السبت , مايو 11 2024
المستشار سامح عبد الله

عمر بن الخطاب ورؤية معاصرة (2 )

 المستشار سامح عبد الله
المستشار سامح عبد الله

بقلم : المستشار سامح عبد الله رئيس محكمة إستئناف بالاسكندرية
“أريد هذا الصابئ الذي فرق أمر قريش وسفه آلهتها وعاب دينها”.. خرج عمر شاهرا سيفه يبحث عن محمد هذا الذي فرق أمر قريش.. كانت صفعة حمزة عم النبي علي وجه عمرو بن هشام أحد أخواله عندما أساء إلى النبي وكأنها صفعته هو..

كان أمر مخزيا من وجهة نظر عمر أن يصفع أحد سادة قريش علي وجهه هكذا فقد رأي فيها أن قريش كلها قد أهينت بتلك الصفعة وليس عمرو بن هشام فقط ومن ثم فقد رأي شاب قريش القوي وفارسها وسفيرها أن قتل رأس الفتنة هو الذي سينقذ قريش من خطر الفرقة والفتنة.

خرج عمر يهيم في الطرقات باحثا عن محمد، شاهرا سيفه عازما علي قتله لكنه وهو علي هذا الحال يقابل صحابي يدعي “نعيم بن عبد الله” فسأله عمر.. أين محمد.. ويبدو أن نعيم بن عبد الله قد أسلم سرا فلما رأي منه غضبا سأله ماذا تريد من محمد فرد عمر في غضب.. أريد هذا الصابئ الذي فرق قريش وسفه آلهتها وعاب دينها… فلما رأي منه نعيم بن عبد الله غدرا أماط له اللثام عن سر خطير يجهله عمر.. قال له ما بالك بمحمد ألا تري ما الذي حدث بأهل بيتك.. لقد أسلمت فاطمة شقيقتك وزوجها! .. ألا ترجع إلي أهل بيتك فتقم أمرهم! .

ويبدو هنا أن الصحابي لما رأي عمر علي هذا الحال أراد أن يشغله عن الرسول صلي الله عليه وسلم… وهنا تسمرت قدمها وأدار دفته وغضبه وثورته نحو بيت فاطمة شقيقته.. رأي عمر أن السيف الذي أعده كي يغمده بصدر محمد لابد وأن يغمده أولا بصدر شقيقته وسرعان ما كان عند بابها وقبل ولوج المنزل إستمع صوت همهمة لم يستطع تفسيرها وإن كانت بحروف عربية.. وسرعان ما ولج المنزل فأبصر فاطمة وزوجها سعيد بن عمرو ومعهما الصحابي خباب بن الأرت يتلو عليهما آيات من القرآن هذا الذي أنزل علي محمد..

كان القرآن يتلي سرًا ! .. وهنا أدرك عمر الحقيقة.. لقد أسلمت شقيقته وزوجها وعندما أراد ن يضرب زوجها فتصدت له فصفعها علي وجهها وتقول الرواية أن الصفعة قد أدمت وجهها من أثر غلظة وقوة يد عمر.. ثم طلب منها الصحيفة التي كانت تتلي عليهما فقالت له ووجهها تنساب منه دماءا… أنت لست طاهر حتي تمسها.. إغتسل أولا.. هكذا كانت السيدة ينزف وجهها دما وفي يد شقيقها سيف فتاك لكنها تقول له إغتسل حتي تمس الصحيفة

ويبدو أن عمر قد إنصاع لأمر السيدة الضعيفة.. لقد بهرته قوتها فهي أيضا إبنه الخطاب…. إغتسل عمر وأمسك بالصحيفة بعد أن هدأت ثورة غضبه بعض الشيء فقد شعر بأن هناك أمر جلل يستحق أن تقف شقيقته هذا الموقف منه وهو في أوج ثورته عليها.. هل تستحق هذه الصحيفة أن تدفع شقيقته حياتها ثمنا لها!!

وقرأ عمر.. بسم الله الرحمن الرحيم.. “طه ما أنزلنا عليك القرآن لتشقي. إلا تذكرة لمن يخشي. تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلي..”.. إلي آخر ما نزل من السورة.. فما الذي حدث!.. سقط السيف من يده وإستحالت ثورة غضبة إلي رجفة أخدت بقلبه وإمتلأت عيناه بدموع لم يعرفها من قبل.. فما الذي حدث.. وهل تنقلب النيران المستعرة فجأة إلي سكينة جعلته لا يتمالك قواه.. ما الذي حدث ! .. أهي عبقرية رجل أم معجزة نص أم دعاء نبي مكلوم في عام الحزن أم كل هذا قد إجتمع هنا بمنزل فاطمة حتي يعلنها هذا الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله وإن محمدا رسول الله..

الدماء مازالت تنزف من وجه فاطمة لكنها إختلطت بدموع هي أيضا لم تعرفها من قبل فأضحت مزيجا من شيء عجيبا لا ينبعث فقط من الوجه والعينين بل من الروح.. دخل عمر هذا المنزل وهو ثائرا وقد كان باحثا من قبل عن رأس محمد فخرج منه وقد أعز الإسلام به..

تعالي معي إلي دعاء الرسول ثانية وهو المطارد والمعذب والجريح عند حدود الطائف وهو المكلوم من رحيل عمه وزوجه.. تعالي معي وهو يناجي ربه.. اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين.. عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام.. وأقول لك.. لو أن النبي قد قضي نصف قرن من الزمان بهذا الدعاء لم يكن كثير علي عمر.
دخل عمر الإسلام وأعز الله به الإسلام وقال في شأنه إبن مسعود ” ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر “.. ولم تعد تلاوة القرآن سرا ولم تعد الصلاة سرا.. ولم يعد الجهر بالإسلام سرا.. هكذا أصبح بجانب الرسول رجلين أبو بكر.. وعمر .. وأخدت الدعوة منحي جديدا.. وكانت بدايات دولة…بل أمة.. ولما لا تقول إمبراطورية عظمي ! … وللحديث بقية.

شاهد أيضاً

الجيش المصري

الجيش المصري فى مواجهة اعداء الوطن ..

خالد المزلقاني على خط المواجهة وعلى إمتداد جبهة الوطن لا تقف الدولة وأجهزتها ورجالها المخلصين …