السبت , أبريل 20 2024

ظاهرة القبور الُمُبيِضه

11062359_869579156431598_1616658174380427974_n

بقلم / Samir Girguis

ظاهرة القبور الُمُبيِضه هي في جوهرها أن يكتفي المرء بالعبادة المظهرية وتأدية الفروض الدينية الخارجية ويترك القلب مملوء شراً وبهذا يصير كالقبور الُمُبيِضه من الخارج وبالداخل نجاسة!والقبورالُمُبيِضه التي تحدث عنها السيد المسيح في انجيل متي قائلاً “ويل لكم أيها الكتبة و الفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورا الُمُبيِضه تظهر من خارج جميلة و هي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا انتم أيضا من خارج تظهرون للناس أبرارا و لكنكم من داخل مشحونون رياء وإثما” (إنجيل متي ٢٣: ٢٦-٢٨). لم تكن فقط ظاهره خاصه باليهود في ذلك الزمان بل هي أيضاً من الظواهر الشائعه جداً في مجتمعنا الحالي. هذه الظاهره لا يخلو منها أي مجتمع وهي تتجلى بوضوح في المجتمعات الصغيرة العدد التي يتعمق التداخل بين افرادها وفي نفس الوقت تفتقر إلى تعدد الأنشطه فيصبح الحديث عن الناس والتشهير بهم نوعا من اللهو والتسلية ووسيله فعاله لشغل وقت الفراغ فلا يطيبُ لهم الحديث إلا بذكرعيوب الناس وتلفيق التهم إليهم ولا يبالون بما يقولون فهي بالنسبه لهم رياضتهم المفضله.بالاضافه إلى أن الذي يمارس هذه الرياضه -ان جاز هذا التعبير- غالبا ما يكون صاحب مكانة دُنيِا في المجتمع ويريد لفت الأنظار إليه فيظن أنه باطلاق الشائعات سيرفع من مكانته ويظهر بمظهر الأنسان الفاضل الذي يسعى إلى حماية المجتمع من الأضرار وكيف لا وهو الخبير باحوال الناس والعليم ببواطن الأمور. وينسي أو يتناسي هذا الشخص- أو الأشخاص- قول السيد المسيح له المجد في إنجيل مرقس عن أصحاب القبور المبيضه :أن الذي يخرج من الإنسان ذلك ينجس الإنسان. لأنه من الداخل من قلوب الناس تخرج الأفكار الشريرة زنى فسق قتل. سرقة طمع خبث مكر عهارة عين شريرة تجديف كبرياء جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان”. “مرقس٧ :٢٠-٢٣”

وللحق فان خطورة هذه المشكله تكمن في أن تَبعاتِها لا يتحملها شخص واحد بل هي وباء يتحمل نتائجه ويشترك فيه المجتمع ككل فالمجتمع لديه القدره على السماح لهذه الظواهر بان تنمو وتترعرع كما أن لديه القدره على أن يُحجمها ويمنعها من الظهور؛ فهو إذاً يُشَكل تُربَه تكون أِما صالحه لنمو مثل هذه المهاترات أو قادره على خنقها في المهد. وبذلك يشترك المجتمع كله في هذه الجريمه النكراء ويصبح الجميع سواء في تحمل مسئولية الألم والجرح العميق الذي نتسبب في حدوثه للاخرين.

الخطوره الجسيمه لاتخاذ أعراض الناس وحياتهم ماده للتسليه وشغل وقت الفراغ تتمثل في الألم والجرح العميق الذي نتسبب فيه للاخرين فلا أحد يستطيع أن يتخيل مدى المعاناه التي يتحملها الأشخاص الذين يصيرون هدفاً لاصحاب القبور المبيضه.هذا الألم وهذه المعاناه التي تصل إلى حد القتل البطئ “كل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس”.”١ يو ٣ :١٥”.هذا الألم وهذه المعاناه يتحمل مسئوليتهم ليس فقط من أطلق الشائعة- بل كل من اشترك في سماعها ومناقشتها .فموقف السامع من الشائعه -سواء بالتوكيد أو بالنفي- ليس مُهماً على الأطلاق فكلا الحالتين-لتوكيد أوالنفي – تُغذي -فيمن اطلقها – ألشعور بالاهميه والقديس بولس الرسول في رسالته الاولي إلى أهل كورنثوس الأصحاح ١٤:٢٤-٢٥ التي يتحدث فيها عن كيفية معاملة الناس من قِبَل المجتمع الكنسي ؛يضع لنا الطريقه الناجعه لعلاج مثل هذه الحالات حينما يتحدث عن العاَمي الذي يدخل وسط جماعة ألمؤمنين ” فإنه يوبخ من الجميع. يحكم عليه من الجميع وهكذا تصير خفايا قلبه ظاهرة. وهكذا يخر على وجهه ويسجد لله، مناديا: أن الله بالحقيقة فيكم” . فالاصل والحكمه في معالجة هذا الموضوع لا تتمثل في مناقشة الموضوع نفسه ولا في محاولة اقناع الشخص بانه مخطيء ولا تتمثل أيضاً في محاولة اقناع الأشخاص الذين صاروا هدفاً لاصحاب “القبور المبيضه” بان لا يلتفتوا إلى هذه الشائعات بل الاصل والحكمه في معالجة هذا الموضوع تتمثل فقط كما قال معلمنا بولس الرسول في توبيخه من الجميع والحكم عليه من الجميع بدون السماح لانفسنا-كمجتمع- بالوقوع في فخ المناقشة والاقناع و الأخذ والرد.

النقطه الأخرى التي يجب أن يلتفت إليها الجميع هي تسمية الأسماء باسمائها الحقيقيه بدلاً من محاولة أطلاق أسماء مُستعاره عليها و ما أكثر الأسماء المستعارة التي نُسبغها على أخطاء الناس فقد سمعت أحد الأشخاص الذين يحترمهم المجتمع- فقط كنتيجه للزي المميز الذي يرتديه- -سمعته يتحدث إلى أحد الأشخاص المتالمين من الأتهامات الباطله التي تمس الأعراض فيقول له أن هذا مجرد نقد ويجب علينا أن نتقبله وأن الموضوع ليس أكثر من تعليق من الناس على سلوك معين وتسألت في داخلي كيف يجرؤ أي احد كائناً من كان أن يُسمي الاغتياب والخوض في أعراض الناس مجرد نقد. كيف يستطيع أن يقول أن الطعن بالسكاكين ما هو ألا مجرد تعليق على سلوك معين. ألم يكن من الأفضل لهذا الشخص أن يفكر ملياً قبل أن يتكلم وأن لم يستطع أن يتكلم بحكمه فالاولى به أن يصمُت بدلاً من تعميق جروح الأخرين؛ فياليتنا إذن نواجه الحقائق واضحة وصريحة، ولا نُسمي الأمور بغير أسمائها، لكي نستطيع أن نعيش الحقيقة ، وهذا ما حذرنا منه يسوع لننتبه من دهاء البشر. فلنُصَحِح أنفسنا أولا قبل أن ننصح الآخرين ولننتبه لكي ينصلح شأن المجتمع الذي نعيش فيه..

ولكن لكي ينصلح شأن المجتمع فبعد أستئصال هذه الآفه بالطريقه التي رسمها لنا القديس بولس الرسول تأتي خطوه من أهم الخطوات التي يجب الا نتهاون فيها الا وهي محاولة أصلاح هذا الشخص صاحب القبر المبيض بروح الوداعه كما قال الكتاب في غلاطية ٦: ١. فهذا الشخص الذي يغتاب الأخرين يكون في أشد الحاجه إلى الصلاه من أجله كما إنه قد يحتاج إلى العلاج النفسي نتيجه لظروف خاصه به. لكن على كل الأحوال لا يجب أن يترك هذا الشخص وشأنه بل نُمَكن له المحبه لئلا يُبتَلع من الحزن المفرط كما يقول الكتاب “١كو ٧؛٨”

أما فيما يتعلق بهؤلاء الذين تم اتهامهم بالباطل ولم يتحرك المجتمع الفاضل- أو الذي يعتقد في نفسه أنه مجتمع فاضل- لدرء هذا الأتهام فيكفيهم أن يعلموا أنهم يتشبهون بالسيد المسيح فأن السيد المسيح يمثل كل الضحايا الأبرياء والصلب كان الوسيله الفعاله لتنبيه البشر إلى هذه الحقيقه-حقيقة أن الضحايا ابرياء- ولكن يجب عليهم أيضاً أن يتعلموا الأحتفاظ بالاخرين على مسافه مناسبه حتى لا يتسببون لهم في مزيد من الألم والجراح.

شاهد أيضاً

ع أمل

دكتورة ماريان جرجس ينتهي شهر رمضان الكريم وتنتهي معه مارثون الدراما العربية ، وفى ظل …