الجمعة , أبريل 19 2024
مجده نجيب فهمى

«إن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً»( ) (يو 8: 36)

الجزء الثالث 3
+ «ثم دعا الجمع وقال لهم: اسمعوا وافهموا. ليس ما يدخل الفم يُنجِّس الإنسان، بل ما يخرج من الفم هذا يُنجِّس الإنسان» (مت 15: 11،10).
+ «ليس شيء من خارج الإنسان إذا دخل فيه يقدر أن يُنجِّسه، لكن الأشياء التي تخرج منه هي التي تُنجِّس الإنسان… أَمَا تفهمون أنَّ كل ما يدخل الإنسان من خارج لا يقدر أن يُنجِّسه، لأنه لا يدخل إلى قلبه بل إلى الجَوْف، ثم يخرج إلى الخَلاَء… ثم قال: إنَّ الذي يخرج من الإنسان ذلك يُنجِّس الإنسان. لأنه من الداخل، من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زِنى، فِسق، قتل، سرقة، طمع، خُبث، مَكْر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتُنجِّس الإنسان» (مر 15:7-23).
ما معنى هذا؟
معناه أن رسالة الابن التي جاء بها من عند الآب لا تخص النجاسة أو التطهير من النجاسة، بل تدعو إلى القداسة والتطهير من الخطية: «لأن الله لم يَدْعُنا للنجاسة بل في القداسة» (1تس 7:4). على أن النجاسة لا تدخل الإنسان، بل تخرج من قلبه – وليس من جسده – إن كان قلبه شريراً؛ حيث النجاسة هي أولاً وأصلاً ليست نابعة من الجسد، ولكن نابعة من القلب، وتأخذ طريقها عَبْر الأفكار لتكون بعد ذلك أعمالاً. فـ ”الزنا“ أصله ومنشأه فكر خارج من القلب الشرير الذي أغواه الشيطان. هنا ثقل خطية الزنا واقعٌ على الفكر الشرير أي على النفس، فَعَلَى النفس يقع اللوم وتقع العقوبة وليس على الجسد، لأن تعامُل الشيطان وهو قوة عقلية مُخرِّبة لا يكون مع الجسد، بل مع ”فكر القلب“.
وما قاله المسيح عن الزنا، قاله عن الفسق والقتل والسرقة والطمع والخبث والمكر والعهارة والعين الشريرة والتجديف والكبرياء والجهل. هذه كلها تخرج من أفكار القلب الشرير وليس من الجسد، لأن الشيطان لا يتعامل إلاَّ مع العقل والأفكار والقلوب، لأنه – كما قلنا – فإن الشيطان ليس قوة جسدية، بل قوة عقلانية نفسانية مُخرِّبة، أول ما تُخرِّب في الإنسان تُخرِّب عقله وأفكاره ونفسه.
نفهم من هذا أن العبادة أي الانشغال بالعلاقة مع الله ينبغي ويتحتَّم أن ترتفع إلى مستوى القلب والفكر والنفس، ولا تنحط قط إلى مستوى الجسد. فالتطهيرات في المسيحية تختص بالقلب والفكر والنفس، وهي التي تصدر منها أفكار النجاسة والشهوات التي تَستعبِد وتذل الجسد تحت عبودية الخطية والشيطان.
وما معنى هذا؟
معناه أنه من العبث، بل من المُحال، أن تبدأ العبادة والتقديس من الجسد ومن تطهيرات الجسد!!
لذلك قالها المسيح واضحة صريحة: «الله روح. والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا»؛ حيث الروح هي النفس الروحانية، لأن النفس إذا انحازت للجسد وشهواته صارت نفساً حيوانية، والنفس التي تنحاز للروح هي نفس روحانية. لذلك أصبح معنى السجود بالروح، هو السجود خلواً من ميول وانفعالات جسديـة، بمعنى أن تسيطر عليه النفس الملتصقة بالروح والروحانيات. حيث يكون السجود ”بالحق“، هو سجود خلواً من باطل، والباطل يعني العالم وكل أباطيله، والحق هو الله!
فإذا عُدْنا إلى قول الابن: «فإن حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحراراً»، يكون معناها واضحاً أن دخول الابن إلى العالم كان بالأساس للإنهاء على أية عبادة تَمُتُّ للجسد بصِلَة، لأن الجسد استُعبِد للخطية، والخطية هي عمل الشيطان. فهناك استحالة أن يُعطَى للجسد فرصة للعبادة لله بأي حال من الأحوال. لذلك قَصَرَ الابن العبادة لله ”بالروح والحق“ قصراً مطلقاً، لا يدخل فيها الجسد ولا تنتمي إلى العالم الباطل.
بقلم الأستاذة/مجده نجيب فهمى

شاهد أيضاً

ليلة أخرى مع الضفادع

في ضوء احداث فيلم الوصايا العشر بشأن خروج بني اسرائيل من مصر التى تتعلق بالضربات …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.