الخميس , أبريل 25 2024
أخبار عاجلة
الكنيسة القبطية
د.ماجد عزت إسرائيل

الراهب أباكير السرياني وثقافة الموت (1957-2002م)

د.ماجد عزت إسرائيل

تعد مقالة الموت للراهب المتنيح أباكير السرياني،من أهم الأصدارات التى صدرت عن دير السريان ببرية شيهيت فى مايو 2002م، حول ثقافة الموت عند الأقباط،والتى كتبها صاحبها من خلال الرسالة التى كتبها القديس القديس

كبريانوس أسقف قرطاجة إلى شعبه، حينما حدث فى إيبارشيته وبأ والذى حصد الكثيرين من أبنائه ، فإنزعج البعض وحزن آخرين على الذين ماتوا، فكتب لهم أسقفهم رسالة تعزية حتى لا يهابون الموت

الذى يعتبره الجسر أو الطريق إلى الحياة الأبدية،وبالأمس القريب كتب لنا المتنيح الراهب أباكير

هذه المقالة لتكون رسالة تعزية لكل إنسان حزين على فقيد حبيب أو صديق.


واعتقد أن المتنيح أباكير السريانى كتب رسالته عن الموت من خلال نظرته وثقافته للحياة بصفة عامة ،فرآى أن البشر طوال تاريخهم على سطح الأرض، حاولوا أن يتكيفوا مع بيئتهم

واستغلالها فى أشباع حاجاتهم من أجل البقاء والاستمرار لأجسادهم ولأسرهم،ولذا نجد أن القدماء المصريون،اهتمواً بالموت مع كراهيتهم له وتعلقوا بالأمل في البعث بعد الموت،فقد كتبواعنه:

“الموت أمر بغيض يجلب الدموع والأحزان، ويخطف الرجل من بيته ويلقي به على كثيب رملي في الصحراء

لن نعود إلى الأرض أو نرى الشمس” كما أن الموت فى الثقافة العامة هو نهاية الحياة

لأى نظام اجتماعى حى مثل الأجساد والجماعات والمجتمعات، الموت ينهى الفعل الاجتماعى

والممارسات الاجتماعية، ولذلك نُظر إلى الموت فى ثقافتنا الشرقية، بإنه شر وقدر محتوم.


وربما كانت كتابات بعض الفلاسفة عن الموت لها تاثيراُ ودافعاً للراهب المتنيح أباكير السرياني 

لكتابة مقالته،فمن فكرة أفلاطون عن “التدريب على الموت” إلى التحليل الوجودى لهايدجر،والذى كشف عن”الوجود نحو الموت”

كان التيار الرئيسى للفلسفة الغربية مخلصاً دائماً، لهذا الخط. وهناك جانب آخر من الفلاسفة

وهم قلة فى واقع الأمر، ساروا على نهج “أبيقور” القائلة بأن:” الموت هو لا شىء”،فإذا كن الموت مجرد

لا شىء، ولا معنى له بالنسبة للحياة، فلن نستطيع أن ندرس الحياة من حدها، بل على العكس

يجب أن ندرسها لذاتها، وحينها سيتضح معنى الحياة من داخلها.وهذا الخط من فلسفة الحياة والموت

عبر عنه الفيلسوف الهولندى” سبينوزا” الذى عاش فى القرن السابع عشر الميلادى

وقال:” الموت هو أخر ما يفكر فيه الرجل الحر”


وللحقيقة التاريخية أن الراهب المتنيح أباكير السرياني كتب مقالته “الموت”

بعد أن حدد هدفه من الكتابة وخلاصته كما ذكر قائلاً”… آرى أن بعضكم بسبب ضعفهم،أو تمتعهم

بمباهج العالم الحاضر،أراهم لا يقفون بنفس الصلابة ولا يظهرون القوة الروحية التى تقهر

لذلك وجدت أن المشكلة لا يجب أن تنكر أو نقف إزاءها صامتين ..” هنا بمحبته وحكمته أراد أن يوصل رسالته

على أن البعض يحبون مباهج الحياة وسلطانها والتمتع بها،ويكرهون الأمراض لأنها الطريق للموت

الذى يخافون منه ويهربون من سماع كلماته،ولذلك حذرنا الرب من ألا نرتجف أو نضطرب

أمام عواطف وشهوات ودوامات هذا العالم،لأن المحنة تزاد أكثر فى الأيام الأخيرة، لأن الرب وعدنا

قائلاً:”هكذا أنتم أيضًا متى رأيتم هذه الأشياء صائرة ،فأعلموا أن ملكوت الرب قريب”(لوقا31:21).


على أية حال،حاول المتنيح الراهب أباكير السريانى فى رسالته عن الموت طرح سؤاله لعامة الشعب قائلاً: “إن السمائيات تحل محل الأرضيات،والباقيات محل الفانيات.

إذن أى مكان بيننا لأى قلق أو إضطراب؟من منا سيكون مرتجفاً أو حزينناً إلا الذى يحيا بغير إيمان أو رجاء؟

من يخاف الموت إلا الذى لا يريد أن يذهب إلى المسيح؟ ومن لا يريد أن يذهب إلا الذى لا يؤمن أنه سوف يكون معه إلى الأبد؟!”،

كما ذكر لنا مثالاً رائعاً عن حياة إيمان سمعان الشيخ الرجل البار الذى أعلمته السماء أنه لا يرى الموت حتى يعاين الطفل يسوع، الذى حمله على ذراعيها وهتف قائلاً”الآن تطلق عبدك ياسيدى حسب قولك بسلام”( لوقا 29:2).


وأخيراً يمكن لنا القول أن مقالة الراهب المتنيح أباكير السرياني عن الموت

لخصها لنا الحبر الجليل نيافة الأنبا متاؤس رئيس دير السريان،فى مقدمته عند صدورها فى طبعتها الأولى

فى مايو 2002م حيث ذكر قائلاً:”الموت هو جسر ذهبى به ننتقل إلى عدم الموت وبرحيلينا من هذه الحياة الفانية ننتقل إلى الحياة الباقية،فالموت ليس هو نهاية بل بداية حياة أخرى ،عبور ورحلة إلى الخلود إلى الحياة الأفضل”.

 

الكنيسة القبطية
الراهب المتنيح أباكير السرياني

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.