكل المعاني لأن هذا التعليم يربي النشء ويشكله ويوجهه حسب رؤية القائمون عليه بما يصطدم مع قيم الولاء وبما يقضي قضاء مبرماً على اللغة العربية التي هي وعاء الوطنية وقلت أيضاً إن التعليم يجب أن يكون بين جدران المدرسة وداخل حرمها لا خارجها مع تجريم الدروس الخصوصية التي تؤلم كل أسرة مصرية وقلت على الدولة في المقابل أن تحسن ظروف مدرسيها ولو بفرض رسوم سنوية على الطلبة لأن مقولة التعليم المجاني مزحة ثقيلة وسمجة ، وقلت إن التعليم هو كلمة السر وقاطرة التقدم وبالتعليم الجيد تُبنى الأمم وبالتعليم الفاشل تتخلف الدول وتتراجع .
الحقيقة أننا في بلد تبرع في سوء الإدارة وفي إهدار الكثير من الإمكانيات والموارد خاصة البشرية التي هي عماد أي تنمية وأي تقدم ولا معنى لوجود مؤسسات ووزارات لا تفيد المجتمع في شئ ولأنها فشلت في مهمتها وبامتياز يصبح حرام على الدولة أن تستقطع من قوت الشعب لتصرف على موظفيها وتنابلتها العاطلون وحرام عليها إنفاق ألأموال فيما لا طائل له ولا عائد منه .

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …