السبت , أبريل 27 2024
مدحت موريس
مدحت موريس

طقم اسنان

مدحت موريس

اغمضت عينيها وتمنت امنيتها ثم القت بسنتها المخلوعة من النافذة. استدارت فى سعادة ووقفت امام المرآة وهى تفتح فمها لتطالع الفراغ الذى حدث داخل فمها بعدما اُنتزع منه احد الاسنان، جرت الى امها ”ماما…فعلت زى ما قلت” ” شطورة يا حبيبة ماما بكرة ح تطلع بدالها سنة جديدة حلوة” اغمضت عينيها مرة اخرى وافتحتها ولكن على مشهد جديد….. ايضاً امام المرآة وهى تفتح فمها امام المرآة وتطالع فراغات فمها وكم من ضروس تم حشوها، صدقت امها يوم قالت ان سنة اخرى ستنمو ولكنها الآن بحاجة شديدة لعدد غير قليل لاسنان تنمو من جديد!!! المشكلة ليست فى احتياجها لهذه الاسنان فقط من الناحية العملية بل ايضاً من الناحية الجمالية وقد اضطرت لان تتكلم مع الآخرين بفم شبه مغلق لكى تدارى فمها العارى…ابتسمت بسخرية من هذا التعبير الذى طرأ على بالها فالفم بدون اسنان يبدوعارياً. كم تمنت ان تزرع اسناناً بديلة لكنها اكتشفت ان المبلغ الذى ستتكبده يعد بمثابة مُقدم محترم لشراء سيارة فاخرة ووافقت على مضض على عمل طقم اسنان متحرك لا تخلعه الا اثناء النوم. اليوم ستتسلم طقم الاسنان الجديد، خرجت من منزلها وهى تتمنى الا تصادف احداً تعرفه، وضعت نظارتها الشمسية على عينيها رغم الشمس الآفلة لكنها وضعتها وكأنها تريد ان تتخفى عن الآخرين ولا يراها احد او يعرف وجهتها. وحدث ما تمنته فلم تصادف احداً فى طريقها وحتى عندما وصلت عيادة الطبيب كانت العيادة خالية الا منها والممرضة وحمداً لله الذى لم يدع احداً يراها وهى ترتكب جريمتها النكراء!!!. جلست بغرفة الكشف ولاقاها الطبيب بابتسامة عريضة وكأنه يغيظها باظهاره لاسنانه البيضاء اللامعة….فتحت فمها عن آخره بينما يضع طبيب الاسنان “الطقم” داخل فمها فى سلاسة…شعرت وكأن كماشة اندست داخل فمها ودفعت فمها للامام لينشىء “ضباً” يثير السخرية…استأذنت الطبيب فوقفت امام المرآة…لم تجد ما يثير السخرية بل ولم تجد حتى شيئاً غريباً …ابتسمت فظهرت اسنانها الجديدة بصورة طبيعية وبشكل هندسى بديع، ارتاحت للأمر وجلست امام الطبيب مرة ثانية فخلع من فمها طقم الاسنان وطلب منها ان تضعه فى فمها بنفسها…

امسكت باسنانها فى يدها تأملتها قليلاً ثم شرعت فى وضعها داخل فمها لكن سال لعابها وارتبكت معدتها وشعرت انها ستفرغ كل ما فى جوفها اخرجته بسرعة وهى تنظر للطبيب بعيون بللتها دموع الغثيان، ابتسم لها للمرة السادسة او العاشرة ليظهر لها اسنانه الناصعة البياض المتكاملة وكأنه يسخر منها ومن اسنانها ، اشار اليها الطبيب بالاسلوب الامثل الذى تضع به طقم اسنانها داخل فمها وعاودت الامر مرات ومرات حتى اعتادت الامر شيئاً فشىء. خرجت من عيادة الطبيب وهى تشعر بانها تحمل داخل فمها جزءاً منفصل عنها ولكن كلمات الطبيب التى خرجت من بين اسنانه المستفزة طمأنتها بانها ستعتاد وجودها حتى تشعر فى النهاية انها جزء غير منفصل عن فمها…

ركبت سيارتها ورفعت رأسها وابتسمت لترى اسنانها البيضاء الجميلة فى مرآة السيارةواستحسنت منظرها وشعرت ببعض الارتياح فانطلقت بسيارتها وتوقفت امام احد المحال فقد افتقدت الخروج والتسوق خلال الفترة التى التزمت فيها منزلها تسوق فيها الحجج للآخرين معتذرة عن الخروج وعن التسوق بل وحتى عن الزيارات منذ ان خلعت بعض من اسنانها الامامية لحين اعداد طقم الاسنان نزلت تتجول فى المتجر وتمنت ان ترى احداً تعرفه مصادفة وبالفعل كان هناك ثلاثة من صديقاتها يتجولن فى نفس المتجر…

وقفت فى طريقهن وقد اولتهن ظهرها ممسكة باحدى البلوزات لكى يبدو الامر صدفة حقيقية وترامت على مسامعها كلمات احداهن “شوفوا مين هناك” التفتت نحوهن واصطنعت بعينيها نظرات الدهشة والسعادة ودار بينها وبينهن حوارات قصيرة باسئلة عن الحال والاحوال وسر غيابك…الخ لم يكن يعنيها الحوار فى شىء لكن انصب اهتمامها كله على نظرات اعينهن التى تتجه نحو فمها واسنانها وكلما مضى الحوار طبيعياً وعيونهن لا تتجه لمصدر قلقها كلما زاد ارتياحها وثقتها بنفسها حتى مع تلعثمها فى نطق بعض الكلمات لاحساسها بوجود جسم غريب داخل فمها فان ثقتها بنفسها لم تهتز طالما ان الشك لم يساور احداُ وسرها مازال خفياً داخل فمها.

مرة اخرى تعود الى سيارتها اكثر اطمئناناً منطلقة هذه المرة الى منزلها حيث تلتقى بمن يعرف سرها….زوجها العزيز الذى كان بانتظارها فلاقته بابتسامة كشفت عن اسنانها الجديدة نظر اليها نظرة فاحصة ثم بدأ فى الاشادة باسنانها الجديدة وما اضافته من جمال على جمالها الطبيعى لكن سؤالها له كان محدداً…هل تبدو اسنانها طبيعية فصمت قليلاً ثم اجابها اجابة كانت قمة فى الواقعية فهو يدرك تماماً ان اسنانها صناعية كما انه عايش مشاكل اسنانها لسنوات سابقة لذا فمن الصعب عليه ان يقتنع بان اسنانها ليست صناعية ولكنها تبدو لمن يراها مثل اسنان الآخرين…

ارتاحت لاجابته التى خلت من المجاملة والتى انهاها بجملة فلسفية ” لما تكون عندك اسنان صناعية فذلك افضل كثيراً من الافكار الصناعية والاخلاق الصناعية التى يضعها بعض الناس فلا يعرف حقيقتهم احد” اما هى فروت له لقاء الصدفة الذى حدث مع ثلاثة من صديقاتها وكيف انها كانت تراقب نظراتهن لها حتى تأكدت من عدم ملاحظتهن لأى شىء ثم ضحكت واضحكته معها وهى تروى له انها كادت كالعادة النسائية ان تفتح فمها وتريهن طقم اسنانها الجديد وتسألهن عنه وتتلقى الاجابة التى تتمناها مثل “جميل جداُ” “ماحدش يقدر يعرف انه طقم”. وحانت ساعة النوم وقد اعتادت على الضيف الجديد الذى يسكن فمها حتى كادت ان تنسى خلعه قبل النوم…وهنا فقط تذكرت انها لم تأخذ من الطبيب العلبة التى ستضع فيها طقم اسنانها فاحتفظت به فى فمها ليزداد اعتيادها عليه على ان تذهب للطبيب فى اليوم التالى….

ولليوم التالى على التوالى يكون من حظها ان تجد عيادة الطبيب خالية حتى الممرضة لم تكن قد حضرت بعد، طرقت باب حجرة الكشف…سمعت خطوات قدميه تقترب من الباب الذى انفتح امامها ليكشف عن اسنان الطبيب المستفزة لها وان كانت ابتسامته لم تخف اندهاشه من زيارتها المفاجئة، افصحت له عن سبب حضورها …..ايوة..ايوة…العلبة…هكذا قال وهو يشير الى منضدة خلفها كانت العلبة عليها…شكرته واستدارت لتأخذها ثم حيته خارجة لكنه استوقفها….لحظة يا مدام …توقفت متسائلة لكنه اشار الى نفس المنضدة قائلاً علبتك هناك…نظرت الى العلبة التى فى يدها فقال لها الطبيب وهو يبتسم نفس الابتسامة ما بيدك هى علبة طقم اسنانى انا.!!!!!!        

   

شاهد أيضاً

المغرب

الــملــصـق المسرحي لمن ؟

نــجـيـب طــلال مـفارقات: أشرنا ما مرة، بأن هنالك ظواهر تخترق جسد المشهد المسرحي في المغرب، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.