السبت , أبريل 27 2024
منير بشاى

يهوذا الذى يعيش بيننا

عندما واجه السيد المسيح تلاميذه بالقول: ان واحدا منهم سيسلمه، وقع الأمر عليهم وقع الصاعقة. كان الأمر بالنسبة لهم ابعد من التصور. كيف يستطيع واحد من الاثنى عشر الذين اختارهم السيد المسيح ان يفكر فى القيام بمثل هذا العمل المريع؟

هؤلاء الذين تركوا كل شىء وتبعوه، الذين عاشوا معه ثلاث سنوات، اكلوا وشربوا معه، سمعوا كلماته، عاينوا مجده، رأوا معجزاته، وآمنوا انه المخلص المرسل من الله – كيف فى لحظة من الزمن يقرروا ان يسلموه للاعداء، وينهوا علاقتهم به، ويقضوا على كل أمل عاشوا يحلمون فى تحقيقه بواسطته؟

ومع ان أحد عشر من التلاميذ كانوا يعرفون انهم لا يمكن ان يقوموا بمثل هذا العمل ولكن وقع الصدمة جعلهم يشكون فى أنفسهم فأخذوا يتساءلون الواحد بعد الآخر: هل انا يا معلم؟

اما يهوذا فكان يعرف نفسه انه هو من سيقوم بالتسليم ولكن ربما وجدها فرصة ان يحصل على دليل جديد يؤكد مقدرة المسيح الاعجازية فسأل المسيح: هل انا يا معلم؟ فجاءه الجواب بالايجاب. وهنا تحقق يهوذا ان المسيح يعرف الغيب وان من يعرف الغيب قادر على كل شىء وزاده هذا اقتناعا بنجاح خطته الشيطانية.

لم تكن هذه المرة الاولى التى رأى فيها يهوذا قدرة المسيح الاعجازية. فقد رأى بعينيه كيف حاول اليهود مرارا ان يمسكوا بالمسيح ولم ينجحوا. ومن ذلك فى ذات مرة عندما وبّخ المسيح اليهود اخذوه الى خارج المدينة وجاءوا به الى حافة الجبل حتى يطرحوه الى اسفل ويقول الانجيل فى (لوقا 4: 30) ان المسيح جاز فى وسطهم ومضى دون ان يصيبه اذى.

كان يهوذا متأكدا ان اليهود لن يستطيعوا ان يمسكوا بالمسيح حتى بعد تسليمه لهم. ولذلك فربما كانت خطته ان يقوم بتسليمه صوريا ويقبض الثمن. ثم بعد ذلك يستطيع المسيح الافلات من اليهود بقدرته الفائقة. فيكون هو المستفيد بالمال دون ان يحدث للمسيح ضرر.

ولكن خطة يهوذا لم تتحقق. فالمسيح لم يمارس قدرته الفائقة فى هذه المرة. والتسليم الذى ظنه يهوذا صوريا اصبح تسليما حقيقيا. ويقول الانجيل فى (متى 27: 3- 5) ” حينئذ لما رأى يهوذا الذى اسلمه انه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة الى رؤساء الكهنة والشيوخ قائلا قد اخطأت اذ سلمت دما بريئا. فقالوا ماذا علينا انت ابصر. فطرح الفضة فى الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه”.

وكانت النتيجة ان يهوذا قد عمل اكبر غلطات حياته عندما ارتكب ابشع خيانة عرفها التاريخ وهى التسليم للموت البار الذى لم يعرف خطيئة. فندم يهوذا على فعلته ولكنه كان ندم الحسرة وليس التوبة. ومع ان يهوذا كان محبا للمال، ومستعد دائما لعمل اى شىء ليحصل على المزيد منه، ولكن المال فى هذه المرة لم يكن له طعما فارجعه لاصحابه. بل ان الحياة كلها لم يعد لها قيمة فقرر ان يموت عن ان يعيش ويتذكر ما فعل فى كل لحظة.

يهوذا القديم مات وهلك. ولكن هناك دائما يهوذات جدد فى كل عصر وكل مكان. هؤلاء يخدّرون ضمائرهم بنفس تفكير يهوذا. انهم يريدون ان يحصلوا على بعض المنافع وفى نفس الوقت لا يظنون انهم سيتسببوا فى اى اضرار لأى احد. فعندما يخونون مسيحهم وايمانهم وكنيستهم واخوتهم يظنون ان الله قادر ان يحمى كل هؤلاء وفى نفس الوقت سينعمون هم بما اكتسبوا ثمنا لخيانتهم.

مساكين..عندما يتحقق هؤلاء ان خيانتهم لا يمكن ان تكون بريئة، وانهم تسببوا فى دمار لا يمكن اصلاحه وايذاء لا يمكن علاجه. ويصبح ما حققوه من مكسب لا قيمة له. وحتى التوبة سيأتى يوم تصبح لهم بعيدة المنال ” فماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه” (مرقس 8: 36)

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.