الجمعة , مارس 29 2024

رواية (الباش تمرجى ) للكاتب جرجس ثروت

10523148_746615842094632_4106231579270019109_n

المؤلف : الكاتب والسيناريست جرجس ثروت
وجاءت اللحظة التي يُحضر فيها للعملية وكان بمفرده حتى أخواته البنات لم يعرفوا شيئاً، ليواجه مصيره وحده دون أن يرى نظرات الشفقة والدموع في عيونهم لأنه كان يحب أن يظهر قوياً حتى في اضعف لحظات حياته، وهو بينه وبين غرفة العمليات دقائق معدودة، تلك الغرفة التي كثيراً ما ساق إليها الفقراء ليتنازلوا عن أعضائهم مقابل المال الذي يقتسمه معهم بلا شفقة أو رحمة، كانت غرفة العمليات عنده كالسلخانة ولم يكن ليفكر مرة إنه سيكون نزيلها بهذه السرعة، تاجر في الأعضاء جميعها ولكن عندما احتاج سقط فريسة مرض في عضو لا يستبدل بل يسقط الجسد كله في التراب الذي اخذ منه، كل أمواله التي جمعها من آلام الناس لم تستطع أن تنقذه من مخالب المرض العضال، ولم يشفق عليهم وهو يرى الخوف في أعينهم وهم في طريقهم إلى غرفة العمليات ليخرجوا منها بدون جزء من لحمهم بعدما ينزفون الكثير من دمائهم، جلس وحيداً بدون معين ولا صديق ولا قريب يشجعه ويبعد عنه مخاوفه في لحظات تقترب فيها النفس من مفارقة الجسد، لحظات ينكسر أمامها الجبابرة ويضعف أمامها الأقوياء وتسقط الدموع دون إرادة طلباً للمعونة والمغفرة، تذكر في هذه اللحظات والدته وهى تفارق الحياة، ولم يكن يستطع أن يطلب الرحمة والشفاء كباقي المرضى لأنه كان يشعر بمدى الشرالذي يعيش فيه وقسوة القلب، من تجارة غير أخلاقية في كل شئ، وحياة دنسة مع عشيقة اشر منه، كان يشعرأن شفتيه غير طاهرة حتى ينادى ربه ويطلب رحمته، مرت أمامه ذكرياته منذ طفولته وكأن حياته شريطاً للسينما يمر أمام عينيه التي انهمرت منها الدموع بغزارة كالسيل لتغسل ذنوبه وجرائمه، ورفع عينيه إلى فوق نحو السماء ليناجى من أعماقه ربه ولأول مرة بصدق من زمن بعيد، وليدعوه ليرحمه ويغفر له، كانت كلماته قليلة لأنه لم يعتاد الصلاة، ولكنها استطاعت أن تعبرعن هذه اللحظة بالنسبة :
– أه .. يا الله .. أنا كلى ذنوب ومعاصي .. حتى فمي وشفتاى نجسة ولا يستحق أن ينطق باسمك .. أنا عارف أنى أغضبتك كتير ومجرم .. لكن أنت رحيم وبتقبل التوبة وبتسامح .. أنا استحق اكتر من اللي أنا فيه اقل جزاء لعيشة كانت بالطول والعرض .. ياما ذليت ناس وتاجرت فيهم حتى أعضائهم بعتها بعمولة .. وجاءت اللحظة اللي فيها أذوق واشرب من نفس الكأس .. رحمتك مع عدلك يارب .. أرجوك أقبل توبتي إليك يا ارحم الراحمين .
وجاء الممرض الذي سوف يحمله على سرير الترولى لغرفة العمليات ووجده يمسح دموعه بيده فشجعه كثيراً حتى ابتسم صلاح وتشجع لأن الطبيب الجراح من اشهر أطباء القاهرة في جراحة المخ والأعصاب،

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …