الأحد , أبريل 28 2024

روح أم أمريكا !

بقلم : إيليا عدلى

في لقاء بأحد أصدقائي .. وهو من ألد المعارضين للسياسة الأمريكية على طول الخط ، جرى حوارنا في البداية بنعومة الرأي المتوافق ، حتى توقفت معه عند عبارة غضبية ، أطلقها حين اختلفنا في استخدام نظرية المؤامرة ، التي لا أحبذ سيطرتها على الفكر ، فقال: “يعني (روح أم أمريكا) مش بتتآمر على العالم كله؟!” بالرغم من انتقادي الشديد لمعظم سياسات أمريكا في العشرين سنة الأخيرة ، إلا أن عبارة (روح أم أمريكا) لم تروقني ، ليس من جهة سخريتها ، فالسخرية السياسية من أجمل وأقوى وسائل التعبير السياسي ، ولكنها لم تروقني من جهة معناها .. “روح أم أمريكا” بالنسبة لي هي روح البداية الملهمة للولايات المتحدة الأمريكية ، روح أم أمريكا كانت أم حقوق الإنسان في العالم ، ملهمة بدستورها الجديد للثورة الفرنسية ، وملهمة لكل القوميات التي أرادت الانسلاخ عن الامبراطوريات القديمة .. جورج واشنطن كان روح أب أمريكا الذي استطاع بإرادة فولازية ، وبجيش وليد قليل العدد ، بتدعيم قدري اعجازي .. خطف دولة لاتحاد مستعمرين أمريكا ، من فم الأسد البريطاني الإمبريالي الذي طرد غريمه القوي فرنسا من أمريكا. إن كانت الولايات المتحدة خصماً لنا الآن ببعض سياساتها ، أو حتى لو وصلت لمرتبة العدو ، فواجب علينا احترام الخصم والتعلم من ايجابياته حتى لو كان عدواً .. لو تعلمنا من روح البداية لهذه الدولة الفتية التي انكفأت على زراعة أراضيها البكر ، بكل طاقتها ، في نهاية القرن الثامن عشر وحتى بدأت في الصناعة ، لنهضنا كما فعلت .. بل أسرع عشرات الأضعاف بمقدار فرق سرعة التكنولوجيا بين القرن الثامن عشر والحادي والعشرين .. ها هو مشروع المليون ونصف فدان ، فلنعمل به بنفس قدرة واخلاص والتزام روح أم أمريكا.. هل نستطيع؟!

قبل أن نسخر من روح أمها ، فلنتعلم من سياستها الأولى كما نتعلم من اقتصادها ، ففي بدايتها رفع الأمريكان شعار “داري على شمعتك تقيد” ، وشعار “إبعد عن الشر وغني له” بمبدأ العزلة والحياد عن الصراعات السياسية الأوروبية .. عملوا في عزلة وصمت ، هل نستطيع التعلم منها في هذه القضية ولو بذكاء التدرج حتى نسحب جسد وطننا من تحت ركام القوميات البعيدة عن المصلحة الوطنية لمصر .. هل نستطيع؟! روح أم أمريكا شجعت علمائها للمساهمة في عصر النهضة المتأخر بعلماء رواد كصمويل مورس الذي أهداهم التلغراف ، ونهض بهم عسكرياً ومدنياً وسياسيا وإقتصادياً .. مروراً بويليام شوكلي مخترع الترانزيستور ، وتوماس أديسون ، وستيفن هوكنج ، وغيرهم المئات .. وصولاً الآن إلى بيل جيتس ومارك زوكربيرج .. بدأت مصر في تشغيل ثلاث مدارس للمخترعين والفائقين تحت اشراف رئاسة الجمهورية .. هل ستعمل كما ينبغي؟!

روح أم امريكا طهرت نفسها بدماء شعبها بولايات الجنوب والشمال ، حتى حررت الزنوج .. أصر ابراهام لنكولن ، وهو أحد نفحات روح أم أمريكا ، على احترام الدستور القائم عليه الدولة الوليدة ، واحترام المساواة وحقوق الإنسان ، حتى ولو على حساب الاقتصاد في البداية .. هل سنسعى نحو المساواة والعدالة الإجتماعية في وطننا؟! بعد أن فعلت أمريكا كل تلك النهضة العلمية الإقتصادية السياسية ، ظهرت للعالم في أفلام هوليود ، كالدولة المسترخية المتنعمة الغارقة في اللطف والرقة التي شاهدوا بها “مارلين مونرو” .. حتى جاء موعد الاختبار ب”بيرل هاربور” ، وكشفت فيها الولايات المتحدة الأمريكية عن قوتها الحقيقية ، وافترست من أساء تقدير قوتها الكامنة التي تتكون في صمت عبر قرن من الزمان .. أعلنت بداية حصاد كد واجتهاد روح أم شعبها .. أعلنت سيادتها على العالم .. ذهبت مارلين مونرو وشاهدنا سلسلة “سوبرمان”.

في النهاية أعلنت لصديقي كراهيتي الشديدة لسياسة أمريكا الحالية في منطقتنا ، واعجابي بروح أمها !

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.