الخميس , أبريل 25 2024
أخبار عاجلة
الرواية

الفصل الثالث من رواية " أسياد حارتنا " للمؤلف إيليا عدلى .

الرواية
الرواية

 

(3) الغلابة و الكابوس
في الصباح الباكر خرج الصنايعية وأصحاب المحلات سعياً للرزق..البعض يرش أمام ورشته ببعض الماء البارد، وعلى بعض حوائط المحلات الأيات القرآنية “ومن شر حاسدٍ إذا حسد”، وعلى حوائط البعض صور للسيدة العذاء مريم والسيد المسيح..حارة الطيبين تبدأ يومها خلية نحل، كلٍ في عمله، بانوراما متنوعة من مشاهد الحب والتعاون بين كل أهل الحارة الساعين للرزق, ولم يفسد هدوء يومهم إلا فرقة موسيقية صاخبة تدخل الحارة ويخرج الكل إلى الشارع، السيدات والاطفال يطلون من بلكونات ونوافذ منازلهم ، ليشاهدوا تلك الفرقة الموسيقية، التي يظهر خلفها سيارة نصف نقل تسير ببطء شديد حاملة المعلم (أبو سنجة) بلطجي الحارة الذي تم اعتقاله لمدة اكثر من عام، استراح خلاله أهل الحارة من شره واستراح اصحاب المحلات والورش من دفع الاتاوات، التي يفرضها عليهم هذا البلطجي، وقف فوق السيارة يرفع يديه يحيي صبيانه، الذين يرقصون حول السيارة، حاملين السيوف والسنج وبعض الاسلحة الآلية وكأنه لا دولة ولا قانون يهابونه..ويستمر أبو سنجة برفع يده لرد تحية بعض أهل الحارة الذين تقع عينيه في عيونهم، ولا يسمح لهم الخوف إلا بتحيته وتهنئته بسلامة الوصول..أبو سنجة رجل في العقد الرابع من العمر ضخم الجثة، يقل طوله قليلاً عن المترين، وكأنه الرجل الأخضر في حجمه، له شارب كثيف غير متناسق الشعر، وكأنه يعوض رأسه الأصلع ببعض الشعر.
له نابان بارزان كمصاصي الدماء.
خرج المعلم الجندي من محله ومازورة الخياطة حول كتفيه وعبر الشارع الضيق الى ورشة المعلم سمعان الميكانيكي المقابلة لمحله، تحركا عدة أمتار ناحية المعلم عبد الودود صاحب محل القماش وأعينهم جميعاً أسيرة المشهد، معلقة نحو المعلم أبو سنجة حتى لا يفهم عدم اكتراث احدهم وكأنها إهانة شخصية له تسبب متاعب..تجمعوا في تحرك لا ارادي وكأنهم يريدوا ان يتلحفوا ببعضهم البعض او ربما لاحساسهم بالاحتياج لضفر قوتهم الضئيلة سوياً، كما تتضافر الخيوط الصغيرة لتصنع حبلاً قوياً يشنق من يحاول الافتراء عليهم، أبوسنجة أذكى من أن يترك هذا المشهد يذهب لهدفه، لذا نزل من السيارة وإتجه نحوهم، فهو لا يتحمل مزيداً من التضافر والإلتحام والتضامن، وحدثهم قائلاً:
– منور يا معلم سمعان.
– دا نورك يا معلم..حمدالله على السلامة.
– إزيك يا معلم الجندي؟
– الحمد لله يا معلم أبوسنجة.
– ملحقتش أسلم عليك الشهر اللي قبل الحبس يا معلم عبدالودود (يلّمح له بعدم دفع الإتاوة الشهر السابق لحبسه) ويرد المعلم عبد الودود متلعثماً في خوف:
– ملحوقة يا معلم..نسلم سلامين..مش..مش سلام واحد.
ضحك المعلم أبو سنجة بشكل مقزز يثير الاعصاب:
– سلامين وحته…هههه..سلامتها أم حسن..(ينادي احد صبيانه):
– تعال ياض يا موس..بكرة ياض تيجي هنا للمعلمين تاخد السلامات (يضحك ساخراً) وتسلملي عليهم.
– حاضر يا معلم.
– سلام يا معلمين.
رد الجميع وهم واقفين منتصبين، كأنهم أخذوا امراً عسكرياً بالانتباه..لم يتحركوا إنشاً واحداً قبل ان يعطيهم أبو سنجة ظهره.
وقف الجميع مذهولون، يشعرون بالمذلة والهوان والضعف، وتوافد كل أصحاب المحلات الأخرين نحوهم بعد أن مضى أبو سنجة ورفاقه بعيداً، يتسائلون عن الحوار الذي دار بينهم، فرد المعلم الجندي ناظراً سارحاً الى اخر ركن اختفى فيه المعلم أبو سنجة، بصوت حزين كسير:
– ملخص الحوار..كلنا رجعنا للغلب تاني..من بكرة تحضروا الأتاوة..والدكر فينا يروح يشتكي للحكومة..والباقي انتو عارفينه..حكومة تقولك هات دليل..وبلطجي مسنود من (صفوت) بيه واصحابه اعضاء مجلس الشعب اللي بيشغلو أبو سنجة في الدعاية الانتخابية..رد احد المعلمين الحاضرين:
– الحاج صفوت محبوس، وبكدة أبو سنجة عريان من الحماية.
بسط المعلم الجندي يديه في يأس ثم ضرب كفاً على كفٍ، قائلاً أنه سمع أن البهوات نواب مجلس الشعب من أصدقاء صفوت بيه تدخلوا مع الامن، وصفوت بيه خارج اليوم أو غداً بعد استفتاء الرئاسة والاستقرار في البلد.
– البلد بلدهم يا ابو خالد.
– واحنا اللي عايشين فيها يا ناس..مكتوب علينا الفقر والمذله!
– يعني ايه الحل بس؟
– إحنا نكلم الشيخ (بركة) شيخ الجامع يعمل زي كل مرة..يتفق مع الاستاذ نصار ومع أبونا مرقس قسيس كنيسة العذراء مريم، ويجمعوا الناس في الديوان، في بيت الشيخ بركة ونشوف هنتصرف إزاي.
وافق الجميع بالإجماع إحالة الموضوع الى إجتماع ديوان الشيخ بركة، يتكفل المعلم سمعان بدعوة أبونا مرقس وإبلاغه بموعد الاجتماع بعد تحديده، ويتكفل المعلم الجندي بابلاغ الاستاذ نصار.

 

 

 

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …