الجمعة , مارس 29 2024
منير بشاى

المسافة بين الشرق والغرب

لعهد قريب، كانت المسافة بين الشرق والغرب شاسعة وشاقة تفصلها البحار والمحيطات ويستغرق قطعها شهورا. ولكن وسائل المواصلات الحديثة مثل الطائرات النفاثة قد قربّت من المسافات الجغرافية. كما ان وسائل الاتصالات الالكترونية مثل الراديو والتلفاز والهاتف والمحمول والانترنت والفيسبوك والتويتر قد حاولت التقريب من المسافات الفكرية والحضارية. ولكن هذا التقارب الحضارى كان ضعيفا وبطيئا نتيجة وجود عوامل رافضة تدفع الى النفور وتأكيد الاختلاف بدلا من التلاحم والتوافق.

وصدقت مقولة الشاعر البريطانى روديارد كيبلنج، الحائز على جائزة نوبل، التى قالها فى نهاية القرن التاسع عشر، أن “الشرق شرق والغرب غرب…لن يلتقيا ” ومن الطريف ان الكتاب المقدس يستخدم أيضا تصوير البعد بين المشرق والمغرب للتعبير عن عظم المسافة فيقول “كبعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا” مزمور 103: 12.

ومع ذلك فأحوال الشرق التى تمزقها النزاعات العرقية والخلافات المذهبية والتى تفتقر الى احترام الحريات ويطغى عليها الفساد وتضيع معها فرص الحياة فى العمل والسكن والمأكل والتعليم والعلاج. هذا الشرق الذى منى بالمنظمات الارهابية التى تكفّر من يختلف معها فى الدين والمذهب وتستبيح اموالهم ودمائهم واعراضهم. الشرق الذى عانى من البلطجة وغياب الامن والامان. كل هذه الاعراض وغيرها التى انتشرت فى شرقنا (السعيد) دفعت الملايين من شعوب المنطقة الى هجرة الشرق الى بلاد الغرب سعيا نحو حياة افضل لهم ولأولادهم.

وقصة عبد الله شنو (36 سنة) ما تزال عالقة بالذهن. دفع الرجل مبلغ 4000 يوروا لمن وعد ان باخذه وعائلته من تركيا الى جزيرة كوس باليونان حيث يأملوا ان يصبحوا لاجئين. ولكن القارب المحمل بأكثر من طاقته انقلب بهم فى البحر بينما ما يزال فى بداية الرحلة ونجا الرجل ولكنه فقد كل عائلته المكونة من الزوجة وابنين. وبعد ايام ألقت الأمواج بجثة طفله ايلان (5 سنوات) الى الشاطىء. وشاهد الناس على شبكات التلفاز منظر الطفل الغريق وهو ملقى على شاطىء تركيا، الصورة التى ابكت ملايين الناس حول العالم.

هذه الحادثة دفعت دول اوروبا الى تغيير موقفها من التردد الى قبول اللاجئين العرب فى اراضيها. وكان سبب التردد هو التخوّف من ان يندس بين اللاجئين ارهابيون. كما ان التخوف كان من ازدياد اقليات ينظر بعضهم الى الغرب على انها بلاد الكفر ويكنّون لحضارتها العداء. وقد اثبتت العمليات الارهابية الاخيرة فى فرنسا وكاليفورنيا ان هذا التخوف له ما يبرره.

وما حدث مؤخرا فى المانيا فى مدينة كولن ليلة راس السنة يؤكد ايضا صدق هذا التخوف الذى يفرضه وجود هذه الاعداد الكبيرة من المهاجرين. فقد تم توثيق 90 جريمة سرقة وتحرش. فى تلك المناسبة وحدها طبقا لتقرير نشرته CNN وكان من ضمن هذه حالة اغتصاب وقعت فى المنطقة المحيطة بمحطة القطارات الواقعة بالقرب من الكاتدرائية التاريخية.

وقد اعربت المستشارة الالمانية ميركل فى اتصال هاتفى مع حاكم مدينة كولن عن غضبها قائلة “ان مثل هذه التصرفات مقززة ويجب القبض على الجناة ومعاقبتهم بأسرع ما يمكن”.

وكانت المانيا هى الدولة التى استقبلت الكم الأكبر من المهاجرين. ولكن هذه الحوادث استفزت السكان المحليين ودفعتهم الى الاحتجاج وانتقاد الاعلام الالمانى لتقصيره فى تغطية ما يحدث تحسبا للحساسية فى التعامل مع بعض الاصول العرقية عندما ترتكب الجرائم.

فى صميم المشكلة اعتقاد بعض هؤلاء المهاجرين ان النساء الاوروبيات لا اخلاق لهن وانهن صيدا سهلا لمن يريد. هذا التفكير عبّر عنه مفتى استراليا الشيخ تاج الدين الهلالى وهو مصرى هاجر الى استراليا من لبنان. وقد صرّح الهلالى ذات مرة ان من لا ترتدى الحجاب من نساء استراليا تصبح كاللحم المكشوف وتتحمل وزر ما يحدث لها. وكان ضمن ما قاله “اذا اخذت لحما مكشوفا ووضعته فى الشارع او فى الحديقة او المنتزه او فى الساحة الخلفية دون تغطية وجاءت القطة واكلته فغلطة من هذه؟

هل هى غلطة القطة ام غلطة اللحم غير المغطى؟” وأضاف “اللحم المكشوف هو المشكلة”. وفى رد فعل لهذا القول صرّح رئيس الوزراء الاسترالى جون هاوارد للصحفيين بأن تلك التصريحات “مرّوعة وتستحق التوبيخ”. وأضاف “فكرة ان النساء يتحملن مسئولية تعرضهن للاغتصاب مشينة”.

الواضح ان المشكلة تكمن فى وجود صدام للحضارات بين الشرق والغرب. ولذلك سيستمر ابناء المشرق الذين يعيشون فى دول الغرب يعتبرون أنفسهم غرباء فى اوطان ولدوا وتعلموا وعملوا وعاشوا فيها كل حياتهم. وقد ينظر بعض المتطرفون لبلاد الغرب على انها ارض العدو، ويصبحوا خلايا نائمة وقنابل موقوتة قابلة للانفجار فى اى لحظة.

وسنستمر نسمع التحذيرات التى تحط من الغرب وتمتدح الشرق وتطالبنا ان لا نتشبه باخلاقيات المجتمعات الغربية وان نحافظ على تقاليدنا الشرقية. ونتناسى كل عيوب مجتمعاتنا الشرقية وكيف اصبحت يطغى عليها الرياء والكذب والغش والفساد وانعدام الضمير. ونتناسى محاسن المجتمعات الغربية من الصراحة والدقة والامانة وتقديس العمل واحترام حقوق الغير.

وسواء عن حق او باطل، سنستمر فى اقامة جدار الخصومة بيننا وبين الغرب، ويظل التعبير يتردد ان “الشرق شرق والغرب غرب…لن يلتقيا”.

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.