الجمعة , مارس 29 2024
مستشفى

سحابة حزن قد تمر .

محمد شلبى أمين
ساد الصمت . . إلا . . من صوت تضرعها وقت السحر.. وصوصوات الكتاكيت . . و خرير ماء الوضوء.
حمار معلق بعربة خشبية . . تصدر أصواتا مزعجة..توقظ النائمين ، ولد يحثه علي المسير . . فيسرع الخطي ، يزداد الصوت الصادر . . فيحدث ما يشبه الانفجارات الصغيرة .
أقرأ في جريدة الأمس التي لم أقرأها إلا الآن
عنوان كبير. . ” الكبت يولد الانفجار ” . .
أحاول الانفجار فلا أستطيع .
مهنتي التي لا أعرف سواها هي تدريس الفلسفة..وبحكم مهنتي أعود بكل شىء في النهاية متفلسفا . . حتي في أصعب اللحظات . . اعتدت في كل ليلة حينما يجافي النوم روحي . .أدفن رأسي في غطاء نومي . . و أنسي أني أسكن هذه الأرض .. أمني نفسي بالأمل . . الليلة أسلمت رأسي للوسادة . . و كأني أسلمها لغيري . . يسحب من عيني الضياء . . أنسي أني كائن حي .
أصبحت من قاطني عالم الحلم وجدته أسوأ من الواقع رأيت أشباح الليل تحاصرني . . تتمدد داخل أنسجتي ..تتفرق بين شراييني . . تتمني أن أتلاشي كي ما تخرج . . تملأ كل بقاع الأرض . . و يسود الخوف .
أستيقظ فزعا . . أسمع هذا الصوت القادم من أعماق بغداد . . يصرخ معبرا عن آلام أهلها . . يتغني باسمها بمجدها . . بتار يخها . . يبكي حالها . . يصفق له الناس . . يحلق شعر رأسه ويسير كجندي في الميدان ..يصرخ كأنه يمامة العراق تنوح في الليل لمقتل الحسين .
أحس بغربيتي داخل جسدي . . ترتفع حرارتي. . تفوق كل الترمومترات . . صداع يملأ كياني.. بداخلي إنسان مفكك . . من الطبيعي أن العقل هو القائد.
عقلي يقول : قم بنا نترجل . . أجدني لا زلت نائما .ساقي في ناحية . . والأخري في ناحية ، ويداي كل في عكس الأخري و رأسي متدل كأنه مقطوع ..وعيناي شاخصتان كأنهما عينا ميت . . ولساني ممتد للأمام كأنه خرج عن حدود الأدب . . فلا تستطيع شفتي الإمساك به .
و أذناي تتسمعان ما تبغيانه و تحاولان تسجيله و ترجمته للعقل . . فلا يسمع . . و كأنها اسطوانات فارغة . . أشاهدني كل يوم معلق علي مدخل القرية..تجهض أحلامي فوق رمال الواقع ..تلقح أفكاري أمام عيني عنوة . . تتألم نفسي ..لم أكن أنا الأسطورة التي يبحث عنها الزمان . . ويفاخرباحتوائها ويتحاكاها الناس . لم أكن الفارس المغوارالذي يقود الجيوش ويحرر الأسري . إنما أنا كائن . .
الضحك يملأ عينيه . . والبكاء يملأ جوفه .
علموني . . في الطفولة أن أكون فارسا صغيرا . . وحينما كبرت واستويت . . أمروني أن أكون أجبن من في الأرض . . فلم أستطع . .
أغسل ملابسي . .أشم رائحة عرقي . . أستنشق فيه عرق الثوار ..استجدي دموعي . . فتأبي . . أغمض عيني وارتمي فى الفراغ المحيط بروحي . . أفرد يدي كطائر مهاجر . . أحتضن الفراغ . . يبتلعني الوقت . . تحتويني الجدران . . أحاول أن أعبر هذه الحدود الكئيبة . . أنفعل في غسل ملابسي . . المواد الكيماوية التي توضع لغسل الملابس . . تدمي يدي . . يزداد صوت بغداد حدة . . أنفعل أنا . . استجدي دموعى. . تستحيل . . أنفعل . . تتساقط بغزارةأحمد الله علي سقوط المطر . . أغسل ملابسي واستحم بدموعي .
أتمني أن . . أكتبني حرفا فوق ستار الكعبة . .أو أبنيني حجرا فوق جدار القدس . . أتمني أن أرسمني شعبا حرا . . الفجر يخرج من ضلوع الليل منسلخاً . . أمام عيني . . يؤذن للصلاة . . أتوضأ . . و أصلي أجلس أترقب الضياء . . أقبل يديها . . و أخرج أسير أحمل كراسات الأولاد . . أتأمل تحت قدمي أتعثر في آثار الانهيارات اليومية
أعبر النهر . . أصل الشاطئ الآخر . . اعتدت في سيري أن لا أنظر ورائي . . كي لا أحس بالتعب، أدخل عالمي . . يدق جرس الإنذار . إيذاناً ببدء حصتي اليومية . . أقف مشدوها . . قاطب الجبين زاما شفتي . . أبحث عن . . لا . . أحد أسمع أحدهم يهمس للآخر . . متي سنزور القدس. . تهتز الأشياء أمام عيني . . لا أحتمل الوقوف . . أجلس علي المقعد الخشبي . . أجد النهار ينسحب كأنه فارس مقهور أتعلق بشعاع الشمس الغارب استسمح ليلي أن يتمهل . . استرجع .
حينما يمضي الوقت وتغيب الشمس . . وتعج القرية بقاطنيها . . والليل يفرض نفسه علي الحياة . . يهيمن علي الأركان المترامية . . ينشر عباءته ، ونحن نترنح في الطرقات . . كأننا سكاري . . نقاوم . . الخوف نقاوم الذل . . حينما نحاول كسر حاجز الصمت . . فنجد الموت.
تقترب منى على استحياء.. تعيد السؤال هامسة فى أذنى بصوتها الرقيق.. متي ؟
أجيبها بانكسارى : حينما تمر سحابة الحزن

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.