الجمعة , مارس 29 2024
إيهاب أبو رحمة

التخدير… هل أخطأت الإختيار؟

منذ أكثر من تسعه أعوام كنت في حيره من أمرى في اختيار التخصص الذى سأكمل به باقي حياتي المهنية و كان ما في عقلي ثلاث تخصصات لا رابع لهم جراحه العظام ,التخدير و العناية المركزة أو طب القلب .

أما جراحه العظام فعملت بها كثيرا في سنه التدريب الإلزامي عن رضا و رغبه في التعلم بها وأما التخدير و العناية المركزة فلم أكن أعرف عنهم إلا القليل و القليل جداً و أما طب القلب فكانت ماده مفضله لي أثناء دراستي و كانت في حقيقه الأمر رغبتي الثالثة .

فلم يحالفني الحظ في تخصص جراحه العظام فكان الاختيار التالي بالنسبة لي هو التخدير و العناية المركزة , عملت في التخدير و العناية المركزة لسنوات عديده سنوات مرت بحلوها و مرها كثيرا ما شعرت بحسن الاختيار كما شعرت مرات عديده بسوء الاختيار .

فعلم التخدير و العناية المركزة علم شامل ,لابد و أن تكن على دراية بأغلب علوم الطب و الجراحة و كيف لا فأنت من يتعامل مع الحالات الجراحية المختلفة و من يتعامل مع الحالات الطبية بأنواعها ,فطبيب العناية المركزه هو عباره عن موسوعة طبيه لما يحتويه عقله من كتب الأمراض الباطنية جميعها و طبيب التخدير مكتبه طبيه لما يحمله عقله من معلومات جراحيه .

بالفعل طبيب التخدير و العناية المركزه هو محل احترام و تقدير من كل أطباء المستشفيات و جراحيها فهو دائما يرتدى زي المنقذ لهم و هو سوبر مان الطب فهو المنقذ بعون الله من أخطاء الجراحة و التى قد تودى بحياه المريض من نزيف أو اختلال في العناصر الغذائية الهامه والعلامات الحيويه في جسم المريض و هو المنقذ بعون الله في الحالات التى تحتاج رعاية بعد العمليات و التى في الأغلب هي الأخطر من العمليات نفسها و هو بعون الله المنقذ لأطباء الباطنه بتخصصاتها في حالاتها الحرجه الطارئه و التى إن ظل جانبها قد يصاب بأزمه قلبيه يموت على أثرها الطبيب نفسه .نعم هو سوبر مان الطب و الجراحه في اللحظات الحرجه التى قد تؤدى إلى ضياع روح المريض .

نعم العمر بيد الله و لكن هذا السوبر مان هو الوحيد القادر على التعامل معها بتوفيق من الله و بقوه جأشٍ اكتسبها من حياته الشاقه و التى قضاها في إسعاف المرضى و لن أكون مبالغا إن قلت أن اللحظات المريرة التى مرت علينا في محاولات إنقاذ مريض كانت تمر علينا كسنوات طويله كما أنها كانت لحظات مرعبه أدت في بعض الأحيان إلى إصابه بعضاً منا بذبحه صدريه خوفاً على حياه مريض قد تضيع في لحظات .

ما أصعبها لحظات حين تشعر أن الله ألقى على عاتقك لحظه لمساعده مريض على البقاء في الحياه و ما أحلاها أن يوفقك الله في إنقاذ هذا المريض ,و ما أروعها لحظه أن يزورك مريض كان بين الحياه و الموت ليقدم لك الشكر على محاولاتك في إسعاف حياته و إبقاءه في الحياه بفضل الله .

لحظات صعبه و لكنها كانت جميله أن يوفقك الله و تثمر مجهوداتك ببقاء المريض على قيد الحياه و ما أسوء اللحظات التى تفشل فيها و لا تكون سبب لإسعاد ذوى المرضى و لا يوفقك الله في نجاه المريض من اللحظات الحرجة التي هو فيها و يأتي قدر الله والوفاه و كم و كيف هى المرارة التى تشعر بها و أنت تنظر إلى أبناء المريض أو والديه حين تبلغهم بأن أمر الله أتى و حدثت الوفاه.

كل هذه اللحظات بالشعور بالفخر هي لحظات و لكنها ليست دائمه ,كلها تشعر بها في عملك الحكومي و فقط حيث يكون لك اليد العليا في توقيت إجراء العمليات من عدمه و قابليه المريض للجراحة من عدمها و حين يكون لك القرار الأول و الأخير في تشخيص شده خطورة المريض و احتياجه لعنايه مركزه من عدمها نعم هى اللحظات التى يمارس فيها طبيب التخدير و العنايه المركزه عمله كسوبر مان الطب بلا أي تدخلات أو ضغوط.
أما عن اللحظات الأخرى من ندم و إحساس بسوء الاختيار

فهي ما تعايشها في عملك الخاص كطبيب تخدير و عنايه مركزه خصوصا في مجتمعات ينتشر فيها الفقر و الجهل كمجتمعاتنا ,و التى لا يدرك فيها المرضى و ذويهم قيمه الجندى المجهول الذى يتعامل معه في أصعب لحظات حياته و أخطرها

فالمريض وفقط يدرك اللحظات التى شاهد فيها طبيبه و جراحه وهو في وعيه و ينسى لحظات ضعفه الأخطر في حياته و لما لا و بعضهم يعتقد أن طبيب التخدير و العناية المركزة هو تابع لا أكثر من هذا .ولا أقول أن التخدير أو العناية المركزة هي كل الطب و لكنهم الجزء الأخطر في العملية الطبية .

نعم لحظات الندم والعمل في مستشفيات خاصه تسرق المرضى و تحاول جاهده سحب كل ما تستطيع من أموال يدخرها المرضى من البسطاء , حيث المال هو الحاكم الفعلي في الأمر بإدخال الحالات للعناية المركزة حتى و إن لم تكن تستحق بل و في بعض الأحيان قد لا تكون حرجه من الأساس و لكن و فقط للحصول على فاتورة علاج أكبر ,أو في العمل مع جراجين و أطباء في عملهم الخاص حيث تخدير حالات غير جاهزة لإجراء العمليات و بدون أي فحوصات طبيه من الأساس أو عمليات غير مطلوبة أصلا فقط من أجل المال لهؤلاء الجراحين أو لإدخال حالات لا تستحق إلى العناية المركزة فقط إيهاما من هذا الطبيب لمريضه بالعناية و الاهتمام الزائدين و أيضا لسرقه أموال المرضى.

و لن أكون مبالغا إن قلت أن لحظات السعادة و حسن الاختيار شعرت بها في كثير من الأحيان في المستشفيات الحكومية إلا إذا تواجدت مصلحه كبار الأطباء و تعارضت مصلحتهم مع عملنا أما لحظات الشعور بالندم فبدأت مع بداية عملي بالطب الخاص و التى لم استطع تحملها و لهذا السبب تركت بلادي سعيا لرزق حلال حتى و إن كان أقل من الذى كنت سأتحصل عليه لو أعملت عقلي على حساب ضميري .
نعم أشعر بالندم حينما أجد الإعلام يتحدث عن جهل عن أخطاء طبيه من وحى خيالهم و عن وفيات نتجت عن جرع زائده أو عن سرقه أعضاء بسبب تخدير هذا العضو فقط أو ما شابه من هذا السخف .

الطب في مصر في خطر و سيظل في خطر طالما لا توجد هناك رقابه على الطب الخاص و طالما أن العيادات الخاصة مستمرة ,سيظل في خطر طالما أنه مسموح بإنشاء مستشفيات صغيره غير مجهزه أبداً , سيظل في خطر طالما لا توجد رقابه على تواجد الأطباء الكبار في مستشفياتهم خاصهً الجامعية ,في خطر طالما يستغل المال العام و مستشفياته من أجل مساعده العيادات الخاصة و أصحابها.

سيظل الطب في خطر طالما يضحى المرضى بحقوقهم في علاج محترم و استسلامهم لسرقه الأطباء لهم و توعيه المرضى أن حق العلاج هو حق لهم ليست منه و لا هبه من هؤلاء الأطباءفى المستشفيات الحكوميه , فمن المرضى من يذهب إلى العيادات الخاصة طمعا في وجود سرير في عنايه مركزه أو علاج في مستشفى حكومي أو طمعا فى إهتمام زائد أو طمعا في إجراء العملية الجراحية المطلوبة منه على أيدى جراح بعينه أو حتى للتسريع فى إجراء العمليه .

المرضى يلامون أيضا فهم يتركون حقهم و يتركون أنفسهم فريسه لأطباء لا يعرفون الرحمة يسحبوهم إلى عياداتهم و مستشفياتهم الخاصة من المستشفيات الحكوميه .سيظل المريض فى خطر طالما أنه يترك نفسه فريسه لإعلام يبحث عن الشهره على جثث الأخرين و التشهير بأخرين .سيظل الطب فى خطر طالما الطب الخاص متروك للأطباء كمتنفس و عوضاً عن ضعف الرواتب الحكوميه و سيظل من يدفع الثمن من له ضمير حى من الأطباء و الأطباء الصغار و المريض البسيط الفقير.

نعم الكثير من الشعور بالندم سببه ممارسات كبار الأطباء أنفسهم و خصوصا كبار أطباء التخدير و العنايه المركزه الذين جعلوا منا نحن صغار الأطباء مجرد تابعين لناس فى كثير من الأحيان أقل منا علما طمعا فى استمراريه العمل الخاص حتى أنهم ينافسون بعضهم البعض فى خطف العمل الخاص !! هم من قلل من الصوره التى لابد أن نستمر عليها خارج المستشفيات الحكوميه فى العمل الخاص حباً فى المال.

التخدير و العناية المركزة علم عظيم و لكن في بلدان العالم التى تحترم الطبيب و الطب حيث هناك مستشفيات حكومية ضخمه مكتملة ومجهزه ,لا يقبل فيها تواجد مستشفيات بئر السلم أو العيادات الخاصة أو يسمح فيها بالجمع بين العمل الخاص و العام وبالتالي لا يستفيد فى عمله الخاص بسبب عمله العام .

هذا الخطر و هذه اللحظات السيئة و السلبيات العديده فى الطب عامةًو فى التخدير و العنايه المركزه خاصةً جعلونا نفكر مراراً في ترك هذه المهنة و الندم على العمل بها مادامت على حالها بلا أي تغيير .
الطب في بلداننا يحتاج مراجعه حقيقيه إن كنا نريد خدمه صحيه راقيه يستحقها المرضى فقراءً كانوا أو أغنياء يعالج بها الوزير و الغفير .
الطب في مصر في خطر يا وزاره الصحة ……….فأين الرقابة؟؟
الكاتب د. إيهاب أبو رحمه
للتواصل مع الكاتب

شاهد أيضاً

يتساءل الجهلاء : أليس المحجبات مثل الراهبات؟

إسماعيل حسني الراهبة إنسانة ميتة، صلوا عليها صلاة الميت يوم رهبنتها رمزاً لمغادرتها العالم المادي، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.