الخميس , أبريل 25 2024

الأقباط والعلمانية المفقودة (١١) .

الكاتب : مايكل عزيز البشموري
* أبو الاصلاح ومحو الذنب بالتعليم :
+ أنشأ البابا كيرلس أبو الاصلاح عدداً من المدارس المجانية للمسلمين والاقباط وللمصريين وللأجانب على السواء ، ليصبح التعليم في متناول الجميع بعد أن كان قاصرًا على مدارس الدولة التي كان قد أنشأها محمد على واقتصرت تلك المدارس على أبناء الوجهاء والأعيان ، وكان البابا يهدف بذلك إلى تثقيف الشعب ورقى البلاد ونهضة الامة المصرية جمعاء ، فكان يقوم بكل مطالب التلاميذ من دفع مرتبات المدرسين وشراء المستلزمات الدراسية المجانية للطلاب وما إلى ذلك ؛ ومن شدة اهتمامه بنجاح العملية التعليمية كان يزور غرف التدريس دائما كل يوم مرة أو مرتين ، ويستمع لإلقاء المدرسين للدروس، ثم أنشأ بالمدرسة الكبرى بالأزبكية قاعة يستقبل فيها الزوار لاسيما الأجانب الذين كان يكلفهم بفحص غرف التدريس وإبداء ملاحظاتهم عليها وما يؤول لنجاحها. وكان يقوم هو نفسه بإلقاء بعض الدروس التاريخية والأدبية على الطلبة مما يناسب إدراكهم وسنهم، وجعل تعليم اللغة القبطية إجباريًا مع الإشراف على ذلك بنفسه، وإذ رأى أن بعض الطلبة من جهات بعيدة يتكبدون مشقة الحضور إلى المدرسة أنشأ لهم مدرسة بحارة السقايين وكان يزورها كل أسبوعين ، ومن المدارس التى أنشأها أبو الاصلاح :
١- مدرسة الاقباط الكبرى للبنين – الأزبكية – بجوار البطريركية القديمة – كلوت بك .
٢- مدرسة البنات القبطية بجوار البطريركية – كلوت بك .
٣- مدرسة البنين بحارة السقايين – عابدين .
٤- مدرسة البنات بحارة السقايين – عابدين .
٥- مدرسة المنصورة للبنين بمدينة المنصورة .
٦- الكلية الإكليريكية للاقباط الارثوذكس .
هذا بالاضافة إلى مدرسة البنين بعزبة بوش – بني سويف – التى أنشأها أثناء رئاسته للدير وهو قمص وقد سبق الحديث عنها .
+ برامج التعليم بمدارس البابا كيرلس أبى الاصلاح :
أولا : اللغات : العربية – القبطية ( إجباري ) – الانجليزية – التركية – الإيطالية – الفرنسية .
ثانيا : العلوم الحديثة : التاريخ – الجغرافيا – الإنشاء – الهندسة – الكيمياء – الخطوط .
ثالثا : الفنون الجميلة : الرسم والموسيقي والألحان ( وكان البابا كيرلس يختار الموهوبين فى جمال الصوت لتعليم الموسيقي والألحان ) .
+ وقد استعان البابا كيرلس بخبرة المدرسين من مصريين وأجانب وسوريين ولبنانيين وإيطاليين وإنجليز وكان ينفق عليهم بسخاء منقطع النظير ، وقد ظلت سياساته التعليمية الرائدة نبراسـًا للمدارس القبطية التى تعددت ليس فقط فى القاهرة والإسكندرية ، بل تكاثرت فى كل الأقاليم المصرية ، وتخرج من تلك المدارس الزعماء والرؤساء والوزراء وسائر الفنيين من جهابذة المهندسين والأطباء والمربيين .
+ وكانت مدرسة الاقباط الكبرى بالأزبكية ، تعد أحد أهم المدارس التعليمية على مستوى الأقاليم المصرية آنذاك ؛ فكان يعادل أهميتها اليوم الجامعة الامريكية بالقاهرة حالياً ، وقد افتتحت مدرسة الأزبكية سنة 1854 م ، وجعل البابا كيرلس ناظرها الاستاذ إسكندر جروه السورى ، وكان أديباً وشاعراً يجيد عدة لغات ، ثم أعقبه فى النظارة العلامة القمص فليوثاوس ابراهيم بغدادي رئيس الكنيسة المرقسية الكبرى ، وكان من أفصح رجال الدين الاقباط فى القرن التاسع عشر ؛ وقد جاء بعده الأديب الشاعر تادرس بك وهبى .
ومن نوابغ خريجى مدرسة الاقباط الكبرى بالأزبكية :
١- عبد الحميد مصطفى باشا وزير المالية .
٢- محمود عبد الرازق باشا وزير الداخلية .
٣- اسماعيل حسين باشا وزير المعارف ( التربية والتعليم حاليا )
ومن المستشارين :
١- المستشار أحمد شرف الدين بك
٢- المستشار مينا ابراهيم بك
٣- المستشار حنا نصر الله باشا وغيرهم من كبار المحامين وكبار الموظفين .
ومن المؤرخين :
١- ميخائيل بك شاروبيم ( صاحب كتاب الكافى فى تاريخ مصر القديم والحديث ) .
٢- يعقوب بيك نخلة روفيلة ( صاحب كتاب تاريخ الامة القبطية ) وغيرهم .
ومن علماء الدين :
القمص فلوثاوس ابراهيم بغدادي رئيس الكنيسة المرقسية الكبري بالأزبكية .
ومن الأدباء ورجال الصحافة :
تادرس بك وهبى الشاعر وميخائيل بك عبد السيد .
ومن علماء اللغة القبطية :
باسيلي روفائيل الطوخي ، وبرسوم الراهب .
كما تخرج نوابغ من خريجي مدرسة حارة السقايين ولعل أشهرهم أربعة من رؤساء الوزرات المصريين وهم :
١- بطرس غالي باشا ٢- يوسف وهبة باشا .
٣- عبد الخالق ثروت باشا ٤- حسين رشدي باشا
**********************************
حدث فى زمن البابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح ، أن جماعة تسمى ”العرفاء“ ( العرفان ) ، قامت بالتحريض على شخص البابا ، وحاولت إثارة الشعب ضده ومن ثم كسر طاعته الأبويّة .. فمن تكون هذة الجماعة ؟ وماذا كانوا يريدون ؟
*نبذة عن تاريخ العرفان ( شيخ الكتّاب ) :
حرص الأقباط لقرونٍ عدة تعليم أولادهم فى كتاتيب القرى التابعة لكل كنيسة ، وبالرغم ما كان يمر به الاقباط من عصور تأخر ؛ مثلما حدث فى القرن التاسع ، فى عهد الخليفة المأمون ، وأواخر القرن الرابع عشر فى عهد المماليك ، ثم طوال عهد العثمانيين ؛ إلا انهم سرعان ما كانوا يستعيدون موقعهم الحضّارى مرة أخرى ، وكان التعليم بلا شك وراء هذة الظاهرة ؛ فبالرغم من فترات الانحلال والضعف التى مرت بالبلاد ، إبان الحقبة المملوكية والعثمانية ، إلا أن كل كنيسة قبطية كانت تُلحق بها كتاتيب خاصة ، لتعليم الاطفال والنشئ القراءة والكتابة ، وتلك الميزة التى تمتع بها الاقباط ، جعلت الحكام والولاة يستعينون بهم للعمل ككتاب ومحاسبين فى دوائرهم الرسمية ، وكان يدير كتاتيب الكنيسة معلمين أفاضل يعرفوا بإسم ”العرفاء“، وقد جسدت الدراما المصرية شخصية العارف أو شيخ الكٌتاب ، بمسلسل ” الأيــام “ لطه حسين ، ومسلسل أم كلثوم وغيرها من الاعمال الفنية الدرامية التاريخية ؛ وكان شيوخ الكتّاب يعانون من ضعف حاد بالبصر ، والبعض منهم كان أعمى منذ الصغر .
*مشكلة فى التعليم :
وعندما قام البابا كيرلس أبو الإصلاح بتأسيس المدارس القبطية ، واستعان بالمدرسين الاجانب والمصريين ، شعر العرفاء بالخطر على مكانتهم ، وإبتدأو ينشرون الشائعات ويثيرون الفتن والقلائل ضد البابا . ويقول القمص زخارياس الانطونى بكتابه سيرة البابا كيرلس الرابع : ” لقد تحالف على البابا الجهال والرجعيون ، كما حارب العرفاء مدارسه الحديثة ، لأنهم شعروا أن فيها القضاء على كتاتيبهم وعلى رواتب العائلات لهم ، من عيدية التلاميذ من قمح وفطير وكسوة ونقدية وبلح ولحم فى كل موسم وعيد “.
ولقد تجسم الخطر أمام العرفان منذ قيام مدارس البابا كيرلس الرابع ، فأشاعوا أنها تعلم الكفر والهرطقة وفساد الأخلاق والعقائد غير الارثوذكسية ، ويصّور المؤرخ ميخائيل بك شاروبيم موقف العرفاء ، وقد كان معاصراً لهذة الأمور فى مطلع حياته فقد كان تلميذاً فى الكٌتاب ليقول : ” وكان المشار اليهم فى تعليم الأطفال يومئذ جماعة من العميان يعرفون باسم العرفان او العرفاء وكانت لهم منزلة عظيمة بين الناس وحرمة واسعة وكلمة مسموعة فلما أحسوا بما فعله كيرلس ، أدركوا ما وراءه من الخيبة لهم وسد أبواب الرزق فى وجوههم ، فتجردوا الى العداوة وإيقاظ الفتنة الراقدة وجعلوا يطوفون بالبيوت ويحرضون آباء الأولاد وأمهاتهم على العصيان وشق عصا الطاعة ويقولون كيف تلقون أولادكم بأيدكم إلى التهلكة وصاحبكم كيرلس قد عاقد الدولة على أن يجند لها أولادكم ألوفا لتدافع بهم الى حيث لا يعلم إلا الله وحده ، وكان إذا وصل إلى الدار البطريركية شيء من الكتب أو معدات التعليم كان العرفان العُميان يولولوا ويصرخون بأن هذة البنادق آلات الحرب وملابس الصيف وأحذية الشتاء لتجنيد شباب الأقباط بالجيش ، فأعتقد الشعب بصحة تلك الادعاءات المغرضة وأخذهم الرعب وكرهوا عمل البابا كيرلس وتحولوا لمقاومته ، وجماعة العرفان لا ينفكون عن الطواف وحض الناس على مقاومة البابا “ .
وقد عرف البابا كيرلس بحكمته درء تلك الفتنة التى صنعها اولئك العُميان ، فجمع لديه كل العرفان وطيب خاطرهم وخصص لهم مكاناً بالمدرسة الكبرى بالأزبكية ؛ ورتب لهم المرتبات وعهد اليهم أن يقوموا بالتعليم فى المرحلة الابتدائية ، وما إن استقر وضع العرفاء حتى تحولوا مائة وثمانين درجة فبدأوا يرتلون ويسبحون بحمد البابا وبأفضاله عليهم .
*البابا تواضروس بين عرفاء الماضي وعرفاء اليوم :
حاولت عند كتابة تلك السلسلة ؛ الالتزام بالموضوعية والحيّاد قدر الإمكان ، ولكننى وجدت نفسى تلقائياً ، خارجاً عن نص الحوار – سامحوني – فكواليس الأحداث التى وقعت بتلك القصة ، آنفة الذكر ، تتشابه لحد كبير بالأحداث التى نمر بها الآن ؛ فما أشبه الليلة بالبارحة ؟ ، فعرفاء الأمس هم عُميان اليوم ، وعُميان اليوم هم عرفاء الأمس ، فالذى يجمع بين هذا وذاك : نبذهم الحداثة ، وكراهيتم للتغييرات ، فالغاية التى توحّد هؤلاء – هى – تحقيق المصالح و الحفاظ على الموروثات ؛ فلكل زمان لديه عُرفانه ، ولكل زمان أيضاً لديه كيرلُسه .
ولعل قصة العرفاء العُميان بزمن البابا كيرلس أبو الإصلاح ، تذكرنا بالعرفاء الجدد المنتشرين فى وسطنا الان ، والمهاجمين لكل عمل إصلاحي يتخذه البابا تواضروس الثانى ، لإجل منفعة الأقباط ، فيتم الهجوم على البابا يومياً ، من قبل هؤلاء ، وذلك تحت مسميات باهتة ، فأشاعوا أن إصلاحاته تعلم الكفر والهرطقة وفساد الأخلاق والعقائد غير الارثوذكسية ، وكأن الكنيسة لا يوجد بها مجمع أساقفة ، يتولى مسئولية الحفاظ على الإيمان ، والعرفاء الجدد ليسوا عُميانا ظاهرياً حسب الجسد ؛ ولكنهم عُمياناً ظاهرياً حسب الروح ، فهناك فرق بين العمى الروحى والعمى الجسدى ، فعُميان الروح ، عملوا على إستغلال مكانتهم لدى أبناء شعبهم البسطاء ، ليطالبونهم عبر صفحاتهم الخرقاء ، و إعلامهم الثرثار ، كسر طاعة أبيهم البطريرك ، والتمرد عليه بإستمرار ، مثلما أُتبع الحال مع البابا كيرلس أبو الإصلاح ؛ فنجدهم دائماً : متمردين ، متزمتين ، حاسدين ، ناقمين ، مبغضين ، رافضين لأى عمل إصلاحي من شأنه نهضة الأقباط وكنيستهم ، مستغلين بذلك طول آناة البابا وصبرهِ عليهم ، ليخرج ويصفهم ، بأنهم أصحاب عقول مغلقة ، وقلوب مريضة مليئه بالسواد .. فلم يعدوا يكترثون لمصلحة شعبهم ، ولا يبالون بالمرتدين والمتحولين عن الإيمان ، ولا يبحثون عن الخروف الضال ، ولا يدعون أحداً يبحث عنه ، غير عابئين بالآلام البسطاء وهموم الضحايا الأبرياء ، فهم مهمومين فقط بالبحث عن السلطة الروحية ، والكرامة ، والمجد ، والجاه ، فإستحقوا عن جدارة لقب : ”عُرفاء هذا الزمان وعُميانه“ .. أخيراً : الرب يستخدمنا لنكون مثل كيرلس أبو الإصلاح ؛ ويبعد عنا شر العرفاء العُميان .
للحديث بقية .
……………..
المراجع
القمص / زخارياس الانطونى – كتاب سيرة البابا كيرلس الرابع – أبو الإصلاح .
المؤرخ القبطى / ميخائيل بك شاروبيم .
المؤرخة / إيريس حبيب بك المصرى – قصة الكنيسة القبطية .

شاهد أيضاً

الكنيسة القبطية

الضابط شفتيه، فطين

ماجد سوس تفاح من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في محلها. تلك المقولة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.